أولويات الشعب في العام الجديد
في زمن العهر السياسي الذي تمارسه انظمة الاستبداد، يتوقف الزمن، فلا يعني انتهاء عام او قدوم آخر شيئا في قاموسها، فاستضعاف الشعوب هو الأمر الثابت في سياساتها، فيبدو الزمن متوقفا عن الحركة. وهذا الامر يشعر به السجناء السياسيون الذين يقضون اعمارهم في سجون الطغاة حتى يختلط عليهم الليل والنهار ويتداخل حساب الشهور والسنوات. وحدهم الأحرار هم الذين يحسبون اوقاتهم بدقة، يعرفون المآسي التي تعرضت لها شعوبهم، ويحفظون ذكريات شهدائهم عن ظهر قلب. هؤلاء الأبطال يخططون لفعالياتهم بدقة، فهذا عيد الشهداء، وهذه ذكرى الثورة، وهذه ذكرى السبت الأسود، وتلك ذكرى الاجتباح السعودي – الإماراتي للبحرين واضطهاد شعبها. هؤلاء يسهرون على مصلحة الشعب ويعملون لتحقيق حريته، وينذرون نفوسهم دفاعا عن الحق والكرامة والدين والوطن. أنهم يخططون لما سيفعلونه لضمان استمرار الحراك الثوري وإبقاء شعلة الثورة متقدة في النفوس والواقع. انهم مجموعات شبابية استقت خبراتها من تجاربهم في النضال على مدى عقود. لقد عرفوا الخليفيين وعهدهم الأسود ونظامهم الدموي القبيح، ونذروا أنفسهم للاستمرار في طريق النضال حتى تتحقق المطالب وتتحرر البلاد من الطغاة والمحتلين. لديهم إيمان راسخ بحتمية انتصارهم ولا يخافون في الله لومة لائم: ذلك هدى الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
فما ان أطل العام الجديد حتى انبرى أبطال الميادين لوضع خططهم للعام الميلادي الجديد الذي يبدأ عادة بذكرى شهيدين: أولهم السيد هاشم السيد سعيد الذي قتله الخليفيون بالرصاص الحي في 31 ديسمبر 2011، وقد احتفى الشعب مؤخرا بالذكرى العاشرة لاستشهاده، فواسوا عائلته وزاروا قبره ونثروا عليه الورود وقرأوا آيات من القرآن الكريم عند رأسه. وتذكروا كذلك الذكرى السادسة لاستشهاد الشيخ نمر النمر الذي ذبحه السعوديون ظلما وعدوانا وتوحشا لانه قال كلمة الحق، وصدق عليهم حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سيد الشهداء حمزة ورجل رد على حاكم ظالم فقتله”. وقد ارتفعت صورة الشهيد في الاحتجاجات التي خرجت لتأبينه، وكذلك بثت عبر وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع.
ما هي اولويات أبطال الثورة هذا العام؟ يمكن طرح ثلاث من الأولويات التي ستحظى باهتمامهم بعد إحياء ذكرى الشهيدين المذكورين؟
الأولى: العمل المتواصل لضمان استمرار الثورة المظفرة بعون الله ضد الخليفيين. هذه أولوية يوليها الأبطال اهتماما كبيرا ناجما عن وعيهم بالمحاولات اليائسة التي يمارسها الخليفيون لتهميش الثورة وتمييعها في النفوس. هؤلاء الطغاة تقض مضاجعهم هتافات الأحرار الذين يجوبون الشوارع ويملأون الساحات هاتفين من أجل الحرية ومؤكدين استمرار الحراك حتى تسقط الإصنام التي تحكم الناس بالنار والحديد وتمارس في سبيل ذلك أبشع أساليب الاضطهاد والقمع والقتل والتدمير. ان الثورة مشروع متواصل، طويل الأمد، كان في الماضي يحتاج لتأصيل وتقعيد، ولكنها أصبحت اليوم واضحة لدى الأبطال. انها حراك متواصل قرر المشاركون فيه إكمال المشوار حتى النهاية وتوقفوا عن الكلام مع الديكتاتوريين بعد ان شطبوا على عهدهم، وقرروا التخلص منهم. انها حالة تعتمل في نفوس الأحرار فتحول كلا منهم الى قائد مظفر لا يخشى في الحق لومة لائم ولا تخيفه التهديدات او قوة البطش المفرطة ولا ينال من عزمه وأمله تأخر النصر. فعنصر الإيمان المختزن في نفوسهم يشعرهم دائما أنهم ا لمنتصرون، فقد حققوا رضا الله بجهادهم وصمودهم وتصديهم للظلم والطغيان والاستبداد والفساد، وبذلك ضمنوا رضا الرب عنهم. وبقي عليهم مواصلة الحضور الميداني بدون تردد او تراجع حتى يرث الله الأرض ومن عليها. انهم طلاب حرية وعنوان تغيير وأدوات خير وإصلاح، فلا يهمهم لو تأخر النصر، طالما بقوا صامدين على طريقه. هذا الإيمان الراسخ سيكون دافعا للأبطال للعمل المتواصل من اجل ترسيخ الثورة الهادفة للتغيير، وقطع الطريق على الخليفيين ومرجفيهم لمنعهم من الإرجاف الهادف للقضاء على الثورة وإعلان النصر الحاسم للباطل على الحق. هؤلاء سيظلون يحفرون في الجدار حتى تصبح الثورة عنوانا لكل مواطن، ومشروعا متواصلا من أجل التغيير. انه هدف مقدس وذكي لانه يعبر عن استيعاب حقيقي للمشروع الثوري والتغيير ومفاهيم التضحية والفداء وأزلية الحق وديناميكية الحراك.
الثانية: بموازاة الإصرار على الحراك الثوري من اجل تحقيق المطالب السياسية كاملة غير منقوصة، يرى الأبطال ان من أولوياتهم الدفاع عن المظلومين والسعي لإطلاق سراح السجناء السياسيين الذين اعتادت انظمة الجور والعدوان إبقاهم وراء القضبان كرهائن لردع الآخرين عن السير على طريقهم. وقد اتضح للعالم أهمية إطلاق سراح السجناء السياسيين بدون قيد او شرطن، وان استمرار اعتقالهم انما يؤكد نوازع شيطانية لدى الخليفيين ولا علاقة له بأمن البلاد او سيادتها. سيعمل الأبطال ما وسعهم لاستنقاذ المعتقلين السياسيين من مخالب الخليفيين، وسيعمل لضمان عدم تكرر معاملة البحرانيين بالطريق المتوحشة التي مارسها الخليفيون. وقد أصبح إطلاق السجناء السياسيين مطلبا شعبيا لا جدال فيه ولا يقبل المساومة ويرفض إخضاعه للنقاش او الالتفاف. فالسجناء السياسيون ليسوا سوى رهائن يحاول الخليفيون استخدامهم للضغط على الثوار بهدف تقويض مشروعهم وأنهاء الحراك. وقد وعى الثوار والسجناء لذلك، فحرموا الطاغية وعصابته من ذلك، وقال كل بحراني حر شريف: ربّ السجن أحب إلي مما يدعونني إليه. ويصر الشعب على كسر الإرادة الخليفية وهزيمة الطغاة في موضوع المعتقلين السياسيين، خصوصا بعد ان أصبح اسم الخليفيين مرتبطا بالتعذيب والقمع، وبدأ بعض حلفائهم يشعر بعبء سياسي وأخلاقي كبير بسبب الوقوف معهم.
الثالثة: المشروع الثوري الذي بدأ منذ الاستقلال وبلغ ذروته في ثورة 14 فبراير التي اندلعت قبل أحد عشر عاما، جاء ليستمر حتى يحقق أهداف الوطن والشعب بإنهاء الاحتلال الخليفي وأقامة منظومة سياسية عصرية مؤسسة على مبدأ “لكل مواطن صوت”. هذا المشروع مستمر منذ نصف قرن، ولم يتوقف إلا في محطات قصيرة. وخلال هذه الحقبة احتضنت سجون النظام الخليفي الباغي عشرات الآلاف من المعتقلين السياسيين، ولو كان لجدرانها السنة لنطقت بما شاهدته من تعذيب واضطهاد وانتهاك للقيم والحقوق والإنسانية. لقد نحر الخليفيون الإنسانية داخل زنزانات التعذيب خصوصا في طوامير جهاز الأمن الخليفي الذي ذبحت فيه الإنسانية. المشروع الثوري لن يتوقف إلا بتحرر البلاد والعباد وإنهاء عهد الاحتلال والاستعباد والاضطهاد. هذا هو عهد الشهداء الذين تمر ذكريات قتلهم في كل أسبوع من السنة. فما أكثر البحرانيين الذين قتلهم الخليفيون، وما أشد معاناة الأمهات والزوجات والأطفال بفقدان الأحبة وأغلبهم في مقتبل العمر. النهج الثوري أصبح خيارا للشعب الصامد الصابر، ولذلك يرتبط بمن يمثل هذا النهج خصوصا الرموز المعتقلين ظلما وعدوانا. كان هذا واضحا عندما احتفى الشعب بالذكرى السابعة لاعتقال سماحة الشيخ علي سلمان الذي أكدت مواقفه وخطاباته إصراره على المطالب الشعبية العادلة وإنهاء عهد الاستبداد الخليفي المظلم. كما احتفى في مطلع الشهر بالذكرى السادسة لإعدام الشيخ نمر النمر. وسيحتفي الوطن والشعب بالذكرى الرابعة في 15 يناير لإعدام ثلاثة من أبناء البحرين الأبرياء: سامي مشيمع وعلي السنكيس. هذه الاحتفاءات والذكريات اصبحت محطات لتزود الثوار بالوقود الذي يتطلبه الإصرار والاستمرار على طريق الثورة. ولن تجدي المحاولات اليائسة لضرب الشعب، ابتداء بالاجتياح العسكري السعودي- الاماراتي، مرورا باستقدام آلاف المرتزقة من باكستان والاردن واليمن، وصولا الى الاتكاء على أجهزة الامن الاجنبية وآخرها الموساد الإسرائيلي. لقد قال الشعب كلمته وعلى الطغاة جمع أمتعتهم والرحيل، بعد ان لفظهم الشعب واستحقوا غضب الله ولاحقتهم لعنة التاريخ.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
7 يناير 2022