الشعب البحراني يؤكد ثوابته في عيد الشهداء
أكثر من ربع قرن منذ أن أعلن الشعب السابع عشر من ديسمبر عيدا للشهداء، وما تزال تألقها يبهر المهتمين بشؤون هذا البلد المعذب. فقد كان استشهاد الهانيين في 17 ديسمبر 1994 برصاص الغدر الخليفي لحظة فاصلة في العلاقة بين البحرانيين والخليفيين، أدت تدريجيا الى توسع الفجوة بينهما خلال الانتفاضة اللاحقة التي احتضنت أكثر من اربعين شهيدا لمعت أسماؤها في سماء المجد وخلدها التاريخ: هاني خميس، هاني الوسطي، حسين العشيري، حميد قاسم، محمد عطية، نضال النشابة، فاضل عباس، السيد علي امين محمد، سعيد الإسكافي، وأخرهم نوح خليل أل نوح. ذلك هو تراث البحرين الإنساني الذي وضعها على طريق الحرية. فدماء تلك القافلة أنبتت شجرة الحرية التي اشرأبّت جذورها في ضمير الوطن، فاستعصت على النسيان او الاقتلاع. لقد استعصت تلك الدماء على التطويع او النسيان، وأفشلت كافة خطط أعداء الوطن والشعب والحرية لوقف الانتفاضة الا بعد تحقق أهدافها، فكان الاستسلام الخليفي متمثلا بالإفراج عن السجناء السياسيين الإعلان عن مشروع سياسي، اتضح لاحقا انه كان خدعة خاسرة، تعلم الوطن والشعب منها دروسا وأصبح تكرارها مستحيلا. لذلك فان ما يبدو من انسداد طرق الحل في المرحلة الحالية التي دشنتها دماء قافلة أخرى من الشهداء منذ اليوم الأول لاندلاع ثورة 14 فبراير، انما هو تأكيد لفشل النظام الخليفي بشكل كامل. فقد وقع في مستنقع عميق من الجرائم يستحيل خروجه منه سالما.
عيد الشهداء عنوان لنهضة أمة ونضال شعب ونهاية طغمة حكمت زمنا بالنار والحديد وانتهى مسارها الى طريق مسدود. وقد ساهم في إبقاء جذورة الثورة مشتعلة طوال ما يقرب من عقود ثلاثة مارس الخليفيون خلالها أبشع أساليب القمع والاضطهاد والخداع والتضليل، ولم يستطيعوا كسر شوكة الشعب. فعاما بعد آخر كان عيد الشهداء محطة لشحذ الهمم وتجديد العزم. كانت الاستعدادات للاحتفاء به في كل ديسمبر سببا لعدوان خليفي متواصل من اعتقالات وتعذيب وتهديد، وكلها ساهمت في إبقاء الفجوة بين الطرفي، وإفشال كافة محاولة التطبيع بينهما. كان عيد الشهداء عاملا في إفشال ما سمي “المشروع الإصلاحي” الذي حاول حمد بن عيسى خداع الجماهير به. وكان كذلك عاملا لتهميش عيد الخليفيين في 16 ديسمبر من كل عام. وكان كذلك من عوامل رص صفوف عائلات شهداء الانتفاضة وما بعدها، وتحويلهم الى بؤرة ثورية تشع نورا في نفوس الجيل الجديد من الأبطال. ونظرا لأهميته وفاعليته حاول الطاغية الالتفاف عليه بمحاولة خطفه بعنوان مشابه: عيد شهداء الواجب. وبرغم ما أنفق من اموال وجهود فشل الطاغية وعصابته في التأثير على مسار عيد الشهداء الحقيقي، لان دماء الهانيين أقوى من وسائل الجلادين والطغاة.
لقد لعب عيد الشهداء دورا محوريا في إعادة رسم الخريطة السياسية في البلاد بشكل مختلف. هذه المرة اصبحت دائرة الحراك الشعبي تتمحور حول التغيير السياسي الشامل، وعدم الانخداع بما يردده الخليفيون من مقولات ووعود فارغة. فقرر قطاع واسع من الشعب مقاطعة الحكم الخليفي بشكل كامل وعدم الانخراط في مشروعهم الانتخابي الفاشل، فأصبحت البلاد برغم دعاوى الخليفيين وأبواقهم بلدا “غير حر” وفق تصنيف منظمة “فريدون هاوس”. وكان محطة سنوية تجمع شتات الشباب الثوري والعائلات المفجوعة بأبنائها، فتحولت المقابر الى منطلق جديد للثورة التي ستشتعل لاحقا. وما ان توفرت الظروف المناسبة حتى اشتعلت تلك الثورة على أشدها، وكشفت للعالم ضعف الخليفيين وخواءهم ورفضهم المطلق من قبل الشعب. ولم تؤثر الممارسة الانتخابية الجوفاء في المسار الشعبي والوطني في السنوات العشر التي فصلت ما بين الانقلاب الخليفي من خلال الميثاق وثورة الشعب الشاملة في 14 فبراير 2011. فما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشد وعي البحرانيين بواقعهم، وأشد حماسهم للتغيير. فهم يعلمون ان بقاء الخليفيين في السلطة سيكرر مآسيهم، ولن يستطيع الطغاة العمل بمنظومة سياسية حديثة تحترم حقوق الإنسان. فثمة حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها: ان الديكتاتورية وحقوق الانسان لا يلتقيان، ويستحيل ان يحترم الطغاة حقوق مواطنيهم يوما.
يدرك البحرانيون أيضا ان هناك ما يشبه الاجماع لدى العائلات الحاكمة بدول مجلس التعاون الخليجي خصوصا الإمارات والسعودية والخليفيين، على خطة سياسية – أمنية لاستهداف ثلاث فئات في العالم العربي: الإسلاميين أيا كانت قناعاتهم السياسية او مدارسهم الفقهية، ومجموعات المعارضة السياسية عامة، وسواء ذات الاتجاه الإسلامي ام الليبرالي، وحركات المقاومة التي ترفض الاحتلال الإسرائيلي وتتبني أيديولوجية تحرير فلسطين. وعندما اجتمع زعماء دول مجلس التعاون هذا الأسبوع في قمتهم الثانية والأربعين بالرياضش كانت همومهم متعددة ومواقفهم غير متوافقة إزاء العديد من القضايا. ولذلك لم يناقشوا شيئا أبدا، بل اقتصرت “القمة” التي لم تستغرق أكثر من ساعة واحدة على الإجراءات البروتوكولية وتبادل السلام والتحية والمجاملات. فهناك تحسس شديد من سياسات ولي عهد الإمارات، محمد بن زايد، من اغلب زعماء دول المجلس الذي ينظرون إليه بارتياب ويخشون خططه التوسعية التي تفوق حجم بلاده أضعافا. حتى السعودية التي تحالفت مع الامارات سابقا خصوصا في العدوان على اليمن، أصبح واضحا لديها ان محمد بن زايد يمارس سياسات جنونية ستؤدي لمواجهة مستقبلية مع دول الخليج الاخرى خصوصا السعودية. وبرغم ما يشبه الاجماع بينهم على التوجه نحو الكيان الإسرائيلي، فان بعضهم يرى اندفاع الامارات والخليفيين نحو الكيان الاسرائيلي مغامرة غير مضمونة النتائج وقد تجر منطقة الخليج لصراعات داخلية واقليمية مدمرة. لقد كان واضحا فتور العلاقات بين الزعماء اذ لم تستغرق “القمة” سوى ساعة واحدة. الأمر المؤكد ان الانظمة يدعم بعضها بعضا وانها تعارض الاصلاح السياسي ولا تحترم حقوق الانسان.
من هنا يصر شعبنا البحراني على الاستمرار في نضاله من أجل تحقيق الأمن والاستقرار والنماء السياسي والاقتصادي في المنطقة من جهة ومن أجل استعادة الحقوق الانسانية التي سلبها الطغاة. وفي عيد الشهداء يجدد مواقفه المبدئية ومنها: أولها احترامه وإجلاله وعشقه لشهدائه الأبطال الذين قدموا حياتهم من اجل الله والحق والحرية والاستقلال، والتحقوا بركب الشهداء الأحباء وهم عند ربهم يرزقون. ثانيها: إصراره على تحقيق العدالة في البلاد التي تقتضي القصاص امام قضاء عادل من القتلة والسفاحين والمعذبين. ثالثها: احتضان عائلات الشهداء اللاتي فجعت بأولادها، وصمدت على مواقفها ورفضت الاستسلام لبطش الخليفيين وكافة اساليبهم الجائرة والخادعة. رابعها: مطالبته بالتحول السياسي الجذري وغلق ملف الاستبداد والديكتاتورية، وأقامة منظومة سياسية وفق مبدأ : لكل مواطن صوت، خامسها: رفض التطبيع مع الاحتلال واعتباره خيانة، ومقاطعة من خان الله ورسوله والانسانية والامة وفلسطين والشعب. سادسها: العمل الحثيث لتحقيق الوحدة الوطنية في الداخل على اساس الانتماء لثوابت الوطن، وفي الخارج بهدف توحيد صف المعارضة التي تناضل بلا هوادة من أجل نيل الحقوق. وأخيرا فان شعبنا الصامد لا يعبأ بالخليفيين وألاعيبهم وحيلهم ومكرهم وجرائمهم، ويعتقد بثقة مطلقة انهم أعجز من تكبيل أيدي الأحرار، وأن سعيهم لتحريض الدول الأخرى ضد البحرانيين سياسة فاشلة. فالذين هاجروا فرارا من الظلم الخليفي سيعملون وفق تكليفهم الشرعي بالتصدي للطغاة أينما وطأت أقدامهم. فهم مصداق للآية الكريمة: الذين أمنوا وهاجروا وجاهدوا.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
17 ديسمبر 2021 (عيد الشهداء)