البحرين يغلي جواها بسبب الخيانات الخليفية المتواصلة
كان الشهر الماضي مفعما بالحراك السياسي المرتبط بأمور عديدة محلية وإقليمية. هذا الحراك أوضح حقيقة ذات أهمية قصوى وهي ان الشعب البحراني يستعصي على التطويع لإرادة الحكم مهما فعل الطغاة، وانه متشبع بالإيمان والإنسانية والوطنية فلا يستطيع غض الطرف عما يجري في محيطه، وأنه نافذ البصيرة، قادر على استيعاب أساليب الحكم الماكرة، ورافض التعايش مع من خان الله ورسوله والأمة وفلسطين والشعب. هذه الحقائق كانت وراء الحماس المنقطع النظير الذي تجلى في مجالات ثلاثة:
الاول: كان تفاعل الشعب مع الذكرى الحادية عشرة لثورة 14 فبراير حماسيا بشكل منقطع النظير. وكان النشطاء قد استعدوا منذ أسابيع لإحياء الذكرى بما يستطيعون، هدفهم إفهام الحكم وداعميه بانه لا يركع إلا لله وان القمع لا يزيده إلا صمودا، وانه لا يقبل بغير التغيير الجذري ثمنا للتضحيات التي قدمها عبر الأجيال وبلغت ذروتها في الثورة المظفرة. وفي يوم الذكرى نفسه كان هناك على الأقل 33 مسيرة شعبية هتف المشاركون فيها بالحرية ورفض الاستبداد الخليفي والتطبيع مع العدو بشكل خاص. كما اكتظت الجدران بالشعارات الوطنية التي خطها الثوار مؤكدين الثوابت الوطنية والمطالب الشعبية المشروعة. وبموازاة تلك الاحتجاجات التي جابت الشوارع والطرقات وتعرض بعضها للقمع الوحشي من الحكم الخليفي، كانت هناك زيارة مكثفة لقبور الشهداء. ومنذ الصباح الباكر توجهت عائلات الشهداء الى روضاتهم بالورود ونسخ المصحف الشريف. وتوافد المواطنون على المقابر لتجديد العهد مع اولئك الشهداء الذين أبقوا جذوة الثورة متقدة طوال هذه الاعوام. ولم ينس المواطنون شهداء الانتفاضة التسعينية المباركة وعائلاتهم, فكان ذلك اليوم مهرجانا شعبيا واسعا للشهادة والشهداء. كما كان استعراضا للإرادة الشعبية والتوافق الوطني حول ضرورة التغيير السياسي خصوصا بعد ارتكاب العصابة الخليفية جريمة الخيانة العظمى. وتفاعلت المنظمات الحقوقية الدولية مع ضحايا القمع الخليفي باصدار البيانات التي توثق جرائمهم طوال السنوات الإحدى عشرة الماضية من اعتقالات تعسفية طالت الآلاف وتعذيب ممنهج وسحب الجنسية من السكان الإصليين وإبعاد المئات من الأحرار. وإزاء هذا التفاعل الواسع انبرى العديد من الرموز السياسية والدينية في بلدان أخرى لإصدار بيانات الدعم للشعب البحراني والتنديد بالخيانة الخليفية ومن بينهم رؤساء آحزاب ومنظمات سياسية وعلماء دين وحقوقيون.
الثاني: ما حدث من غضب جماهيري واسع بعد الخطوات التي اتخذتها العصابة الخليفية تجاه العدو الإسرائيلي. فبالاضافة لجريمة التطبيع التي أقدمت عليها بالتعاون مع حكام الإمارات في صيف 2020 تسارعت إجراءاتها الإجرامية بفتح الباب على مصراعيه لأجهزة الأمن والاستخبارات الصهيونية. فأعلن الخليفيون عن تعيين ضابط اتصال اسرائيلي في البلاد للإشراف على تطوير العلاقات الأمنية مع الموساد والاجهزة الاسرائيلية الاخرى. ولم تقم أية دولة عربية حتى الآن بخطوة كهذه. وزاد عليها قرار الخليفيين تعيين ضباط وخبراء أمنيين وعسكريين إسرائيليين في مواقع حساسة بأجهزة الأمن والدفاع لتكون كافة أجهزة البلاد مفتوحة للصهاينة، وليكون الشعب تحت رحمة المؤسسات التي مارست أبشع الانتهاكات بحق فلسطين وأهلها. فما ضرورة ذلك؟ وما ثمنه؟ وما أهدافه؟ وإلى أين سيؤدي؟ الأمر المؤكد ان مواطنا بحرانيا شريفا لن يقبل بهذه الاجراءات الاجرامية، وان تلك الاجراءات قد حسمت إلى الأبد موضوع العلاقة بين البحرانيين والخليفيين، كما حدث بين الفلسطينيين والإسرائيليين. الشعب يعلم ان العصابة الحاكمة توصلت الى النتيجة نفسها قبل سنوات، بعد ان أدركت الرفض الشعبي المطلق لحكمها. كان ذلك واضحا عندما اندلعت الانتفاضة الشعبية المباركة في التسعينات، وتكرس بعد إلغاء الطاغية الحالي دستور البلاد الذي كان الوثيقة الوحيدة لضبط العلاقة بين الطرفين، واستبدلها في العام 2002 بدستوره الخاص الذي ألغى الشعب عمليا من الشراكة السياسية. وجاءت ثورة 14 فبراير لترفع شعار: الشعب يريد إسقاط النظام، ليؤكد ذلك المنحى. وباستمرار الثورة اكثر من عشرة اعوام ومعها القمع غير المسبوق من الجانب الخليفي، أصبح واضحا لدى الطرفين استحالة التعايش بينهما، وسعى كل منهما لإعادة تشكيل وجوده على هذا الأساس. وبينما يصر البحرانيون على التشبث بأرضهم ووطنهم وتاريخهم وثقافتهم ومحيطهم العربي والاسلامي، هرع الخليفيون للبحث عمن يحميهم من خارج تلك الدوائر، تارة باستقدام المرتزقة الاجانب واخرى بتجنيس المستوردين من أصقاع الأرض وثالثة ببناء القواعد العسكرية اللاجانب، ورابعة بتسليم السيادة على البلاد لتحالف قوى الثورة المضادة خصوصا السعودية والامارات و “إسرائيل” ورابعة بما فعلته الشهر الماضي، بتسليم مفاتيح البلاد الامنية والعسكرية لقوات الاحتلال الاسرائيلية.
الثالث: أدت السياسات الخليفية في السنوات الأخيرة التي كانت ذيلا لإرادة حكام الرياض وأبوظبي لأوضاع اقليمية مضطربة. وأهم وجوه الأضطراب تعمق الشعور الإيراني بتعرضه لعدوان غير مسبوق من قبل المشيخات الخليجية التي استقدمت قوات الاحتلال الى المنطقة لتكون قريبة جدا من الحدود الايرانية. فبينما كان هناك عزل جغرافي بينهما ممثلا بالعراق وسوريا، اصبح الاسرائيليون، نتيجة التطبيع الاماراتي والخليفي على حدودهم بشكل مباشرة. وهذا التطور دفعهم للاعتقاد بان أمنهم القومي قد تعرض للخطر، وان حكام المشيخات الخليجية مسؤولون عن ذلك. ولم يخف الاسرائيليون هدفهم الاساس من قدومهم لمنطقة الخليج، بل عبروا عن ذلك بوضوح قائلين انهم يسعون لتشكيل جبهة عريضة ضد إيران، وبدأت آلة الإعلام لدى هذه الدول تؤسس لثقافة جديدة مفادها ان إيران هي العدو الأول لأمة وليس إسرائيل. وبذلك تم تجاهل فلسطين وشعبها في مقابل ما يعتقده حكام المشيخات من ضمان لأمنهم من قبل تحالف قوى الثورة المضادة وفي مقدمتها إسرائيل والسعودية. انه تطور استراتيجي خطير من شأنه ان يؤدي الى توتر في العلاقات على غرار ما يجري اليوم في اوكرانيا. وليس مستبعدا ان يؤدي هذا التطور لحرب إقليمية او على الأقل مناوشات مكثفة ضمن حرب استنزاف طويلة الأمد وواسعة المدى. مشكلة تحالف قوى الثورة المضادة انه اصبح يلعب بالنار والحديد في الوقت الضائع، وان هناك حقائق جديدة على الأرض ليست لصالحهم. فهناك ما يسمى محور المقاومة الذي ترعاه إيران وتتوسع عضويته ليشمل سوريا واليمن، وربما العراق مستقبلا بالاضافة لقطاع واسع من اللبنانيين. هذا المحور يتحول بشكل تدريجي الى قوة إقليمية ضاربة تستمد قوتها من ذاتها ولا تستورده من الخارج. وفي حال نشوب أي تصعيد عسكري ستكون المشيخات الخليجية خصوصا المتحالفة مع “إسرائيل” أكبر المتضررين. وقد كشفت السنوات الخمس عشرة الاخيرة عجز الكيان الاسرائيلي عن الصمود امام مجموعات المقاومة سواء اللبنانية التي يتصدرها حزب الله ام الفلسطينية وفي مقدمتها منظمة حماس. ولم يكن مفاجئا ان يستحى تحالف قوى الثورة المضادة لتصنيف هاتين المنظمتين على قائمة “الإرهاب” بعد ان عجز عن مواجهتهما عسكريا. ولن تكون أية مواجهات عسكرية مستقبلية مختلفة عن سابقاتها، بل ربما أدت لدمار أوسع خصوصا في الخليج.
وهكذا يتضح ان مستقبل المنطقة في ظل الانظمة الاستبدادية لن يكون مخمليا، وان التغيير السياسي ضرورة لمنع نشوب
النزاعات العسكرية التي تنشب عن تداعيات الاضطراب السياسي الداخلي في ظل هذه الانظمة التي تزداد شراسة وقمعا. ويحتاج تهدئة الوضع الى قرارات استراتيجية غربية مختلفة أهمها التوقف عن دعم الاستبداد والديكتاتورية واحترام شعوب المنطقة وحقوقها، والإصرار على وجود انظمة سياسية تمارس الشراكة السياسية والتداول على السلطة والتعددية بدون لف او دوران. فسياسات التذاكي لم تحقق نتائج ملموسة على المدى البعيد، وقد حان الوقت للتخلي عن كافة السياسات التي أوصلت المنطقة الى حافة الصراعات العسكرية.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
25 فبراير 2022