عام جديد وآمال كبيرة وصمود بلا نظير
تميز شعبنا البحراني بإيمانه المطلق بالله سبحانه وتعالى وقدرته وجبروته، ولم يستطع الطغاة إدخال الرعب في جوفه، وفشلت سجونهم في تركيعه، وعجزت مباضع جلاديهم عن كسر إرادتهم او التخلي عن ثورتهم المظفرة بأذن الله تعاىل. ولذلك فشل الخليفيون طوال المائة عام الاخيرة من القمع والاضطهاد في امور عديدة: اولها ثني المواطنين عن المطالبة بالتخلص من الاستبداد والديكتاتورية، ثانيها: إخضاع البلاد والعباد لسلطتهم الغاشمة المدعومة من الأجنبي، ثالثها: إقناع العالم بأنهم يتربعون على نظام حكم آمن ومستقر. رابعها: استمالة رموز الشعب والوطن لمشروعهم المؤسس على الديكتاتورية المتوارثة ونظام الحكم المؤسس على البداوة والتخلف. في ظل هذه الحقائق يمكن استشراف مستقبل يسير باتجاه واحد فحسب، التغيير السياسي الجذري. هذه الحقيقة اصبحت تقض مضاجع الطاغية وعصابته، وربما أرغمتهم على تغيير تكتيكاتهم في التعامل مع الشعب. فقد تكسرت أدوات التعذيب ولم تنكسر إرادة السجين، وهزم المعتدي وما يزال الضحية صامدا في الميدان، وأفلس الخليفيون ماليا وأخلاقيا وإنسانية، وبقي البحرانيون مربعين على ذروة المجد، ملتزمين بقيمهم ومبادئهم، كما كانوا دائما، وكما كان آباؤهم الذين احتجوا امام البلدية في 1923 ووقّعوا العرائض المطالبة بالتغيير، واضربوا عن العمل، فانهم على خطى الآباء والأجداد سائرون، وعلى الحق ثابتون، وفي طريق الثورة سالكون. تلك هي حقيقة شعب البحرين الذي اكتفى بإيمانه الثابت بالله وكفر بكل ما سواه.
ومن مؤشرات ثبات البحرانيين ما يلي:
أولا: ان إحياء عيد الشهداء الأخير في 17 ديسمبر فاق في حماسه وحجمه التوقعات. فقد خرجت المسيرات والاحتجاجات في اغلب مناطق البلاد، ونظمت الامسيات التأبينية، واكتظت المقابر بالزوار الذين توجهوا الى قبور الشهداء ليستلهموا من عبقهم رائحة المسك وصلابة الموقف ورسوخ الإيمان. اما خارج الحدود فقد كثرت الفعاليات هذا العام، فنظمت اربع ندوات خاصة بالمناسبة، وتوجه البعض الى السفارات الخليفية للاحتجاج عند أعتابها، وأقيمت الندوات بمشاركة متخصصين دوليين في شؤون البحرين، واكتظت وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات والمواقف التي أكدت صمود الشعب والوطن. كان عيد الشهداء هذه المرة مناسبة لتجميع القوى ورص الصفوف والترفع على اسباب الفرقة والاختلاف. وشعرت عائلات الشهداء بالدعم المعنوي والسياسي الذي تجسد بالوقفات الاحتجاجية التي هتفت بحياتهم ونددت بالقتلة والسفاحين. لقد كانت شهادة شعبية دامغة ضد نظام حكم مستأسد بقوة غيره، وعاجز عن الوقوف على قدميه والذود عن العصابة الحاكمة التي تزداد إجراما وتخلفا ورجعية وظلما.
ثانيا: لقد فاجأ المواطنون أعداءهم والعالم الخارجي بإصرارهم على الاستمرار في الاحتجاجات اليومية في الشوارع العامة وعند مداخل المناطق السكنية. فمنذ ان بدأوا تلك الوقفات لم يتوقفوا يوما، بل هتفوا بأسماء المعتقلين السياسيين، ورفعوا صورهم ونددوا بالظلم الخليفي الذي لا يرعى في مؤمن إلًّا ولا ذمة. وبعد مرور شهور عديدة ما يزال عنفوان الرجال والنساء الذين يصطفون في كل ليلة رافعين صور شهدائهم بمعنوياتهم المرتفعة وهاماتهم الشاهقة وعزمهم الذي لا يفله الحديد. إنها وقفة عز وشرف وفخر في زمن العهر السياسي وهيمنة المال النفطي على بلدان المنطقة وسعيه لشراء مواقف الدول الكبرى لكي تدعمه وتصك أسماعها عن هتافات أبطال الميادين المطالبين بالحرية والمتصدين لفلول الحكم الخليفي المهزومين. لقد قرأ الشعب في هذا الإباء دعوة للصمود والتصدي والاستعداد لمنازلات أكبر في المستقبل غير البعيد. من هنا فشل الطاغية في أجبار المواطنين على تهنئته باليوم الخليفي الأسود الذي ارتبط في أذهان الناس وذاكرة الوطن بالإستبداد القبلي والتحول الى أسوأ منظومة سياسية. ها هنا يقف أبطال الميادين مشمرين عن سواعدهم، ومؤكدين ثباتهم حتى يتحرر أبناء الوطن المرتهنون لدى العصابة الخليفية. انها وقفات عز وشهامة وكرامة فشل الطغاة الخليفيون وداعموهم في كسرها.
ثالثا: برغم القمع والاضطهاد بقي شباب البحرين ثابتا على مطالبه ومصرا على تحقيقها. وعندما طرح ا لخليفيون مشروع “الاحكام البديلة” هرع الشباب لافشاله وإفراغه من محتواه. هؤلاء يطالبون بتحول سياسي جذري، ويقدمون من اجل ذلك تضحيات كبيرة بدون تردد. انها لحظة تاريخية ستتحول الى ايقونة ثورية يرتادها المناضلون للتزود بالصمود والثبات والإصرار ووضوح الرؤية. فليس هناك من الرموز من أبدى أي استعداد للتنازل عن المطالب التي سجن بسببها، ولم ترد على لسان أي من الرموز او المناضلين. فالجميع يعلم انه ما لم يحدث التغير السياسي الجوهري المنشود فستتكرر المأساة مستقبلا، لان الهدنة التي تحدث عادة بعد مصالحة وطنية محدودة انما توفر للحاكم الطاغية فرصة النيل من الأحرار والتنكيل بهم ان لم يعوا لعبة الطغاة. فما يزال مطلب التغيير السياسي الجوهري عنوانا مشتركا لكافة فصائل الشعب والمعارضة، وليس هناك من يستعجل النتيجة، بل يريد الجميع قطف الثمار بعد نضجها فحسب. اما الطاغية فيبحث ليلا ونهارا عن مخرج من ورطته التي اصبحت تطارده. فطرح مشروع الاحكام البديلة الذي سرعان ما رفضه الشعب وقادة الثورة، مؤكدين حق الجميع في التحرر من القيود، وان الثورة انما قامت لتحطيم الاغلال. ان هذا الاصرار على المطالب، يمثل ضربة قاسية للخليفيين الذين دأبوا على تضليل العالم حول حقيقية نواياهم، ويستعدون لرفع الراية البيضاء مستسلمين بعد ان ارتكبوا الفظاعات وتحولوا الى مجرمين محترفين وقطاع طرق.
رابعا: ان الشعب البحراني واع لما يخطط ضده وضد كل مواطن عربي شريف من قبل تحالف قوى الثورة المضادة. فمنذ ان استعان الخليفيون بالأجانب لحماية حكمهم من غضب الشعب، فقد سلموا السيادة للاجنبي وفتحوا ابواب البلاد امام المحتلين والمستغلين والناهبين. واذا كانت هناك ثمة معونات مالية، فانها تذهب لجيوب الخليفيين ولا يستفيد الشعب منها. فقبل عشرة اعوام، اي بعد انطلاق ثورة 14 فبراير المظفرة باذن الله، تعهد مجلس التعاون بتقديم عشرة مليارات دولار على مدى عشر سنوات، كمساعدات للبحرين، اي بمعدل مليار واحد سنويا. وفي الحقيقة فان هذه المعونات ذهبت الى جيوب الخليفيين الذين اختلسوها وانفقوها لتمويل نمط حياتهم الباذخ، او استخدموها لشراء أسلحة لا تحتاجها البلاد. شعبنا يعلم ان الخليفيين الذين نهبوا بلاده وسرقوا ثرواته لن يتورعوا عن نهب المزيد من ثروات البلاد، ولن يترددوا في إراقة دماء الأبرياء الذين يطرحون سؤالهم التاريخي: أين الثروة؟ أين اموال الشعب؟ وفي غياب منظومة سياسية فاعلة تمارس الرقابة والمحاسبة، يعتقد الخليفيون انهم سيكونون بمامن من تبعات النهب والسرقة. ولكن الشعب مصمم على استعادة ثروات الوطن المسلوبة وسيضرب بيد من حديد على أيدي السارقين والناهبين والمجرمين. يعلم الشعب ان الامارات اليوم هي صاحبة القرار حتى في ما يتعلق بالشأن الداخلي، ولذلك يضغطون على الخليفيين لعدم إطلاق سراح البحرانيين المأسورين لديهم.
امام هذه الحقائق استقبل شعب البحرين الأبي العام الميلادي الجديد وهو يكتسي حلة جميلة من الأمل والصمود والثبات، ويعلن للعالم ان حركته لن تهدأ يوما حتى يستعيد حقوقه كاملة غير منقوصة وحتى يستعيد الثروات المسروقة من قبل الخليفيين ويقاضي الجلادين والمعذبين من أعداء الانسانية. وهذا هو العهد الذي قطعه المواطنون مع شهدائهم الذين أحيوا الشهر الماضي عيدهم المجيد. فلا مكان للمساومة او التنازل عن المطالب او المراهنة على اعداء الحرية وناهبي الثروات وقطاع الطرق والمرتشين. سيواصل دربه متوكلا على الله ومعتمدا على نفسه، ولن يألو جهدا في النضال بل سيصعّد نشاطه وحضوره الميداني حتى تسقط أصنام قريش، سيحدث ذلك وما ذلك على الله بعزيز.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الإسلامية
24 ديسمبر 2021