البحرانيون يوثقون جراحهم دمًا في اليوم العالم لحقوق الانسان
في اليوم العالمي لحقوق الانسان يتعمق شعور ضحايا القمع السلطوي بخيبة الأمل بسبب فشل المجموعة الدولية في تحويل القيم المرتبطة بهذا اليوم الى سياسات تساهم بحمايتهم ومنع أيدي المستبدين من إيذاء معارضيهم. فعندما تم إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر 1948، كان هناك طموح بان يولد مجتمع إنساني يمتلك مستوى مقبولا من العدالة والإنسانية، ويحول دون تكرر ما جرى في العقود التي سبقت الحرب العالمية الثانية وشرورها. كان رواد العمل الحقوقي آنذاك يمتلكون رؤية لما يجب ان يكون عليه سلوك المجتمع البشري مستقبلا وكيف يتحاشى تكرار المآسي التي عاشتها الشعوب ودفع ا لمناضلون ثمنا كبيرا اثناء بحثهم عن عالم آمن وإنساني وعادل. وبشكل تدريجي تم وضع المواثيق الدولية التي يفترض ان تنظم المسار الحقوقي في عالم ما بعد الحرب، و”هيمنة” الامم المتحدة من خلال مجلس الامن الدولي وأعضائه الخمسة الدائمين. ان من الصعب التشكيك في نوايا رواد العمل الحقوقي الأوائل، فقد كانوا مدفوعين بشعارات الحضارة والتقدم والسلام والقيم الإنسانية، التي انتشرت في ظل توازنات دولية جديدة على أنقاض عهد الاستعمار الذي كان يتجه نحو الانتهاء.
فما الذي حدث خلال العقود السبعة اللاحقة؟ من المؤكد ان هناك الكثيرين ممن لا يزالون يعتقدون بفاعلية المنظومة الحقوقية من جهة، ويصدّقون الشعارات التي يرفعها السياسيون الحاليون خصوصا في دول “العالم الحر”، خصوصا ان الجهود التي بذلت لتعميق مقولات حقوق الانسان والديمقراطية خصوصا في حقبة الحرب الباردة كانت ضخمة وشاملة. وما أكثر الذي عملوا في المجال الحقوقي بحماس نابع من نوايا صادقة، ولكن ما أشد صدمتهم وهم يساقون الى زنزانات التعذيب بدون ان يذرف ألعالم الحر” دمعة عليهم. أليس هذا ما حدث للنشطاء الحقوقيين في البحرين، وهي “الحليف الخاص” للولايات المتحدة والطفل المدلل لبريطانيا؟ فأين هو الدكتور عبد الجليل السنكيس الذي قضى عقدا كاملا من حياته مدافع عن حقوق الانسان ورافعا شعارات الحرية والديمقراطية؟ انه يصارع الموت مضربا عن الطعام بسبب طلب بسيط ما يزال الجلادون يحرمونه منه: إعادة كتابه الذي قضى اربعة اعوام لتأليفه. وأين هو عبد الهادي الخواجة مؤسس مركز البحرين لحقوق الانسان وحامل الجنسية الدنماركية؟ ألم يقض حتى الآن اكثر من عشرة اعوام وراء القضبان بسبب نشاطه؟ ألم يُكسر فكه يوم اعتقاله؟ ألم يتعرض لأشد اصناف التعذيب على ايدي الجلادين الذين يدعي بعض الغربيين انهم قاموا بتدريبهم وفق مباديء حقوق الانسان وقيمها؟ وأين هو ناجي فتيل، الحقوقي المعروف الذي يرزح بطوامير التعذيب منذ اكثر من ستة اعوام؟ وأخيرا ماذا عن نبيل رجب الذي كان أيقونة حقوقية مرموقة، فاذا به يزج في السجن ويتعرض للتعذيب الجسدي والنفسي، ثم يطلق سراحه ويجبر على توقيع إفادة يتخلى بموجبها عن حقوقه الأساسية كحرية التعبير والتجمع والانتماء.
واذا كانت البحرين حالة شاذة عن بقية دول المنطقة في مجال انتهاك حقوق الانسان، فهل ان مصر أفضل حالا؟ وهل تطورت حقوق الانسان في السعودية ام ان ذبح البشر وصلبهم وتقطيع اوصالهم ما تزال سياسة ثابتة لدى نظام الحكم في الجزيرة العربية؟ وماذا عن نشطاء حقوق الانسان ودعاة الديمقراطية في الإمارات؟ وماذا عن أهل فلسطين؟ ألا يعانون أشد أصناف البطش الذي تمارسه قوات الاحتلال؟ وهكذا تبدو صورة حقوق الانسان كالحة، ومستعصية على الإصلاح والتطوير. ومن أسباب ذلك تراجع القيم الإنسانية في العالم وتدني مستويات الحرية، وتداعي سلطة القانون، وانتشار ظاهرة الانتقائية والكيل بعدة مكاييل على صعيد السياسات الدولية. والسؤال الذي يمكن طرحه في اليوم العالمي لحقوق الإنسان: هل يمكن ائتمان سياسيي القرن الحادي والعشرين على الأمانة الإلهية التي طلب الله من الإنسان حملها (إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، وحملها الإنسان، إنه كان ظلوما جهولا”. هذه الأمانة كبيرة ومرهقة، حملها الأنبياء واحسنوا أداءها، ولكن الشيطان هيمن على نفوس الكثيرين من البشر فخانوا الأمانة وعجزوا عن حملها وأدائها. والأمانة تعبير عن المسؤولية التي يفترض ان يمارسها الإنسان سواء تجاه النفس او الآخر او الطبيعة. فقد اتستخلفه الله على هذا الكوكب، وحمّله الأمانة كاملة، ولكن الآية الكريمة وصفته بالظلم والجهل، فحدثت التراجعات البيئية والأنسانية والأخلاقية، بل ظلم الإنسان نفسه بإبعادها عن الله، وإقامة الحواجز بينها وبين الله، مصدر الوجود والحرية والتشريعات العادلة التي تدفع الإنسان نحو الكمال.
شعبنا البحراني احتفى في الأيام القليلة الماضية بهذا اليوم، بإظهار ظلامته للعالم، بالتواصل مع الجهات الحقوقية والسياسية الدولية لتوضيح ما يتعرض له من اضطهاد وقمع من جهة وما تعانيه البحرين من تدمير بيئي ممنهج من قبل حكامه الذين احتلوا البلاد بالقوة وأصروا على سوء استغلالها وانتهجوا سياسات أدت لتدمير بيئتها. وما الإضراب المتواصل من قبل الأكاديمي المعروف، الدكتور عبد الجليل السنكيس الذي دخل شهره السادس، وإضراب عدد من المعتقلين من اجل المطالبة بحقوقهم المشروعة وراء القضبان، ام من قبل الأستاذ علي مشيمع تضامنا مع السنكيس وبقية السجناء السياسيين. أنها حلقة متكاملة من النشاط الشعبي والمهني من قبل ضحايا الاضطهاد الخليفي، تهدف لكشف الحقائق امام العالم، وطلبا للنصرة من أحرار العالم، وفضحا للإجرام الخليفي الذي لم يتوقف منذ عقود. هذه الإضرابات عن الطعام تحولت إلى سلاح فاعل ضد الطغاة الذين أصبح الخناق عليهم يضيق يوما بعد آخر. الشعب يعلم ان الخليفيين سيبالغون هذا العام في تشويش الحقائق وتضليل العالم حول حقيقتهم وعدائهم العميق للشعب البحراني الأصلي (شيعة وسنة). ولكن لديه من الأدلة التي تثبت الإجرام الخليفي ما يجعله شاهدا حيا وصادقا على الممارسات الخليفية .هذا الشعب وصل الى قناعة راسخة باستحالة احترام حقوق الانسان من قبل الطغاة الخليفيين في غياب الجدية لدى داعميهم في وشانطن ولندن، خصوصا إزاء مباديء حقوق الانسان وقيمها. ولذلك سعى لإصلاح شأنه بجهود أبنائه بدون الاعتماد على أحد سوى الله سبحانه وتعالى. فهو يعلم ان طريقه طويل، ولكنه الأقصر لبلوغ المنى مع الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال القرار.
وفي الوقت الذي يستعد الوطن فيه للاحتفاء بعيد الشهداء في 17 ديسمبر فانه يدرك اهميته من زوايا عديدة: اولها ايمانه بان دماء ضحايا القمع الخليفي لن تضيع أبدا بل ستتراكم حتى تقتلع النظام الفاسد من جذوره، وما ذلك على الله بعزيز. ثانيها: ان منظومة حقوق الانسان لها ايجابياتها ولكنها لن تمنع الانتهاكات ولن تضرب على أيدي العابثين بحقوق الناس، بل قد تصبح أحيانا وسيلة للتخدير وحرف مسار التغيير وتمييع سقوفه. ثالثها: ان يوم الشهداء اصبح مناسبة وطنية عمّقت الشعور الشعبي بالحاجة الماسة للتغيير السياسي خصوصا بعد ان أدرك استخفاف الخليفيين بدماء الابرياء وعدم التزامهم بأية شرعة حقوقية او دينية او إنسانية. رابعها: ان أشكال الاحتجاج والنضال ضد الاستبداد الخليفي تتخذ أنماطا شتى، وما الاضراب عن الطعام الذي يمارسه الدكتور عبد الجليل السنكيس في طوامير التعذيب الخليفية وعلي مشيمع أمام السفارة الخليفية في لندن، الا واحد من وجوهها، وقد استقطب أنظار الآخرين لمعاناة شعب البحرين ودناءة العصابة الخليفية وتوحشها. خامسها: ان الحراكات الشعبية المتواصلة لن تتوقف حتى يتحقق التغيير ومنها الاحتجاجات اليومية المتضامنة مع الدكتور السنكيس والمطالبة بالإفراج عن كل السجناء السياسيين، وقد اصبحت مصدر إحراج للطغمة الحاكمة التي ستخسر بشكل محتوم الصراع مع الوطن والشعب.
ندعو الله ان يمتع شعبنا بالحرية ويذيق أعداء الإنسانية والوطن والشعب مرارة الهزيمة في الدنيا والعقاب الأليم في الآخرة، انه سميع مجيب الدعوات.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الاسلامية
10 ديسمبر 2021