شهداؤنا المظلومون ورموزنا المضطهدون معالم طريقنا للنصر
احد عشر عاما كاملة هي الفترة التي قضاها مئات البحرانيين في طوامير التعذيب الخليفية، وبرغم طول هذه ا لفترة ما يزالون قابعين وراء القضبان، وليس لدى الطاغية وعصابته نية للافراج عنهم. انه فصل من مشهد دام تعيشه البحرين منذ ان دنست ارضها اقدام الاحتلال الخليفي الجائر، تتجدد فصوله مع ا لزمن. ومع ان صفحاته محدودة ومحكومة بالانتهاء، إلا ان المشيئة الربانية تمد لهؤلاء الطغاة ليزدادوا إثما ولهم عذاب عظيم. الخليفيون يعتقدون ان لهم الغلبة وانهم قادرون على كسر الإرادة الإلهية والإفلات من سنن الله التي تمهل الطغاة ولا تهملهم، ولو لم يكونوا كذلك لما اختلفوا عمن سبقهم ممن حقت عليه كلمة العذاب، فسقطوا في مزابل التاريخ. فالقاتل لا يبقى الى الأبد ويد العدالة لن تخطئه دائما. وما دام رموز الوطن والشعب المضطهدون يتبارون في التحلي بالهمم العالية فسينتصرون بمشيئة الله يوما. وما البيان الذي أصدره الأستاذ عبد الوهاب هذا الأسبوع مؤكدا فيه استعداده للبقاء في السجن ما دامت أهداف الشعب لم تتحقق، الا إعلان لا يقبل التشكيك او التاويل بأن إرادة المجاهدين أكبر من بغي الظالمين. جاء الإعلان المذكور من وراء القضبان، وفي ذلك من التحدي والكبرياء والصمود ما يحطم معنويات الجلادين والمجرمين الخليفيين الذين غاصوا إلى آذانهم في الإجرام. ولم يكن الباقون أقل إرادة او عزما او تصميما على الثبات. فالاستاذ حسن مشيمع عندما رفض الخروج من السجن وفقا للأحكام البديلة كان واعيا لمعنى قراره وتبعاته، وانه لن يبارح السجن قريبا. مع ذلك اصبح يستمتع بالعبادة والصلاة والدعاء وقراءة القرآن والتدبر والتهجد. وعندما أصدر الشيخ زهير عاشور بيانه الشهير الذي رفض فيه مشروع الأحكام البديلة، كان هو الآخر عنوانا لجبل شامخ من الثبات والصمود والتحدي. وحين قرر الدكتور عبد الجليل السنكيس الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجا على العصابة الخليفية المجرمة، ربما لم يتخيل أحد انه سيصمد أكثر من ثمانية شهور حتى الآن بامعائه الخالية وجسده الذي يتلاشى يوميا وروحه التي تزداد عنفوانا وصمودا وشموخا.
احتفى الشعب في الأيام الماضية بمرور ذكرى اعتقال الرموز في إثر العدوان السعودي – الإماراتي في منتصف مارس 2011، فانتظم في مظاهرات يومية واحتجاجات واعتصامات، ونشر نشطاؤه التغريدات والتصريحات ذات العنفوان والشمم، وانتظمت نساؤه على الشوارع العامة هاتفة بحياة المعتقلين السياسيين بهامات شامخة ونفوس أبية ترفض الخضوع للطاغية او استجداءه للإفراج عن الأسود المغيبين وراء القضبان. إنها مشاهد من عزة الشعب وكبريائه، تنتظم جميعها في قصة راقية من الإباء والعزة، انطلاقا من أرضية إيمانية تؤمن بحتمية استعلاء الإيمان وانتصار الحق وهزيمة الطغاة والطغيان. لذلك لم يكن احتفاء الشعب برموزه ناجما عن رغبة في الاستسلام او الخضوع، بل تعبيرا عن استمرار نضال الاجيال من أجل نيل رضا الله أولا وتحرير الوطن ثانيا وضمان حقوق الشعب وحريته ثالثا، والمساهمة الحقيقية في أمن الإنسانية ورخائها. إنه نضال شعب لا يعرف التراخي او الاستسلام او الرضوخ للظلم والظالمين، وهو نضال غذته أجساد الشهداء وروته دماؤهم الزاكية التي أراقها الخليفيون وداعموهم.
هذه المشاعر الجياشة بالكبرياء والأنفة لا تعني عدم إحساس عائلات السجناء السياسيين بالألم والتعب بعد 11 عاما من ا لاضطهاد والظلم. وقد عبّر الشاب محمد رمضان، نجل المحكوم ظلما بالاعدام حسين رمضان عن مشاعر آلاف البحرانيين المضهدين. فقد دفعه وعيه لمخاطبة المتسابقين في حلبة سباق السيارات ضمن مشروع فورمولا1 وناشده بذل جهده للضغط على الخليفيين للتوقف عن إعدام والده مع البطل الآخر حسين موسى. فالخشية من إزهاق أرواةح البشر تعمقت بعد إقدام السعوديين على إعدام 81 شخصا من الأبرياء، نصفهم من أبناء المنطقة الشرقية بالجزيرة العربية. فأصبح القلق من استمرار آلة الموت التي تسيّرها أيادي الإجرام السعودي والخليفي والإماراتي حقيقيا، وليس مفتعلا. فكان موقف الشاب محمد حسين رمضان عنوانا لموقف شعب وثبات أمة وصرخة ضمير، فترك أثره الفاعل على الأشخاص المخاطبين، ومن بينهم بطل سباق السيارات لسبع مرات، لويس هاميلتون. هذا المتسابق وجد نفسه فجأة وبدون سابق أنذار في معمعة معقدة تداخلت فيها القيم الانسانية ومشاعر المسؤولية بالمصالح الشخصية والألاعيب المالية والشهرة الدولية. فأين يقف هذا المتسابق وهو يسمع استغاثات شاب يستنجد به لإنقاذ حياة أبيه من براثن الوحوش الذين استضافوه للمشاركة في سباق السيارات على الحلبة التي أعدوها لذلك؟ لقد نجح البحرانيون في المعركة الأخلاقية وجعلوا قضيتهم ملازمة لسباق فورمولا1 التي سبق أن أطلقوها عليها اسم “فورمولا الدم”. فما ان يقترب موسم السباق على حلبة البحرين حتى تتشعب الاحاديث والقضايا وتطغى قضية اضطهاد ا لشعب وظلم الخليفيين على ما سواها من قضايا فنية او إعلامية او سياسية. انه نجاح باهر ساهمت في تحقيقه دماء الشهداء التي أزهقت في البحرين عموما وفي مجال سباق ا لسيارات بشكل خاص.
وهكذا تتفاعل قضية السجناء السياسيين محليا وعالميا لتحاصر الخليفيين حتى تخنقهم. فما عاد الطاغية الخليفي يشعر بالأمن وهو يسافر الى البلدان الاخرى التي تناهي إلى أسماع نشطائها استغاثات ضحايا البحرين من وراء القضبان، بل من تحت القبور كذلك. وقضية المعتقلين السياسيين لا تنفصل عن قضية الشهداء البحرانيين الذين مزق الخليفيون أشلاءهم. فعندما احتفى الوطن بالذكرى الخامسة لاستشهاد الشاب مصطفى حمدان دفاعا عن العقيدة والوطن والشعب، تعمقت المشاعر بضرورة التخلص من العصابة الخائنة التي أراقت دماء المواطنين وخانت فلسطين وأهلها وتحالفت مع قوى الاحتلال الصهيونية. كان الشاب مصطفى حمدان مرابطا خارج منزل سماحة الشيخ عيسى قاسم عندما شن العدو الخليفي في 26 يناير 2017 عدوانا غادرا أدى لإصابة الشاب بطلقة مباشرة أدخلته في غيبوبة لمدة شهرين. وفي 24 مارس 2017 صعدت روحه الطاهرة الى ربها شاكية اليه ظلم العصابة المجرمة. انها واحدة من قصص البطولة والفداء التي سطرها أبناء الشعب في كفاحهم من أجل الحرية واستقلال الوطن. وما يزال قاتلو الشهيد مصطفى حمدان محميين من العدالة من قبل الطاغية وعصابته الذين استمروا في استهداف من يعارضهم بالسجن والتعذيب والقتل والإعدام..
الأوطان انما يصنعها أبناؤها الذين يبنونها بعرقهم ودمائهم، اما الاعتماد على الأجانب فهي صفقة خاسرة لا تؤدي الى خير، ولا تبنى وطنا حرا كريما قادرا على الذود عن نفسه او تنمية أجياله. وفي مقدمة بناة الوطن من ضحى بنفسه واستشهد، وكذلك من يقضي عمره وراء القضبان. هؤلاء هم الأبطال حقا، خصوصا حين يصمدون ويوجهون الصفعات للطغاة ويرفضون الاستسلام لهم او المساومة على وجودهم وحقوقهم ووطنهم. ويقف رموز الشعب عنوانا لكل ذلك وأكثر، فهم صامدون صابرون محتسبون، يرفضون التراجع عن الأهداف التي أريقت من أجلها دماء الشهداء تباعا، وضحى الشرفاء من أجلها. وبرغم ما يتظاهر الطاغية وعصابته به من قوة وشدة مستمدة من الخارج، فان بيته أوهن من بيت العنكبوت، وهذا ما أكدته هزائمه المتواصلة في كافة المنازلات مع الشعب، فأصبح غير ذي شأن أمام أقرانه وحلفائه. وبشكل متزايد أصبح أكثر اعتمادا على الأجانب لحمايته بعد ان يئس من ولاء شعب البحرين الذي رفض منحه شرعية الحكم وأصر على استعادة حقه في اختيار النظام السياسي الذي يناسبه. سيواصل كفاحه وصموده حتى يأذن الله بالنصر، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا، يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
25 مارس 2022