المرأة البحرانية سطرت من الملاحم ما قصم ظهر الطغاة
ليس من الشهامة في شيء استغلال القوة المادية للفتك بمن لا يملكها. ولطالما تحدثت القصص التراثية عن شهامة العرب ونخوتهم ومروءتهم، وكيف ان استغاثة المرأة كانت تستنهض الرجال وتدفع بهم الى ميادين الحرب. وعبر التاريخ الاسلامي كان للمرأة دورها ومكانتها في نفوس الرجال العظماء. فالامام علي عليه السلام يعتذر من امرأة لم تتوفر على نصيب وافر من مقومات الحياة، فراح ينفخ النار تحت القدر ويهييء لها ولاطفالها الطعام. ويسجل تاريخ البشرية نماذج ناصعة من نضال المراة وما حققته لقومها. فملكة سبأ (بلقيس) اذعنت للحق واسلمت مع سليمان عليه السلام. والخنساء (تماضر بنت عمرو السلمية) أدركت الجاهلية والإسلام وأسلمت، واشتهرت برثائها لأخويها صخر ومعاوية اللذين قتلا في الجاهلية، واصبح شعرها نموذجا للشعور الانساني النبيل. ورابعة العدوية سجل اسمها كرمز للعبادة والعرفان وأسست مدرسة صوفية عرفت باسم “الحب الالهي”. وسمية بنت خياط، زوجها ياسر بن عامر، من مشاهير الصحابيات، أسلمت بمكة وبقيت مثالا للكفاح وتحمل الاذى والتعذيب على ايدي الرموز القبلية التي لا مكان للمرأة في ثقافتهم. أما أسماء بنت أبي بكر فقد سميت “ذات النطاقين” لأنها شقَّت نطاقها وربطت به سفرة النبي محمد وأبي بكر حين خرجا مهاجرين إلى المدينة. وسجل التاريخ اسم خديجة بنت خويلد كواحدة من دعامات دين الاسلام وجبل راسخ استند عليه محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة والسلام. اما فاطمة فهي الزوجة والام وصاحبة الموقف في احلك الظروف.
وسجل تاريخ البحرين المعاصر في صفحاته اسماء كثيرة صمدت بوجه الاستبداد الخليفي منذ منتصف القرن الماضي. وفي احلك الظروف وقع 321 امرأة عريضة نسائية متميزة في العام 1995، باهداف وطنية ومطالب انسانية رفيعة، فانزعج الطغاة الخليفيون ومارسوا بحقهن ابشع اشكال التنكيل، ومنها التجويع، فطرد من الوظيفة كلا من الدكتورة منيرة فخرو وحصة الخميري والمرحومة عزيزة البسام. واحتضنت زنزانات التعذيب الخليفية العشرات من النساء في التسعينات، ومن بينهن طالبت مدرسة سترة. فما اشد وحشية الخليفيين واقبح فعلهم وأبعدهم عن الانسانية والكرامة وقيم والشهامة والمروءة.
اما ثورة 14 فبراير المتواصلة، فقد كان للنساء فيها نصيب الاسد، فكان منهن الشاعرة أيات القرمزي التي نشرت صحيفة “اندبندنت” قصتها على الصفحة الاولى في الاول من يونيو 2011، ورولا الصفار، نائبة رئيس جمعية التمريض التي قضت في غرف التعذيب اكثر من خمسة شهور. والدكتورة ندى ضيف وسواهن. ويكفي معاينة صور المسيرات الضخمة التي تواصلت بضع سنوات حتى منعها الطاغية في العام 2015 لتكشف دور المرأة الريادي في الثورة. وفي العام الماضي لمع اسم السيدة ابتسام الصايغ كمناضلة بحرانية اصيلة تصدت للظلم الخليفي ودافعت عن ضحاياه حتى تعرضت لأبشع اشكال التنكيل في غرف التعذيب على يدي جهاز يديره خليفي شقيق لاحد سفراء العصابة المجرمة. وهناك الآن عشر نساء صامدات في طوامير التعذيب الخليفية، يكسرن كل يوم كبرياء الطاغية ويهتفن بسقوطه.
قبل ايام بدأت السيدة هاجر منصور اضرارا مفتوحا عن الطعام احتجاجا على سوء المعاملة التي تتعرض لها. ما هذا النظام الذي يخشى امرأة لا تملك من اسباب القوة المادية شيئا، فيسجنها ونجلها الشاب اليافع في عمر الزهور؟ هذه الجيوش الجرارة التي استقدمها للدفاع عنه لم تستطع ان تحرره من الخوف الذي يستشعره حين يرى صمود امرأة بحرانية حرة رفضت نظامه العفن وعاهدت ربها ووطنها وشعبها وشهداءها بالصمود على طريق النضال حتى تحقيق النصر. ما عظمة هذه المرأة التي تتعرض للتنكيل المنظم كل يوم ويضطر وزراء “بريطانيا العظمى” لتزوير الحقائق عندما توجه لهم الاسئلة عن اوضاعها في غرف التعذيب؟ اية عظمة هذه التي تصنع من نساء البحرين عملاقات التاريخ؟ هاجر منصور محرومة من الحديث لنجلها الذي اعتقل معها انتقاما للنشاط السلمي المتحضر الذي يمارسه زوج ابنتها، السيد احمد الوداعي امام اعين البريطانيين. هذا الناشط يتعرض مع افراد اسرته لابشع اصناف التنكيل مع علم السلطات البريطانية بتفصيلات ما يجري لهم يوميا. ماذا يعني ان يهبط الطاغية الخليفي الى مستويات ادنى كل يوم فيصدر حكما بسجن امرأة بريئة انتقاما من زوجها؟ هذا الاستغلال البشع للسلطة من بين الاسباب التي تدفع الشعب البحراني للتخلص من هذه العصابة المجرمة التي انسلخت من الانسانية والاخلاق والقيم واصبحت عبئا على البحرين واهلها. فالانتقام من ذلك فان عائلة السيد الوداعي يمثل اخلاقا هابطة وغيابا للمروءة والشهامة، واستقواء على الضعيف، وانتقاما شريرا يؤكد وحشية من يقوم به. زوجة السيد احمد الوداعي، السيدة دعاء، كانت تحمل طفلها في مطار البحرين عائدة الى بريطانيا عندما تعرضت لابشع اشكال التنكيل على ايدي جلاوزة الطاغية الذي شعر بالاهانة والصغار امام العالم بعد انكشاف جرائمه بحق البحرانيين. وزاده غضبا تكرر الاحتجاج عليه امام ملكة بريطانيا وبقية المسؤولين. فهو طاغية متجبر سخر البلاد والعباد لخدمته، ويشعر بالنشوة والطرب عندما يمدحه المتزلفون والمنافقون، ويتمزق غضبا حين يعترض موكبه الضحايا والمتعاطفون معهم. مع ذلك صمدت السيدة دعاء وكسرت شموخ بلطجية الديكتاتور وكبرياءهم لانها اظهرت بموقفها حقيقة المرأة البحرانية البطلة التي لم تستسلم للاحتلال الخليفي والسعودي يوما.
المرأة البحرانية سجلت موقعها في اسفار المجد بالدماء والآلام. فدماء السيدة بهية العرادي التي استشهدت برصاص الاحتلال السعودي والخليفي في 21 مارس 2011 كان رسالة واضحة بان المحتلين يسعون لتصفية الشعب، رجالا ونساء، ما لم يستسلم، وهيهات ذلك لان هذا الشعب عاهد ربه ووطنه وشهداءه بالصمود والثبات مهما كانت التضحيات. كما ان دماء الاعلامية ايمان صالحي في 23 ديسمبر 2016 كان رسالة اخرى بان الخليفيين مستعدون لسفك الدماء بلاح حدود، وان القتلة لن يحاسبوا او يحاكموا، لانهم يحمون نظام العصابة الخليفية ويتمتعون بحصانة منها. هذه السيدة كانت تقود سيارتها عندما اطلق احد الخليفيين النار عليها وارداها قتيلة امام طفلتها، ورفضت “العدالة الخليفية” فرض عقوقبة حقيقية على الخليفي المجرم، وبعد شهر على قتلها، تساءل الأكاديمي المعارض عبد الهادي خلف عن مصير هذا الملف ومعاقبة قاتل صالحي، وقال “هل ذهب دمها هدراً؟” مشيرا إلى أن القاتل حظي بحماية من قوة الدفاع (الجيش الخليفي) لمنع محاكمته. وتساءل خلف “هل سيفلت الضابط حمد مبارك الخليفة من العقاب كما أفلت قاتل علي مشيمع (أول شهداء ثورة ١٤ فبراير)؟ وكما أفلت الذين شاركوا في غزوة جواد؟” في إشارة إلى المجنسين وأتباع النظام الذين هاجموا المحلات التجارية المعروفة (برادات جواد) وسجلت الكاميرات وجوههم كاملة من غير أن تتم ملاحقتهم قضائيا. اما السيدة فخرية المسلم فقد قتلها الخليفيون في 30 يونيو 2016 بالرصاص الحي، ثم اعتقلوا الشاب حسين المرزوق واتهموه زورا وبهتانا بقتلها، وما لم يحدث ضغط حقيقي على طاغية البحرين فليس مستبعدا ان يوقع قرار الاعدام الذي كان قد أمر “قضاته” باصداره. وما اكثر الشهيدات اللاتي صعدت ارواحهن الى خالقهن اما بالرصاص او الغازات الكيماوية في السنوات الماضية.
طوامير التعذيب الخليفية تضم في الوقت الحاضر عشر نساء مناضلات صامدات، اثبتن للعالم صلابتهن وهشاشة الحكم الخليفي المهتريء اخلاقيا وسياسيا: طيبة درويش، فاتن حسين، منى حبيب، أميرة القشعمي، حميدة جمعة، هاجر منصور، مدينة علي، نجاح الشيخ، زينب مكي عباس، فوزية ماشاء الله. وهناك ثلاث نساء بحرانيات صدرت قرارات خليفية بسجنهن وينتظرن اقتحام خفافيش الليل لجرهن من منازلهن الى طوامير التعذيب: فاطمه علي، و امال علي، ايمان علي. انه ملف حافل بالإباء والشجاعة. ما الجرائم التي ارتكبتها نساء البحرين ليكون نصيبهن من التنكيل والاضطهاد بهذا الحجم؟ لقد سرن على خط من سبقهن من المؤمنات منذ ظهور رسالة محمد بن عبد الله: طالبن بالتحرر من التقاليد الجاهلية العفنة، والانعتاق من الثقافة القبلية البالية، وعشقن الحرية التي جاء بها الاسلام لتحرير البشر كافة من الاستعباد لذوي المال والسلطان. وقفن بجانب رسول الله بعد ان بايعنه وعاهدن ربهن على الثبات والتصدي للفساد والانحراف، ورفضن الهيمنة القبلية التي كان يمثلها اثرياء قريش. نساء البحرين شاركن في كافة الثورات المعاصرة، وآخرها الثورة الحالية، فكان حاضرات في دوار اللؤلؤة بقوة، وبعد العدوان السعودي – الخليفي الغاشم، قمن بتضميد الجراح وشد عزائم الرجال على الثبات امام الزحف القبلي الجائر، وشاركن في النضال عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفي المسيرات العملاقة، والاحتجاجات، ودخلن السجون وواجهن الجلادين بالتحدي والاستحقار، وفتحت منازلهن لايواء المطلوبين السياسيين، وقمن بادوار تاريخية في الاغاثة والعون الانساني للمحتاجين، وحضرن المحافل الدولية دفاعا عن الشعب وثورته ومطالبه. ولم يتوقفن لحظة عن المشاركة الفاعلة في فعاليات الثورة اليومية التي لم تتوقف ابدا.
تلك هي المرأة البحرانية، فجئني بمثلها. عاشت هذه المرأة، والعار لمن اضطهدها من المحتلين والمستبدين، والمجد للشعب الذي مارست المرأة في نضاله دورا طليعيا بدون تردد او تراجع او خوف او وجل.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
23 مارس 2018