أهلا بشهر رمضان، موسم العبادة والحرية وهزيمة الشياطين
نبارك للمسلمين عامة وشعبنا البحراني المضطهد حلول شهر رمضان المبارك، شهر العفو والرحمة، شهر التقوى والمغفرة. الشهر الذي نزل فيه القرآن الكريم ليكون “هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون”. التقوى تتطلب الإيمان بالغيب، ومن ذلك الإيمان بسنن الله التي يؤكدها الدعاء الذي يقرأه الصائمون كل ليلة: الحمد لله قاصم الجبارين، مبير الظالمين، مدرك الهاربين، نكال الظالمين، صريخ المستصرخين”. انه شهر التزكية التي تدفع المؤمن للتخلص من أدران المادة ونزوات النفس، وتقلل فيه النزعة نحو الإسراف والبذخ، او ا لطمع في المنصب او الجاه او المال. هذا يعني ان الصائم، إذأ أحسن أداء صومه، تحلل من ظاهرة التثاقل إلى الأرض، تلك الحالة التي يبتلى بها البشر ويزيّنها الشيطان الى قلوب الناس. الصوم يساهم في تهميش ظواهر الجشع والطمع في ما عند غير الله، ويجعل الصائم أقل التصاقا بالشهوات الرخيصة التي وصفتها الآية الكريمة: زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب. وحين يؤدى الصوم وفق الضوابط الشرعية، فانه يساهم في تقليل الرغبة في هذه الشهوات التي يزينها الشيطان في النفوس، ويشجع الصائم على التوجه نحو الله، لا يبتغي إلا وجهه، ولا يحب سواه. وهكذا يتحول الصوم الى مشاعر حب مرهفة تجاه الله، فينجو الإنسان بذلك من الشيطان وحبائله ونزواته. هنا يتحرر الانسان من الأغلال التي يكبّله بها حب الدنيا والالتصاق بالارض. وهنا يتعمق زهده بما لدى الطغاة من مال وجاه وسلطان، فتتحرر نفسه وروحه ويستعيد كامل حريته، ويوجه بذلك صفعة لشياطين الإنس الذين تربعوا على كراسي الحكم ووضعوا أنفسهم أربابا من دون الله.
لا يمكن الحديث عن شهر رمضان المبارك بدون استحضار ما يرتبط به من حوادث تاريخية تؤكد حتمية انتصار المؤمنين وان كانوا قلة، بشرط ان تكون التقوى عميقة في نفوسهم وظاهرة في سلوكهم. وما النصر الذي حققته ثلة قليلة في معركة بدر الأ تأكيد لحتمية نفاذ السنن القرآنية المدعومة بالوعد الإلهي. بل ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين”. وهل هناك نفاذ للوعد الإلهي أجلى مما حدث عندما التقى الجمعان في السنة الثانية للهجرة؟ لقد جاءت قريش بخيلها وخيلائها، وكانت أكثر عددا وعدة، فتصدى لها النبي ومعه عشرات من المؤمنين لا يزيدون عن 70 شخصا، فألحقوا بجيش قريش هزيمة ساحقة. يومها كان المغلوبون على أمرهم: هذه قريش ما ذلت مذ عزت، ولكن قوة الإيمان المؤسسة على التقوى عنصرا أساسيا في المعركة، لانها هيّات شروط النصر الإلهي. فالصبر والتقوى كانا عنصرين أساسيين لهبوط الرحمة الإلهية. ومن مصاديق التقوى استصغار ما سوى الله ومن سواه، تطبيقا للمعنى الحقيقي للشهادة التي تدخل الإنسان دين الله: لا إله إلا الله. فمن يضع نفسه موضع الألوهية ويقول للناس ما قاله فرعون: أنا ربكم الإعلى، لا يستحق ان يتّبع من دون الله. انها التقوى التي تخترق نفس المؤمن وروحه فتزيل منه غشاء الخوف، وتضعه على طريق الحرية المطلقة التي لا يستطيع طاغية ان يسحبها منه. والحرية عنوان للنصر، فان تشبث بها الأحرار انتصروا على أعداء الإنسانية. وإن ساوموا عليها استمرت معاناتهم امام الديكتاتوريين. فان حدث ذلك استخف الطاغية بقومه فأصبحوا أكثر طوعا واستسلاما له.
شعبنا البحراني، ولله الحمد، ليس من هذا النوع الخائر، بل انه احتضن الإيمان وذاد عن الإسلام، وتمسك بالحرية، واستمر في النضال من اجل كل ذلك، فلم يزده الصمود إلا قوة وصمودا وشجاعة. ولتأكيد ذلك يمكن الإشارة الى حقيقة مذهلة. فهذا الشعب حرم من قياداته البطلة بعد أسابيع قليلة من انطلاق ثورته المظفرة بإذن الله، ولم يتراجع خطوة واحدة، بل حاصر العصابة الخليفية حتى يئست منه (اليوم يئس الذين كفروا من دينكم…). ودفعها هذا اليأس للانبطاح المذل امام أعداء الأمة ومحتلي فلسطين. فكان الخليفيون من المهرولين انبطاحا للحضور على طاولة الخيانة في النقب المحتلة. ولم يكونوا ضيوفا لدى أهل فلسطين، بل عملاء للصهاينة الذين تلطخت أيديهم بدماء أهل الأرض الأصليين. وهذا هو ديدن المحتلين والطغاة، إراقة دماء السكان الإصليين بدون رحمة او إنسانية، على أمل ان يؤدي ذلك لتحقيق سيطرتهم الكاملة على أراضي الآخرين. ولكن لله في خلقه شؤون. فانما يملي للمحتلين والطغاة ليزدادوا إثما ولهم عذاب عظيم. فالعنف يؤدي الى العنف، ومن سلّ سيف البغي قتل به، ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها. هذه حقائق لها مصاديقها الكثيرة، ولذلك فهؤلاء الذين يمعنون في إراقة الدماء وممارسة إرهاب الدولة إنما يؤسسون للعنف والإرهاب والتوتر. فالشعوب تبقى مهما كان قمع الطغاة والديكتاتوريين والمحتلين. أما الحركات الاستعراضية والتظاهر بالقوة والغلبة والسطوة فانما هي سمات الضعيف الذي يبحث عن القوة في دهاليز العنف والظلم. ولن تؤدي محاولات محتلي فلسطين للتظاهر بان الاحتلال اصبح امرا مقبولا وان التيار العام يتجه بعيدا عن رفضه والتصدي له، إلا إلى تعميق مشاعر الغضب لدى الملايين من البشر الذين يرفضون العدوان والاحتلال والاضطهاد. وليس جديدا القول ان شعوب العالم انما تتضامن مع المظلومين من ابناء الشعوب الأخرى، ويندر ان تصفق لطاغية ظالم او ديكتاتور يرفضه شعبه او محتل يتصدى له سكان الأرضي التي احتلها.
شعبنا البحراني يستقبل شهر الصوم وصوته يعلو على اصوات النفاق والخداع والتضليل والتملق والضعف. فهو الذي ضحى بأغلى ما لديه من أجل الله وحرية الوطن وسعى لاسترداد حقوقه المسلوبة. وقد استطاع الصمود والثبات واستعان بالصبر والصلاة في ميادين المواجهة مع طغمة باغية باعت نفسها لأعداء الأمة واعتقدت انهم سيحمونها من غضب الجماهير التي تشعر بالخزي والعار بعد ان خانت الله ورسوله والأمة وفلسطين والبحرين. فاستقدمت الاسرائيليين ليحموها من غضب الله والشعب، حتى أعلن الصهاينة انهم سيعينون مبعوثا عسكريا دائما لدى الخليفيين، معتقدين ان ذلك سيوهن عزم الشعب المؤمن الذي فتح الله قلبه على الإيمان فأصبح حاضرا في الميادين لا يبارحها. يستذكر شعبنا هذه الأيام أبطاله المغيبين وراء القضبان، وكيف انهم أذيقوا من العذاب أضعافا على أيدي الخليفيين وجلاوزتهم. وما قصة الاستاذ عبد الهادي الخواجة الأخيرة التي ذكرت ابنته المناضلة، مريم، بعض تفصيلاتها، إلا مؤشر للروح العالية التي يتمتع بها رموز الشعب المأسورون من قبل الخليفيين. فيداه المقيدتان ترتفعان في الهواء بقبضتيه الحديديتين وهو يهتف باسم فلسطين والبحرين. جاء ذلك بعد ان أصدر الاستاذ عبد الوهاب حسين بيانه التاريخي الذي تحدى فيه العصابة الخليفية المجرمة وأكد استعداده للبقاء في السجن حتى يحكم الله بينه وبين الخليفيين المجرمين. اما الدكتور عبد الجليل السنكيس فسيكمل قريبا تسعة شهور كاملة من الاضراب عن الطعام، متحديا بذلك عصابة الشر الخليفية، ومؤكدا استعداده لتحمل التعب والمشقة والجوع من اجل الحرية والكرامة والاستقلال. اما الاستاذ حسن مشيمع فقد كان تصريحه قبل بضعة شهور من بين أسباب فشل المشروع الخليفي باسم “العقوبات البديلة” الذي روجه له الجلادون وداعموهم خصوصا في لندن. وهكذا يحتدم الصراع بين اهل الحق وجلاوزة الباطل، ويشتد في شهر رمضان المبارك، بينما القلوب المؤمنة تنا جي ربها وتطلب منه العون على الظالمين والطغاة والمحتلين. وفي هذا الشهر الفضيل لن يحجب تلك الدعوات الصادقة عن الله ا لمقتدر الجبار، قاصم الجبارين ونكال الظالمين.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
1 أبريل 2022