محنة الخواجة بعد السنكيس ومشيمع تؤكد ضرورة التغيير الجذري
منذ ان استقبل المسلمون شهر رمضان المبارك ازداد توجههم نحو الله من خلال صومهم وصلاتهم ودعائهم وتلاوتهم القرآن الكريم. وقد وجد البحرانيون في شهر الصوم فرصة لالتقاط الأنفاس اللاهثة على طريق التغيير الذي يأملون أن يؤدي الى تطهير الأرض من أدران الاستبداد ويوفر للشعب فرصا للعبادة الخالصة بدلا من طرق الضلال والانحراف والاستهلاك التي يروجها الطغاة خصوصا في مرحلة ما بعد التطبيع والخيانة. لقد وجد المواطنون في الصوم عن المحرمات دافعا لتوثيق العلاقة مع الله سبحانه وتعالى والانقطاع إليه وتأكيد رفضهم الشرك خصوصا ما يتصل بإشراك غيره في الحكم: ولا يشرك في حكمه أحدا. وما طوابير الرجال والنساء على الطرق العامة التي تطالب بالإفراج عن المعتقلين السياسيين إلا أحد تجليات إيمانهم وشعورهم بالواجب الذي يدفعهم لرفع الصوت عاليا ضد الظلم والاستبداد والانحراف والخيانة. وتميزت أيام الشهر الفضيل هذا العام بعودة التواصل الاجتماعي بعد تراجع الوباء، فكان ذلك فرصة لتكثيف التضامن الاجتماعي والتواصل مع عائلات الأسرى المرتهنين لدى العدو الخليفي، بالاضافة لحضور مجالس القرآن الكريم والتعبد الجماعي في المساجد. عالمان متميزان في البحرين: عالم الشعب المرتبط بالله وعالم الخيانة والإجرام والانحراف الذي يتصدره الخليفيون. وبين هذين العالمين تتعمق مشاعر الكراهية والرفض وإثبات الوجود، وهو صراع سيتواصل حتى يتحقق التغيير بعون الله تعالى.
كشفت الحالة الصحية للرمز الوطني الأستاذ عبد الهادي الخواجة جانبا من الحقائق المرتبطة بالسجون الخليفية وطرق تعامل العصابة المجرمة مع رموز الوطن والشعب، والانحطاط الأخلاقي والقيمي لديهم، وغياب الإنسانية والضمير عنهم وعن مشروعهم السياسي. فقد شعر المواطنون والحقوقيون داخل البلاد وخارجها بصدمة شديدة لدى انتشار خبر تداعي صحة الخواجة وتصاعد احتمالات إصابته بالعمى في إحدى عينيه نتيجة الإهمال الصحي والعناية الطبية. وإذا أضيف لهذه الحالة ما يعانيه السجناء الآخرون كالدكتور عبد الجليل السنكيس والاستاذ حسن مشيمع وكذلك الأستاذ عبد الوهاب والشيخ عبد الجليل المقداد وسواهم اتضحت بعض جوانب السياسة الخليفية الهادفة للقضاء على هؤلاء الرموز بعد ان أثبتوا ثباتهم على خط الثورة وإصرارهم على المطالب العادلة للشعب البحراني المضطهد. وكان التنكيل بالأستاذ عبد الهادي الخواجة منذ لحظات اعتقاله الأولى رسالة واضحة للعالم: ان حقوق الانسان تحت الأقدام وأن نشطاءها سينالون تنكيلا مضاعفا. فقد تعرض لتعذيب وحشي لحظة اعتقاله فتعرض لضرب مبرح امام عائلته وكسر فكه واحتاج لعملية جراحية لترميمه. وهنا تجدر الاشارة الى عدد من الأمور ذات الصلة:
أولا: ان العلاقة بين الخليفيين والبحرانيين شهدت تراجعا كبيرا في السنوات الاحدى عشرة الاخيرة، بعد ان ثبت للمواطنين ان الخليفيين عدو لدود، يعمل لطمس هوية البلاد وتاريخها وثقافتها، واستئصال شعبها من خلال سياسات متواصلة في مقدمتها مشروع التجنيس السياسي واستهداف السكان الاصليين (شيعة وسنة). هذا التراجع بلغ نقطة اللاعودة، فأصبح كل طرق ينتظر الزمن لحسم الصراع بانتهاء أحد أطرافه. والأمل الكبير ان ينتهي العهد الخليفي الأسود وتسود الحرية والعدل وتتعمق جهود الحفاظ على الهوية التاريخية لهذا البلاد الموغل في التاريخ.
ثانيا: ان سياسات التضليل والتشويش تشهد تراجعا وهزيمة نتيجة ثبات المواطنين وإصرارهم على العمل من اجل التغيير. فما يرشح يوميا من السجون من أخبار ومعاناة يكشف هشاشة أساليب التعتيم والتشويش الخليفية التي بدأ فشلها يظهر بوضوح. هذه السياسات تؤكدها الحالات المرضية بين المعتقلين السياسيين وحرماتهم من العناية الطبية والمعاملة الانسانية السوية، وهنا لا يستبعد ارتكاب الخليفيين جرائم ضد الانسانية باضطهاد الأسرى وإساءة ومعاملتهم والسعي لقتلهم بشتى الأساليب بالاضافة للتعذيب حتى الموت والإعدام. وقد كشفت حالة الخواجة أحد وجوه هذه السياسات الجائرة التي أكدت ضرورة التخلص من الحكم الخليفي الجائر والمتخلف، وغلق ملفات الحقبة السوداء من تاريخ هذا البلد.
ثالثا: ان الخليفيين ازدادوا خيانة وإجراما بتكثيف التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي واستقدام عناصره إلى البلاد تحت عناوين ومسميات شتى. هذه الحقيقة ساهمت بقطع أي أمل في عودة العلاقات بين البحرانيين الاصليين (من الشيعة والسنة) الى ما كانت عليه قبل الثورة، وان مستقبلها أسود، ولن يكون بإمكان أحد إعادة الثقة بين الطرفين بعد ما جرى في السنوات الإحدى عشرة من ثورة شعبية شاملة، وتطبيع إجرامي شامل من قبل الطغاة الخليفيين. فالشرفاء من أبناء الوطن يصرون على مقاطعة الطاغية وعصابته ويرفضون أي حوار معهم بعد ان خانوا الله ورسوله والأمة وفلسطين والشعب. وليس منطقيا إجراء أي حوار مع الخونة، وهذه مسألة جوهرية يفترض ان يلتزم بها الأحرار الداعمون لفلسطين والمطالبون بتحرير القدس وحماية مقدساتها وفي مقدمتها المسجد الأقصى الشريف.
رابعا: ان التنكيل بالأحرار خصوصا النشطاء السياسيين والحقوقيين جريمة متواصلة لم يتوقف الخليفيون عنها، ولن يفعلوا. فهم يرون في أولئك النشطاء تهديدا لنظامهم السياسي وفضحا لجرائمها وتخريبا لخططهم. ولذلك يمعنون في التنكيل والاضطهاد. فقادة الشعب يقضون عامهم الثاني عشر مغيبين في طوامير التعذيب الخليفية، حيث يعاملون بقسوة ووحشية، ويسلط عليهم شرار الخلق من الجلادين والانتهازيين، وتشن عليهم الحملات الإعلامية القبيحة والشتم والاتهامات الباطلة في ظل نظام إعلامي سلطوي بغيض لا يتيح المجال لسواه، ألم يقفلوا صحيفة “الوسط” ظلما وعدوانا وتنكيلا واضطهادا؟ ألم يغلقوا كافة المواقع الحرة القادرة على كشف حقائقهم؟ ألم يعتقلوا الإعلاميين الشرفاء؟ ألم يغلقوا المنابر التي يصعدها الأحرار والشرفاء؟ ان نظاما يصادر كافة الحريات خصوصا حرية التعبير ليس جديرا بالبقاء، ولا بد من يسقط.
خامسا: ان جهود الخليفيين للارتماء بأحضان الغرب والانظمة الاقليمية القمعية كالسعودية والإمارات والكيان الاسرائيلي لن يحميهم من غضب الشعب وصوته الذي يصك أسماع العالم ويفضح الغربيين الداعمين لاستبداد الخليفيين وظلمهم. وما القانون الذي وقعه الرئيس الامريكي مؤخرا والذي يطالب وزارة الخارجية برفع تقرير مفصل عن السجناء السياسيين في البحرين الا إحدى ثمرات جهود الأحرار. هذا لا يعني ان البحرانيين يعولون كثيرا على مواقف الادارة الامريكية او سياساتها، وهي المعروف عنها ازدواجية المعايير وعدم الاهتمام بقضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان خصوصا عندما يتعلق الامر بحلفائها. ولكن القانون المذكور يكشف عمق الأزمة البحرانية وكيف انها أحرجت داعمي الخليفيين ودفعته لاتخاذ مواقف غير معتادة. والأمل ان تصل صرخات ضحايا التعذيب الخليفي إلى أسماع أصحاب القرار السياسي في الغرب والشرق وان يكون ذلك سببا لمحاصرة الطغمة الخليفية المجرمة وكسر شوكتها.
سادسا: في هذا الشهر الفضيل تتوجه قلوب الأمهات والزوجات والأولاد الى السجناء السياسيين المظلومين داعية الله ان يحفظهم ويحررهم من الأسر الخليفي ويربط على قلوبهم حتى يبلغوا الفتح الذي لن يتأخر بعون الله تعالى. انه شهر الرحمة والمغفرة، شهر العتق من النار والفوز بالجنة، وكل ذلك مشروط بالصوم الخالص الذي يحمي الصائم من الوقوع في المحرمات خصوصا مسايرة الطغاة او السكوت عن الاستجابة لصرخات المظلومين. ان رفع الظلامة مسؤولية كبرى على عاتق الجميع، وعدم القيام بذلك قد يؤدي الى غضب الله، كما قال الامام زين العابدين: اللهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره. اللهم اجعلنا من المسارعين لنصرة المظلوم، وان تحمينا من مجاملة الطغاة والظالمين والخائنين والمطبّعين، او مسايرتهم او مداهنتهم. إنك سميع الدعاء.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا ب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
8 أبريل 2022