الشعب يجدد ثورته بعد 11 عاما، مصرًّا على إنهاء الحقبة الخليفية
لم تحدث حالة استقطاب سياسي وايديولوجي في البحرين في التاريخ الحديث كما حدثت في الأيام الأخيرة، خصوصا في الرابع عشر من فبراير الجاري. في ذلك اليوم كان الشعب يحتفي بالذكرى الرابعة عشرة لثورته المظفرة بإذن الله، بالتظاهرات والاحتجاجات والمقالات والتغريدات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. وفي الوقت نفسه كان الطاغية الخليفي وعصابته يستقبلون رئيس وزراء كيان الاحتلال وكأنه قائد فاتح. كان مشهدا حافلا بالاستقطاب الشديد بين شعب يهتف باسم فلسطين ضد الاحتلال، وحاكم يستقبل رمز الاحتلال لأرض المعراج التي استشهد من أجل تحريرها الآلاف من العرب والمسلمين خصوصا أبناء فلسطين. كان الغضب الشعبي غير مسبوق، يهيمن على مشاعر المواطنين كبارا وصغارا. فلم يكن هناك مواطن بحراني أصلي شريف الا وشتم الخليفيين وتبرأ من إجرامهم وخيانتهم، وآلى على نفسه ان لا يصافح أحدا منهم بعد ذلك اليوم. وزاد الأمر شدة تعهد طاغية البلاد بزيارة تل أبيب، متجاهلا كافة المباديء التي توافقت عليها الشعوب العربية وحكوماتها برفض الاحتلال والقطيعة معه، ورفض الاعتراف به او التخلي عن شبر واحد من أرض فلسطين المحتلة. في ذلك اليوم كانت اللعنة تنصب على رموز الخيانة، تلهج بها ألسنة الشهداء في فلسطين والبحرين وكل بلدان العرب والمسلمين، وتتردد على ألسنة المصلين والمتعبّدين والشرفاء من أبناء الأمة. فهتف الاطفال والرجال والنساء ضد الاحتلال وداعميه، ومع أهل فلسطين المظلومين بدون تردد او ضعف. كما استحضر الشعب ذكرى الخميس الدامي في 17 فبراير. ففي ذلك اليوم من العام 2011 شن العدو الخليفي عدوانه على المتجمهرين بدوار اللؤلؤة الذين تمركزوا فيه بعد يومين من اندلاع الثورة، وقتل أربعة منهم: محمود أحمد مكي، 21، علي خضير، 58، عيسى عبدالحسن، 61، علي أحمد عبدالله المؤمن، 22.
البحرين عاشت الأسبوع الأخير مشاعر الكرامة والعزة والأنفة والشموخ وهي تهتف ضد الخليفيين والصهاينة، وتتبرأ الى الله منهم. فقد كان المواطنون على موعد مع الرابع عشر من فبراير بنفوس كبيرة وطموحات عالية ونفوس تأبى الضيم او الاستسلام للظلم والاحتلال. كان المواطنون يتهيأون منذ اسابيع للإحتفاء بمرور أحد عشر عاما على ثورتهم الخالدة التي قصمت ظهر الخليفيين، وتحدتهم وداعميهم طوال اكثر من عقد من الزمن. عائلات الشهداء كانت كعادتها في المقدمة، تتصدر الاحتجاجات وترابط في المقابر لقراءة القرآن على أرواح شهدائها، وترفع الصوت عاليا مطالبة بالقصاص العادل من القتلة والسفاحين. لم تنم البحرين عشية الذكرى، خصوصا مع انتشار زوار الفجر في كل زاوية، واعتقال الأبرياء بدون ذنب، فقط لانهم كانوا ينوون المشاركة في فعاليات الثورة بالاحتجاج ضد الطغمة الخليفية المجرمة، ومطالبة الآخرين بوقف تدخلاتهم غير المشروعة في شؤون البلاد. دماء أول شهداء الثورة، علي عبد الهادي مشيمع، كانت ماثلة أمام أعين الأحرار في كل زوايا البلاد، بينما كان والده يكرر حسرته على فلذة كبده، وأمه تدعو من قلبها بأن يعجل الله بمحق الخليفيين الذين روّوا أرض أوال بدماء البحرانيين. كان يوما حاسما، كرّس الطلاق الدائم بين الطرفين، وأعلن للدنيا عزم الشعب على تطهير البلاد من دنس الاستبداد والاحتلال، بدون خشية من أحد. لم يكن الطاغية وعصابته ان يكون لدى المواطنين تلك الطاقة العملاقة والشجاعة التي دفعتهم للخروج الى الشوارع متجاهلين جلاوزة الحكم ومرتزقته وهاتفين من أجل الحرية والكرامة والحق السياسي الذي سلبه المحتل الخليفي.
وساهم في تعزيز الشعب ثقته بنفسه وثورته وقادته، إقدام الطاغية على الاستعراض امام العالم بخيانته، مستقبلا رئيس وزراء الاحتلال، ومؤكدا حاجته الدائمة للدعم الأجنبي الذي أعاده الى الحكم بعد سقوطه في غضون اربعة اسابيع من اندلاع الثورة في العام 2011. يومها لم يجد الديكتاتور مجالا وهو يرى حكمه يتداعى امام الجماهير التي لم تكن تملك سوى الهتاف ورفع شعار التحرر، سوى استدعاء القوات السعودية والإماراتية لاحتلال البلاد والتصدي بالعنف للثوار. لقد سقطت السيادة الخليفية في منتصف شهر مارس 2011 بالاجتياح العسكري المذكور، وسقط معها الحلم الخليفي بالاستمرار في الحكم. لقد قال المواطنون بصوت واحد كلمتهم الحاسمة: الشعب يريد إسقاط النظام، وزادهم ِإصرارا على موقفهم تصرفات الطاغية الدموية وارتكابه القتل العمد للمواطنين. فما أكثر الأرواح التي أزهقها ظلما وعدوانا، وما أكثر ما ارتكب من التعذيب بحق عشرات الآلاف من المعتقلين الذين زج بهم في السجون بدون رحمة أو إنسانية، حتى قالت عنه لجنة التحقيق التي أرغم على تشكيلها برئاسة شريف بسيوني ان الخليفيين ارتكبوا “تعذيبا ممنهجا” وأنهم “مارسوا الطائلفية والتمييز” وأنهم هدموا المساجد واستخدوا القوة المفرطة ضد المواطنين العزل. لقد انتهى الحكم الخليفي يومها سياسيا وأخلاقيا، وأصبح على الطاغية، لو كان يملك ذرة من الشرف، ان يسلم الحكم الى الشعب ويفر بجلده كما فعل من سبقه من طغاة إيران وتونس ومصر. واعتقد خطأ ان إصراره على التشبث بالحكم سيوفر شرعية لحكمه، ولكن ما أبعده عن الحقيقة وأقربه للخيال.
كان الأسبوع ا لماضي محطة تاريخية أخرى على طريق تأكيد الطلاق الأبدي بين البحرانيين والخليفيين، وتأكد ان مستقبل البلاد سيخلو من الاستبداد الخليفي ولو بعد حين. فحتى هذه اللحظة ما يزال الدعم الاجنبي من امريكا وبريطانيا واسرائيل والسعودية والامارات حائلا دون سقوطهم النهائي. ولكن الواضح ان قوى التغيير في المنطقة أصبحت أكثر جرأة وصراحة إزاء ثورة البحرين وشعبها. فكانت فعاليات الاحتفاء بالذكرى اوسع من كل عام وكان منها ما يلي:
أولا: الاستعدادات المبكرة من النشطاء المحليين للاحتفاء بالذكرى بطباعة اللافتات والاعلان عن الفعاليات.
ثانيا: المشاركة في أكثر من 33 مسيرة احتجاجية في يوم الذكرى 14 فبراير في شتى مناطق البحرين، هذا برغم الضربات الاستباقية من جانب الخليفيين، باعتقال بعض النشطاء وتهديد الباقين بالسجن والتعذيب.
ثالثا: التكامل بين الداخل والخارج حول الفعاليات. فقد نظمت احتجاجات ووقفات وتجمعات عديدة في بلدان شتى مثل بريطانيا وألمانيا ولبنان والعراق وإيران.
رابعا: حماس عدد من الرموز السياسية والدينية من بلدان عديدة لقضية شعب البحرين وإصدارها بيانات تدين الخليفيين بالاضطهاد والتعذيب وكذلك بالتطبيع والخيانة. ومن هؤلاء الشيخ ماهر حمود، رئيس تجمع علماء المقاومة في لبنان، والشيخ خالد الملا، رئيس جماعة علماء العراق، وعدد من النواب التونسيين وغيرهم. كما أصدرت حركة أنصار الله اليمنية بيانات داعما كذلك. كان حماس هؤلاء لدعم شعب البحرين هذا العام متميزا وذلك بفضل صموده وتضحياته.
خامسا: حماس عدد من المنظمات الحقوقية الدولية لإصدار بيانات تؤكد حق الشعب البحراني في الاحتجاج والتجمع والتعبير وإدانة سياسات القمع الخليفية. ومن هذه المنظمات: هيومن رايتس ووج وريبريف بالاضافة للمنظمات الحقوقية البحرانية مثل امريكيون من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان في البحرين، ومعهد البحرين للديمقراطية والحقوق ومنظمة سلام ومنتدى البحرين لحقوق الانسان.
سادسا: نظرا للحماس الشديد لإحياء ذكرى الثورة وما يعنيه ذلك من توجه لتصعيد العمل السياسي السلمي الهادف لإنهاء الحقبة الخليفية السوداء، استنتج الخليفيون ان وضعهم المستقبلي قد أصيب باهتزاز خطير، فهرع مذعورا نحو الصهاينة مطبعا معهم، ومتخليا عن الشعب الفلسطيني المظلوم. وقد استوعب الجميع حالة التداعي النفسي والمعنوي التي تعاني العصابة الخليفية منها، والتي دفعتها للتوجه للصهانية بحثا عن الحماية.
لقد كان الأسبوع الماضي حافلا بالفعاليات الثورية التي أقضت مضاجع الحكم الخليفي وداعميه، ووفرت سندا معنويا للوطن والشعب، وأكدت للعالم عدم جدوى التعويل على نظام حكم يرفضه شعبه ويعتمد على الأجانب لضمان استمراره. واصبح واضحا ان أيام الخليفيين في الحكم أصبحت معدودة وأن بقاءهم انما هو بسبب الدعم غير المحدود من الأجانب خصوصا الامريكيين والبريطانيين والاسرائيليين والسعوديين والإماراتيين. انه وضع لا يمكن استمراره طويلا، بل انه محكوم بالسنة الإلهية التي تؤكد تؤكد حتمية سقوط الطغاة: وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها، ففقسوا فيها، فحق عليها القول فدمرناها تدميرا. كل ذلك بفضل صمود الشعب ودماء شهدائها وتضحيات رموزه المأسورين لدى الخليفيين. وإن غدًا لناظره قريب.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرنا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الإسلامية
18 فبراير 2022