أطياف المعارضة في الذكرى الحادية عشرة للثورة: متّحدون
وتتجدد الذكرى، ومعها استذكار الآمال واستحضار الآلام، وفي طياتها صفحات بلا نهاية لما عاناه الوطن والشعب في العقود الأخيرة. هذه المرة يستعد البحرانيون لإعلان تمسكهم بما يعتبرونه “ميثاق الثورة” التي تفجرت في الرابع عشر من فبراير قبل 11 عاما، وتفجرت معها رؤوس الضحايا ومساجد المؤمنين ونصب اللؤلؤة. فأي نظام عصري يقوم بهذه الجرائم الثلاث معًا؟ من من حكام المنطقة يفجر رؤوس مواطنيه لانهم طالبوا بحقوق سياسية معقولة؟ من يفجر بيوت الله انتقاما وإجراما وتحديا؟ ومن يفجر نصبا وطنيا كان واحدا من معالم الوطن ورمزا لدوله الست؟ من يمتلك الجرأة ليشن عدوانا في ظلمة الليل ليقتل المعتصمين السلميين في إحدى ساحات بلدهم المحتل؟ من هنا تصبح الذكرى الحادية عشرة لثورة البحرين محطة جديدة للانطلاق مجددا بثبات ووعي وتصميم وإرادة وعزم. أمهات الشهداء الذين قتلهم الخليفيون تشمر عن سواعدها استعدادا للهتاف بحياة الوطن بعد ان فقد فلذات أكبادهن أرواحهم بأيدي العصابة المجرمة التي ولغت يداها في دماء الأبرياء. ذوو السجناء يواصلون احتجاجاتهم اليومية بالوقوف على الشوارع والطرقات العامة للمطالبة بالإفراج عن أبنائهم المأسورين لدى العدو الخليفي لمدد يصل بعضها أحد عشر عاما. هناك يقف الأطباء يستذكرون مسيراتهم التضامنية مع الشعب ومواقفهم الجريئة لتضميد جراح الضحايا في المخابيء السرية بعيدا عن أعين الطاغية وعصابته. وهناك الرياضيون الذين انتقم الخليفيون منهم بسبب مواقفهم الشجاعة المساندة للثوار عندما كان الأمل يحدو الجميع لمواصلة الجهود لتحقيق الإصلاح الجذري المنشود.
مشاعر متشابهة تهيمن على نفوس البحرانيين هذه الأيام وهم يستعدون لتجديد العهد مع المشروع التغييري الذي بدأ منذ عقود على أيدي رواد التغيير منذ مائة عام، وليؤكدوا للعالم ان الآلام الناجمة عن البطش الخليفي لن تثنيهم عن الصمود والتصدي وتحدي إرادة المحتل الخليفي وداعميه في تل أبيب وواشنطن ولندن والرياض وأبوظبي. إنها مشاعر الصحوة والحيوية التي لم تختف منذ ان سقط شهيد الثورة الأول علي عبد الهادي مشيمع في اليوم الأول لانطلاق ثورة الوطن. وقبل سويعات من استشهاده، كان الأستاذ عبد الوهاب حسين يتقدم أولى مسيرات الثورة منطلقا مع مائة من الأبطال من مسجد النويدرات ليهتف الجميع: الشعب يريد إسقاط النظام. ذلك الشعار ترددت أصداؤه في تونس والقاهرة وطرابلس الغرب وصنعاء. انه جيل الشباب الغاضب الذي استيقظ فجأة على أنغام الهتاف الثوري المطالب بتغيير جذري في عواصم هذه الأمة لكي تستعيد شعوبها المبادرة وتصبح صاحبة القول الفصل في ما يتعلق بقضاياها وحياتها وحريتها. مرة أخرى أثبت البحرانيون بدمائهم انهم يتكاملون مع بقية شعوب المنطقة على طريق التغيير، وانهم مستعدون للتضحية والفداء من اجل الحرية. فلا يمكن لأمة العرب الاستمرار في الوضع الذي يهيمن عليه الاستبداد والطغيان وقوى الثورة المضادة. هتف الجميع بصوت واحد: الشعب يريد إسقاط النظام.
وعلى هذا الأساس يجدد البحرانيون عهدهم مع شهدائهم ومساجدهم المهدومة وقراهم التي دمرها العدوان الخليفي وقادتهم الذين ما يزالون مرتهنين لدى العدو الخليفي او المشردين خارج الحدود، ويؤكدون ثوابتهم وأولوياتهم وهم يعلمون ان العدو لهم بالمرصاد. ومن ذلك ما يلي:
أولا: ان الشعب الذي شارك بفاعلية في ثورة 14 فبراير التي لم تتوقف حتى اليوم، مصمم على مواصلة مشوار التغيير حتى تحقيق الأهداف النبيلة التي أريقت من أجلها دماء الأحرار طوال السنوات الإحدى عشرة السابقة. هذا التصميم ينطلق من قناعته بعدالة قضاياه وسلامة مسيرته وحقه الشرعي في الحرية الكاملة على أرض بلاده. شعبنا اليوم يختلف كثيرا عما كان عليه، فهو أعمق وعيا وأشد إصرارا على التغيير وأكبر أملا بقدرته على فرض التغيير مهما كان صلف الخليفيين وداعميهم.
ثانيا: ان جحافل الثوار ملتزمة بما قطعوه على انفسهم مع شهدائهم الشرفاء الخالدين، وفي مقدمة ذلك التزامهم بالمطالب ا لسياسية وأهمها إنهاء العهد الخليفي الأسود الذي جثم على صدور البحرانيين عقودا. هذا الهدف غير قابل للمناقشة او المساومة، فلا حل للبلاد إلا باقامة منظومة سياسية عصرية مؤسسة على مبدأ “صوت لكل مواطن”. فالمواطنة المتساوية هي أساس النظام السياسي المطلوب الذي لا يميز بين المواطنين بل يمنحهم حقوقا متساوية ومنها الحقوق السياسية المشروعة.
ثالثا: ان تجديد الثورة ضرورة لوقف الاضطهاد المتواصل من قبل الخليفيين، خصوصا مع تسليطهم جلاوزتهم على السكان الأصليين (شيعة وسنة). فما ارتكبه أولئك الجلاوزة بحق البحرانيين لا يصدقه العقل من تنكيل وتعذيب وقتل وسلب، ولن يعيش السكان الاصليون على أرضهم بسلام إلا إذا حدث تغيير سياسي جوهري بسقوط الحكم الخليفي الذي أصبح مصدرا لتعاسة البلاد وأهلها، وعبئا حتى على داعميه. فإذا كان الطاغية ونجله ومسؤولو ديوانه من الخوالد يراهنون على كسر شوكة الشعب بالاضطهاد والتنكيل والتهديد المستمر بالتصفية وسحب الجنسية، فما أبعدهم عن الواقع وجهلهم بالحقيقة.
رابعا: ان الثورة تهدف لتحرير الإنسان، وتقتلع أسباب الظلم وتجتث جذور الفساد. وفي هذا الجانب يشعر البحرانيون بمسؤولية كبرى لوقف جريمة التطبيع التي ارتكبها الطغاة الخليفيون. وما تزال فصول هذا التطبيع مستمرة، وآخرها الاتفاقية الأمنية التي وقعها الخليفيون مع وزير الدفاع الإسرائيلي الذي استضافوه الأسبوع الماضي واحتفوا به في الوقت الذي تتواصل فيه مآسي أهل فلسطين بسقوط المزيد من الضحايا في معمعة الصراع مع الاحتلال. لقد أضاف الخليفيون بعدا آخر للصراع مع الشعب باستقدام أعداء الأمة والاستعانة بهم على السكان الأصليين (شيعة وسنة) معتقدين ان ذلك سوف يوفر لهم غطاء أمنيا وعسكريا من غضب الشعب. وبهذا الاتفاق الدفاعي الخياني، أعلن الخليفيون انهم في صراع مفتوح مع كافة الجهات الرافضة للاحتلال، وكذلك مع ايران التي ترى في تلك الاتفاقية إعلانا خليفيا للحرب عليها بدعم إسرائيلي لهذه الأسباب تضافرت جهود النشطاء من كافة أطياف الشعب والمعارضة لتصعيد الحراك الشعبي السلمي ضد الطغمة الخليفية، وإحياء ذكريات الثورة التي هزت أركان الحكم الخليفي وأسقطته في غضون شهر واحد فحسب من انطلاقها، فجاء بالاحتلال السعودي – الإماراتي لدعمه وإسناده. وبعد عشر سنوات من ذلك الاحتلال لم يشعر الخليفيون بالأمن السياسي يوما، فهرعوا للاستعانة بالعدو الاسرائيلي للاستفادة منه في خبراته القمعية التي اكتسبها باضطهاد الشعب الفلسطيني. الشعب اعتبر هذا التطبيع جريمة مضاعفة فتعمق رفضه للخليفيين وقطع ما بقي من خطوط التواصل معه.
ويمكن القول ان التطبيع أصبح سببا لتلاحم القوى الوطنية، حتى التي كانت مترددة في التصدي للحكم الخليفي بسبب تضليله ورفعه شعار الطائفية لتمزيق العرى الوطنية. أدرك الجميع بعد التطبيع استحالة القبول بالسكوت على حاكم خان الله ورسوله وأمته وأرض فلسطين، فبدأت الاستعدادات لإحياء ذكرى الثورة بما يليق بمشروع التغيير الشامل. وبعد مداولات كثيرة اتفقت أطياف المعارضة على شعار من كلمة واحدة: متّحدون، لتأكيد وحدة الشعب والمعارضة والمصير، فلا مجال للفرقة والاختلاف حين يكون الصراع مع طرفين محتلّين يرتكبان بحق سكان الأرض الأصليين أبشع الجرائم ومنها الإبادة.
لقد قال الشعب كلمته، واتخذ قراره بإبقاء شعلة الثورة متقدة في ذكراها الحادية عشرة، وانه سيعلن للعالم صرخة مدوية تؤكد عشقه الحرية وعداءه الاحتلال والاستبداد والظلم. والعالم على موعد مع انتفاضة جديدة في الأيام المقبلة، تشعلها دماء الشهداء وتهدف لاقتلاع الظلم والفساد بطي صفحة الحكم الخليفي المارق.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
11 فبراير 2022