السعوديون يخسرون المعارك السياسية والأخلاقية، ويعدمون بالجملة
تعمّقت أزمة المنطقة في الاسبوع الأخير بعد إقدام النظام السعودي على إزهاق أرواح 81 شخصا بريئا في خطوة مفاجئة أحدثت صدمة للكثيرين. فبالاضافة لما أصاب عائلات الشهداء من آلم وغضب وشعور بالاضطهاد والظلم، شعر العالم الحقوقي بعجزه التام عن حماية أبسط حقوق الانسان، وهو حق الحياة. وأدرك النشطاء حقوق الانسان ومنظماتها بعبثية الحديث عن إمكان حماية هذه الحقوق في ظل أنظمة استبدادية قمعية لا ترعوي عن ارتكاب أبشع الجرائم بدون خشية من أحد، فكأن حكامها بلغوا درجة اليقين بانهم في مأمن كامل من أية تبعة او ردة فعل حين يزهقون أرواح الأبرياء. فهل تحول العالم الى غابة بلا قانون يحمي ضعفاءها او يردع أقوياءها؟ هل تلاشى حكم القانون ومبدأ العدالة الى المستوى الذي اصبح فيه من يمسك بيديه أداة القتل مطمئنا تماما لقدرته على ارتكاب أبشع الجرائم بدون ان يكون هناك قوة او قانون يحول دون ذلك؟ ما الذي كان يختلج في نفس ولي العهد السعودي عندما أمر سيافيه بقطع رقاب هذا العدد الكبير من الأبرياء في يوم واحد؟ ألم يكن قبل 40 شهرا فحسب خائفا مضطربا بعد ارتكابه جريمة قتل جمال خاشقجي؟ فما الذي حدث في هذه الفترة الفاصلة ليجعله أكثر ثقة بنفسه؟ ألم يتردد في العامين الاخيرين انه يعتزم إلغاء حكم الاعدام في السعودية بعد ان اشتدت الهجمة الاعلامية والسياسية ضده؟ ولماذا قرر تنفيذ أحكام الإعدام في هذه الفترة وليس غيرها؟ هل كان يريد ان يقول للعالم انه لا يخشى غضب أحد في الذكرى الحادية عشرة للاجتياح السعودي – الاماراتي للبحرين والذكرى السابعة للعدوان على اليمن؟
أيا كان الأمر فان الجريمة التي ارتكبتها حكام السعودية يوم السبت 12 مارس 2022 ستدخل التاريخ بانها الأبشع والأوسع والأكثر تحديا للضمير الإنساني والكرامة البشرية. فقد شملت جريمة القتل 41 شابا من أبناء المنطقة الشرقية الذين لم يرتكبوا جرما يعاقب القانون عليه، واثنين من الأسرى اليمنيين بالاضافة الى معتقل سوري. وارتكبت الجريمة بدون مقدمات توحي بقرب حدوثها. وكان المصدر الوحيد لنشر الخبر إعلان أصدرته وزارة الداخلية في ذلك اليوم بانها نفذت الإعدام في 81 شخصا بتهم ملفقة مرتبطة بالإرهاب. هذه التهمة شكك فيها الحقوقيون الدوليون، وعلى رأسهم مفوضة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة، ميشيل براشليت التي شجبت العصابة السعودية واتهمتها بارتكاب جرائم قتل خارج القانون. وتحدثت اطراف حقوقية عديدة بغضب تجاه المجزرة الشنيعة التي فجعت عشرات العائلات وأحدثت من الصدمة ما لم تحدثه جريمة سعودية أخرى.
جاءت الجريمة المروعة متزامنة مع تعمق الأزمة الأوكرانية، ومعها أزمة الطاقة وارتفاع أسعار النفط والغاز في السوق العالمية. ولعل محمد بن سلمان الذي يلقب بـ “ابو منشار” بعد ان استخدم زبانيته منشارا كهربائا لتقطيع جسد الإعلامي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول في اكتوبر 2018، أراد خلط الاوراق من جهة وتحدي الزعماء الغربيين الذين كانوا يتحدثون عن مخاطبته لزيادة ضخ النفط الخام لسد الفراغ الذي احدثته الازمة الاوكرانية. فبرغم استمرار تصدير النفط والغاز من روسيا، يتوجه الزعماء الغربيون لوقف ذلك لحرمان روسيا من عائدات المبيعات. ولا يستطيعون فعل ذلك الا اذا ضمنوا توفر مصادر بديلة للنفط والغاز. ومع ان بالامكان التعويض عن ذلك بالتونجه لدول منتجة اخرى مثل ايران وفنزويلا ونيجيريا والجزائر وليبيا الا ان زعماء “العالم الحر” جعلوا دول الخليج خصوصا السعودية والامارات وجهتهم ا لاولى كبديل للنفط الروسي. انهم يعلمون ان ذلك يتطلب منهم ثمنا سياسيا واخلاقيا لان عليهم ان يتحدثوا مع زعيم متورط بارتكاب جريمة بشعة غير مسبوقة. والواضح ان بعض هؤلاء الزعماء لا مانع لديهم من إعادة احتضان طاغية ارتكب واحدة من ابشع الجرائم في العصر الحديث علنا، مع سبق الاصرار والترصد، وتم توثيقها بشكل لا يقبل التشكيك، بل ان السعوديين أنفسهم لم يستطيعوا نفيها. والأسوأ من ذلك ان السعوديين حاولوا الإمعان بإهانة ضيفهم بإعدام ثلاثة أشخاص آخرين قبل ساعات من وصوله الرياض. مع ذلك التزم الصمت ولم يطلق كلمة شجب واحدة للسفاحين السعوديين. أهذا هو “العالم الحر” الذي يتباهى بالديمقراطية وحقوق الانسان؟
الشعب البحراني، ومعه قطاعات كبيرة من مواطني الجزيرة العربية كان لديهم وضوح إزاء ما يجري. فقد استحضروا الذكرى الحادية عشرة للعدوان السعودي – الاماراتي على البحرين، والاعتداء على دوار اللؤلؤة بعد يومين من العدوان، وتدميره وقتل خمسة من المرابطين فيه، واعتقال الرموز البحرانيين في 17 مارس 2011 وآلاف المواطنين بوحشية غير محدودة، وفرض أحكام االطواريء والمحاكم العسكرية للبحرانيين. هذه الجرائم التي ارتكبها الثلاثي البغيض لا يمكن ان تغيب عن آذهان سكان المنطقة الذين كانوا يأملون ان تتاح لهم فرصة بناء انظمة سياسية حديثة تتيح لهم مشاركة سياسية حقيقية وتحمي حقوقهم وتعاملهم وفق ما توافق عليه العالم من خلال مؤسساته الحقوقية والقانونية. وما يزال هذا الحلم قائما برغم الاضطهاد المتواصل والقمع الشرس. كان هؤلاء المواطنون يأملون ان يلتزم حكام الغرب بالحياد في معركة الحرية والحقوق مع طغاتهم. ولكنهم يشعرون اليوم بحالة إحباظ واسعة بسبب تخلي الغربيين عن التزاماتهم السياسية والأخلاقية. انه لعار شديد ان يتناسى العالم جرائم هؤلاء الحكام وما يمارسونه من اضطهاد للشعوب واعتقالات تعسفية وتعذيب وإعدامات بالجملة، ورفض لأبسط مستلزمات الحياة البشرية في مجالات الحرية والتعددية والشراكة السياسية.
برغم هذه الحقائق الصادمة فلدى شعوبنا القدرة على الوعي والصمود والنضال، فتلك هي خياراتها المتاحة، ولن يقبلوا بالتخلي عما هو حقوق مشروعه لهم سلبها الطغاة الذين يصرّون على ممارسة الاستبداد والديكتاتورية والفساد ونهب الثروات وخيانة القضايا الكبرى وفي مقدمتها قضية فلسطين والمسجد الاقصى. فمثلا برغم مرور احد عشر عاما وراء القضبان ما يزال رموز الوطن والشعب ثابتين على مواقفهم، متشبثين بالحرية ومؤكدين استحالة التراجع عن المطالب التي يجب ان تفضي الى تغير سياسي جوهري ينهي حقبة الاستبداد الخليفية السوداء. تؤكد ذلك رسائلهم التي ترشح من خلف القضبان ورفضهم خدع الخليفيين وجرائمهم ومنها جريمة الأحكام البديلة التي تسعى لتجريم البحرانيين وتضفي شرعية على الظلم الخليفي. كما ان دعوتهم لرص صفوف الشعب والمعارضة وتعميق الإيمان بعدالة القضية، وتأكيدهم على قضية فلسطين التي خانها الطاغية وعصابته، كل ذلك يؤكد استمرار الخط الثوري النقي الذي عبر الشعب عنه بثورتهم المظفرة بإذان الله قبل أحد عشر عاما. هذا الاستمرار يؤكد وعي الشعب البحراني الذي استمر في الحراك برغم خطط قوى الثورة المضادة والثمن الباهض لذلك الصمود الذي لا يترنح. وما إقدام العصابة السعودية على قتل الأبرياء بالجملة إلا تأكيد لحالة الهلع التي يعيشها حكامها الظالمون، واعتقادهم ان القمع خير وسيلة للبقاء، فما أبعدهم عن الحق والعدل والإنسانية.
لقد امتص الشعب البحراني العدوان السعودي – الإماراتي وتعايش مع تبعاته، ولم يتراجع خطوة حتى عندما فرضت قوانين الطواريء والحكم العسكري. سيق المئات الى تلك المحاكم ظلما وجورا، وصدرت الأحكام القاسية بحقهم بلغ الكثير منها السجن المؤبد. مع ذلك لم يتراجعوا بل أرغموا الخليفيين على إلغائها بعد ان اصبحت وبالا عليهم. فشلت كافة إجراءات الاحتلال في كسر شوكة الوطن والشعب، فسقط الشهداء تباعا، ولكن الثورة استمرت بدون توقف، وما تزال شعلتها متقدة حتى الآن، وستستمر كذلك حتى يتحقق النصر ويهزم أعداء الشعب والأمة، ويسقط الاحتلال والاستبداد، وما ذلك على الله بعزيز
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الاسلامية
18 مارس 2022