الذكرى الخامسة لإعدام الأقمار الثلاثة، وقرار سعودي بإعدام كوكبين
في مثل هذه الأيام قبل خمسة أعوام كانت قلوب أمهات بحرانيات تخفق ألمًا واضطرابًا لما كان ينتظر أبناءهن من مصير شاء الله ان يكتب بدمائهم الزاكية. ثلاث شمعات كانت تضيء سماء البحرين قرر الطاغية الخليفي إطفاءها لكي يستمر الظلام الذي فرضه على البلاد والعباد. كان الشعب على موعد مع مزيد من إزهاق الأرواح وحرمان أصحابها من الحياة. توجهت القلوب نحو الله تطلب منه حماية ثلاث نفوس بريئة من بطش الإرهاب الخليفي الذي أبى إلا الاستمرار في السجن والتعذيب والقتل. لم يكن البحرانيون الثلاثة: سامي مشيمع وعباس السميع وعلي السنكيس قد ارتكبوا جرما يستحقون عقوبة الموت بسببه، فكل ما فعلوه انهم رفضوا الاستسلام للاحتلال الخليفي البغيض الجاثم على صدور البحرانيين منذ عقود ويرى في أصحاب الأرض الأصليين تهديدا لاحتلاله. حاول الطاغية وجلادوه تركيع الابطال بطلب العفو او التنكر للشعب ومطالبه او الاستسلام لطغيانه فباءت جهودهم بالفشل. فقد صمد الأبطال العمالقة وقزّموا القن الخليفي االتافه الذي كان يتلذذ بسفك الدماء البريئة ويرقص على جثث الابرياء، وينتشي بسماع طلقات الرصاص الحي الموجهة الى صدور البحرانيين. بدأ القتل العمل للأبرياء منذ اليوم الأول لانطلاق الثورة المظفرة بإذن الله في 14 فبراير عندما قتل أول شهدائها، علي عبد الهادي مشيمع، ولم تتوقف آلة القتل الخليفية عن القتل والتنكيل بعد ذلك. وها هم أطفال البحرين يقادون فرادى ومجموعمات الى طوامير التعذيب بدون رحمة او شفقة. لقد بلغ الحقد الخليفي ذروته خصوصا بعد ان سقط الطاغية وعصابته في وحل التطبيع وخانوا الله ورسوله والأمة والشعب وفلسطين.
أربع رصاصات كانت نصيب كل من الشهداء الثلاثة الذين نفذ حكم الإعدام بهم في الساعات الأولى من يوم 15 يناير 2017. أربع رصاصات أطلقها القتلة واغتالوا بها الإنسانية والضمير والاخلاق والقيم. فكان يوما مشهودا في تاريخ الوطن والشعب، لن تنساه ذاكرة الأجيال لانه كتب بالدم. وعندما سلمت الملابس التي كانوا يرتدونها ساعة تنفيذ قرار الطاغية، كانت ملطخة بدمائهم الزكية، التي انبعثت من أربعة ثقوب أحدثتها رصاصات الغدر الخليفي. كان يوما عصيبا على الأمهات، إذ لم يتوقعن ان يبلغ الخليفيون ذلك المستوى من النذالة والتشفي والشماتة وانعدام الأخلاق والضمير. وقفت الأمهات كالجبال، وكل منهن تهتف بالظلامة الممتزجة بالصمود والإيمان الراسخ: اللهم تقبل منا هذا القربان، اللهم ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى. تلك الأمهات لم تر اجساد أبنائهن التي أمر الطاغية بدفنها في مقبرة نائية ولم يسمح للمواطنين حضور مراسم الدفن التي تمت سرا. وهكذا هم خفافيش الظلام التي لا تستطيع مواجهة النور لحظة. كانت ردة فعل الشعب يعلوها الغضب ويمتزج بها الأمل بقرب نهاية الطغيان الخليفي الدموي الذي سلب الله الرحمة من قلوب رموزه. بقيت قلوب الأمهات مفجوعة بالفقد وان كانت كل منهن تفتخر بأنها “أم الشهيد”. فمن قال ان أمهات الشهداء لا تتفطر قلوبهن لفقد فلذات أكبادهن؟ ألم يبك رسول الله صلى الله عليه وآله عمّه حمزة بن عبد المطلب عندما استشهد في بدر؟ الحزن والبكاء لفقد الأحبة لا يعني التخلي عن المباديء والفخر بالشهادة والإصرار على مواصلة طريق الشهداء.
خمسة أعوام مرت وما تزال الجريمة الخليفية ماثلة للجميع. فالطاغية أصبح يخشى من ظله، فما ان اقتربت حتى أصدر أوامره لجلاوزته باعتقال عدد من ذوي الشهداء، معتقدا انه سيمنع إقامة مجالس العزاء او المسيرات الغاضبة التي تهتف بدون خوف: الشعب يريد إسقاط النظام. ومتى كان الخليفيون نظاما؟ ومتى لم يكووا قراصنة محتلين؟ متى كان الخليفيون بحرانيين؟ ومتى كان البحرانيون مستعدين للاعتراف باحتلالهم او التخلي عن مطالبهم التي يتصدرها العمل من أجل تحرير الأرض من الاحتلال والتحرر من الاستبداد؟ في عتمة ليلة منتصف شهر يناير 2015 لم يقبر الشهداء، بل قبر مستقبل الاحتلال الخليفي الذي أصبح رمزا لكل ما هو شر وظلم وعدوان وانحراف. لقد انسلخ آل خليفة من أنسانيتهم منذ زمن، تشهد بذلك أجساد الشهداء الذين ضرجوا بدمائهم على مسلخ الحقد والاحتلال والظلم الذي فرضته تلك العصابة المارقة على البحرين وأهلها. شعارات الحرية ستظل مرفوعة في كل مناسبة، مكتوبة بدماء الشهداء، ومحفوفة بالدعاء والصلاة من أجل مستقبل زاهر للبحرين واهلها. فبعد احد عشر عاما على اندلاع الثورة ما تزال راياتها مرفوعة، وما تزال الهوة بين البحرانيين الاصليين (شيعة وسنة) تزداد اتساعا. فقد اختلف الطرفان في كل شيء: مفهوم السيادة، وحكم القانون، وقيم العدل وقضية فلسطين، ووحدة الشعب والأمة، ومشروع بناء دولة حديثة في البحرين. هذه قضايا توضح عمق الخلاف والاختلاف وان الطرفين لا يلتقيان ولن يلتقيا. فبينما يسعى أحدهم للتحرر من الاستبداد والهيمنة الاجنبية، يهرع الآخر للاستسلام للاجنبي واستدعاء قواته والتطبيع مع العدو والتجهم لذوي القربى من أهل فلسطين بعد ان مارسوا العدوان غير المحدود على الشعب.
وها هو الشعب، بعد خمسة اعوام من إعدام الأبطال الثلاثة يجدد عهده للسير على خطاهم والتشبث بمطالبهم ورفض الاستسلام للعدو الغاشم. بالأمس أصدر السعوديون قرارهم بإعدام شابين بحرانيين آخرين بعد اتهامهم ظلما وزيفا بـ “تهريب أسلحة”. ففي شهر مايو 2015 اعتقل الشابان: جعفر سلطان وصادق ثامر من على جسر البحرين – السعودية، وتعرضا لأبشع أصناف التنكيل والتعذيب لكي “يعترفا” بما نسب اليهما ظلما. كانت تلك الخطوة واحدة من أساليب التنكيل بالبحرانيين وثورتهم، ونمطا آخر من الاضطهاد البشع الذي يمارسه طغاة آل سعود وآل خليفة. هؤلاء لا تهمهم حياة البشر، ولا يعترفون بحق البشر في الحياة، ويتعاملون مع الناس من موقع الاستعلاء والاستكبار. انها العقلية الفرعونية التي يعتقد من يحملها انه يملك حق إعطاء الحياة وسلبها: أنا أحيي وأميت. هؤلاء لا تنبض قلوبهم بالرحمة او العطف، ولا يراعون مشاعر الأمهات اللاتي تحمّلن متاعب الحمل والولادة وسهرن الليالي من أجل تنشئة فلذات أكبادهن. لذلك يقررون متى شاؤوا ذبح الأبرياء او سجنهم او تعذيبهم. إنهم شرٌّ مطلب ابتليت به هذه الأمة، وساهم أعداؤها بنشره ودعمه. ولن يصلح آخر الأمة إلا بما صلح به أولها. هذه الأمة لم تفلح إلا بعد ان تصدت للأصنام والطواغيت، وقدمت الشهداء على طريق دين الله، ودعمت رسول الله وذادت عن دين الله. هذه الأمة لم تفلح إلا بعد ان أيقنت بالحرية التي وفرها الإسلام من خلال عقيدة التوحيد النقية من الشرك خصوصا في موضوع الحكم عملا بقوله تعالى: ولا يشرك في حكمه أحدا.
في هذه المناسبة (الذكرى الخامسة لاستشهاد عصبة آمنت بربها وقضيتها وسلمت أمرها إلى بارئها) يحق للشعب ان يفخر، وللأمهات المفجوعات ان ترفع رؤوسها بالعزة والكرامة، فقد قدمن أغلى ما يملكن على طريق الحرية، وفدين بفلذات أكبادهن دين الله وأرض الوطن وقيم الحرية. ذرفن الدموع حزنا ولكن قلوبهن بقيت مؤمنة مطمئنة. في بطن الليل يرتفع دعاؤهن الى السماء بأن يتقل الله قرابينهن، ويمحق الطغاة والقتلة، ويمنح الشعب حريته وكرامته. هذه الأدعية لن تحجب عن الله سبحانه، بل سيقبلها ويمسح على قلوبهن، ويحقق للشعب أهدافه. فدماء الشهداء لا تذهب هدرا: “إنهم لهم المنصورون، وان جندنا لهم الغالبون”، ووعد الله عباده الصالحين بالنصر: وكان حقا علينا نصر المؤمنين.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
14 يناير 2022