في الذكرى الحادية عشرة للثورة: فئات ثلاث تصر على إنهاء الحقبة الدموية الخليفية
لم يعد الرابع من فبراير ذكرى سنوية عادية لدى البحرانيين، تتكرر كل عام ليحتفي المواطنون بها بالكلمات والقصائد، بل أصبحت محطة ثورية مهمة تؤكد استمرار الحراك الشعبي حتى يسقط الحكم الخليفي الجائر. قد يبدو للبعض ان هذا حلم بعيد المنال، او أنه تشبث بالخيال والوهم، او أنه تعبير عن راغبة جامحة لا مجال لها للتحقق. ان من المؤكد ان هذا ليس رأي البحرانيين، خصوصا القطاعات التالية:
أولاء: عائلات الشهداء اللاتي التي عاهدت ربها وأبناءها وشعبها على اقتلاع القتلة الذين ارتكبوا أبشع الجرائم وما يزالون يفعلون ذلك. هذه العائلات ربما تقطعت قلوبها من ألم فراق فلذات أكبادها، لكنها لم تيأس لحظة او تتراجع عن المطالبة بمحاكمة القتلة ومن أصدر لهم أوامر القتل. يتساوى في ذلك عائلات الذين سقطوا بالرصاص الحي في ميادين الشرف، وأولهم علي عبد الهادي مشيمع ومحمود ابوتاكي وعلي المؤمن والعشرات غيرهم الذين اخترقت رصاصات البغي الخليفي أجسادهم (ام الذين سبقوهم في انتفاضة التسعينات وأولهم هاني خميس وهاني الوسطي) ام الذين عذبوا حتى الموت بمباضع الجلادين الخليفيين ومن بينهم كريم فخراوي وعلي صقر، وزكريا العشيري وعبد الرسول الحجيري وعلي جاسم مكي ومن تبعهم (وكذلك من سبقهم مثل سعيد الاسكافي وفاضل عباس وعلي أمين محمد ونوح خليل آل نوح)، ام الذين أعدمهم الطاغية بقرار واع عن سبق وإصرار ومنهم عباس السميع وسامي مشيمع وعلي السنكيس واحمد الملالي وعلي العرب (ومن سبقهم في التسعينات مثل عيسى قمبر). هؤلاء الشهداء هناك أباء وأمهات وإخوان وأخوةات وأهل وأصدقاء، فجعوا بفقدهم وعاهدوا ربهم على الاستمرار في الطريق المؤدي للقصاص العادل من القتلة والسفاحين، ومن أصدر لهم أوامر القتل او من حكم ظلما بقتلهم، او وقّع على قرارات الإعدام. هذا القطاع صامد كالجبال، يتردد أفراده على مراكز التعذيب ويسجن بعضهم بتهم واهية، ولا يبارحون المقابر لزيارة قبور الشهداء بدون انقطاع، بل ان يعض الأمهات تزور قبور أبنائها يوميا. لن يقبل هؤلاء بأقل من زوال الحكم الخليفي، ويشاطرهم في ذلك عقلاء البلاد الذين يعلمون أن أبناءهم سيطالهم المصير نفسه ان بقي الخليفيون حكاما.
ثانيا: المعتقلون السياسيون: وما أكثرهم، فقد تجاوزوا العشرين ألفا منذ بداية الثورة حتى اليوم. قضى الكثيرون من هؤلاء فترات حكمهم وخرجوا من المعتقلات، وةلكن قلوبهم لا تنسى ما حدث لهم منذ اللحظات الأولى لاعتقالهم. بعض هؤلاء نال نصيبه من التعذيب في المخافر وبعضهم في طوامير جهاز الأمن الوطني، وبعضهم في المزارع الخاصة النائية التي نقل أليها بعض السجناء بعد ان غصت المعتقلات والسجون الرسمية بالبحرانيين. وما يزنال هنا أكثر من 1500 سجين سياسي بالسجون القبيحة مثل جو والحوض الجاف والقرين. وما تزال عائلات هؤلاء حتى هذه اللحظة تخرج يوميا لتقف على الشوارع العامة حاملة صورهم ومطالبة بالافراج الفوري غير المشروط. الطاغية وعصابته حاولوا التذاكي على الشعب بفرض ما أسموه “العقوبات البديلة” الذي اعتبره أغلب السجناء جريمة تفوق في حجمها ما تعرضوا له من سجن وتعذيب، لانها تجبرهم على التخلي عن حقوقهم الطبيعية في مقابل خروجهم من الطوامير. رأى هؤلاء في العقوبات البديلة الذي أسماه سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم “الظلم البديل” انه خطوة قبيحة لاعتقال أرواحهم وإنسانيتهم بعد الإفراج عن أ<سادهم من طوامير التعذيب. وبرغم ما بثه الخليفيون وأبواقهم من دعايات فاشلة لتشجيع العائلات على التقدم بطلب تلك العقوبات بديلا عن السجن الرسمي، فان الواعين من المعتقلين السياسيين رفضوها بشكل مطلق ولم يترددوا في ذلك حتى عنندما زارهم مسؤولو التعذيب في زنزاناتهم وسعوا لإجبارهم على توقيع استمارات الطلب التي تتضمن التنازل عن حقوقهم الانسانية ومنها حق التعبير والاحتجاج والانخراط في المجتمع وحضور التجمعات الدينية او السياسية والتصريحات الاعلامية والتحدث عن التعذيب والجرائم الخليفية بحقهم، او السعي لمقاضاة جلاديهم عندما يتحرر نظام القضاء من القبضة الخليفية. لقد صنعت السجون اجيالا ثائرة لن تقبل بالضيم ولن تسكت على الظلم او تتخلى عن مواصلة الهدف الذي خرجوا في ثورتهم التاريخية من أجل تحقيقه.
ثالثا: النشطاء السياسيون والحقوقيون داخل البلاد وخارجها. هؤلاء امتلكوا خبرات تراكمية من خلال نضالهم السلمي المتواصل منذ سنوات. بعض هؤلاء اعتقل وعذّب، وبعضهم تم تهجيره بعد سحب جنسيته، وبعضهم استطاع الفرار بنفسه وطلب حق اللجوء السياسي في البلدان الأخرى. هؤلاء جميعا لديهم هدف واحد: تغيير النظام السياسي في البحرين وتحريرها من المحتلين والمستبدين، وأنهاء عقود الاستبداد والظلم والتنكيل. يهدف هؤلاء لإخلاء البلاد من كل ما يؤدي لامتهان الانسان والحط من كرامته بتعذيبه والتنكيل به. لقد مارس هؤلاء نشاطهم السلمي بدون توقف منذ سنوات وبعضهم منذ عقود، وأدركوا حقيقة ثابتة لن تتغير: ان البحرين وشعبها لن يسلموا حتى يسقط الحكم الخليفي الباغي الذي ارتكب أبشع الجرائم واستقدم قوات الاحتلال من الخارج وسلّم السيادة للاجانب وبنى القواعد العسكرية للمستعمرين وشارك في قتل أهل اليمن بدون مبرر مشروع خصوصا ان البحرين لا تشترك مع اليمن في الحدود وليس بين البحرانيين والشعب اليمني أية مشكلة سياسية. هؤلاء النشطاء لا يتوقفون عن النشاط يوما. فبعضهم يمارس نشاطا حقوقيا محموما ويسعى لمنع الخليفيين من خلال المنظمات والجهات الدولية من الاستمرار في الاضطهاد والظلم والتنكيل وانتهاك حقوق الانسان وسلب المواطنين حقوقهم السياسية. هؤلاء النشطاء انتشروا في أصقاع الأرض وكوّنوا صداقات وعلاقات مع جهات سياسية وةحقوقية وأعلامية واسعة، وتوفرت لهم حماية رسمية من البلدان التي استوطنوها وحصلوا على جنسيتها. وبقي لديهم هم واحد لا ينسونه لحظة: التصدي للخليفيين والسعي المتاصل لاسقاط حكمهم المتخالف الذي لا يستحق البقاء لانه ينتمي للماضي السحيق ويضمر شرا للسكان الأصليين ولا يمكن إصلاحه يوما. ومهما حاول الطاغية وعصابته فسيظل هذا القطاع مستقلا في قراراته، مصمما على مواصلة عمله، فاتحا قلبه على الله، ورافضا طلب التدخل المباشر من الأجانب، ومصرا على حماية سيادة البلاد وهاتفا بحرية الشعب. هؤلاء لن يقبلوا بأقل من تحرر البلاد كاملة من الهيمنة الخليفية الغاشمة، خصوصا بعدما دفعوه من ثمن باهض خلال سنوات هجرتهم وبعدهم عن وطنهم الحبيب.
هذه بعض العوامل التي تؤكد استمرار الثورة مهما فعل الخليفيون. وتكفي الاشارة الى انتفاضة التسعينات التي كانت أقل جرأة وحماسا من ثورة 14 فبراير، مع ذلك لم تتوقف الا بعد ان قدم الخليفيون تنازلات لم تكن متوقعة في مقدمتها الإفراج عن المعتقلين السياسيين وتقديم وعود بمشروع سياسي جاد. وهنا يتأكد أمر واحد: ان عدم التزام الخليفيين خصوصا الطاغية بما التزموا به امام الشعب آنذاك، وما قدمه الطاغية من وعود بمجلس المرحوم سماحة السيد علوي الغريفي بحضور سماحة السيد عبد الله الغريفي، كل ذلك ساهم في نزع الثقة بالخليفيين من قلوب البحرانيين، وجعل احتمالات الدخول في تفاوض او توافق مع الخليفيين هذه المرة ضئيلة جدا. فلا مجال لان يلدغ البحرانيون من الجحر نفسه مرات عديدة، بل أدركوا حقيقة مهمة: ان الانتظار والصبر مع العمل الدؤوب سيؤدي للتغيير المنشود، طال الزمن ام قصر، فذلك التغيير لن يحققه الاجانب، وان الدول الغربية خصوصا امريكا وبريطانيا غير معنيتين بالتحول الديمقراطي، وان هذه الدول تراجعت عن الشعارات التي رفعتها خلال الحرب الباردة. هذا الإيمان الشعبي الراسخ بحتمية التغيير والإصرار على تحقيقه سيكون الإطار العام للموقف الشعبي الذي لن يتوقف حتى يسقط النظام بعون الله تعالى.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب االعالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
4 فبراير 2022