الإصلاح لا يتحقق الا باقتلاع أسباب الفساد وجذوره
بارك الله للمسلمين أيامهم الرمضانية، ووفقهم للاستفادة من ذكريات الشهر الكريم، كمولد الامام الحسن السبط وذكرى غزوة بدر الكبرى. وندعو الله ان يوفقهم للاستفادة من دروس تلك الواقعة التي رفع الله فيها شأن الإسلام وهزم التحالف القبلي المقيت الذي ما يزال يتصدى للإسلام المحمدي الأصيل بأساليبه الوقحة ويسلب المواطنين حقوقهم في الحرية “ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة”.
أثار إعلان الامارات عن إدراج أسماء أكثر من 30 شخصا على قائمة الارهاب استسخاف المنظمات الحقوقية الدولية التي تراقب أوضاع دول الخليج وتعبر عن استيائها من تداعي اوضاع حقوق الانسان فيها وتراجع القيم الانسانية لدى حكامها. فهي ليست المرة الاولى التي يتحدث بعض الحكام عن مواطنين أبرياء بلغة مسيئة ومشيننة وهابطة، كما انها ليست المرة الاولى التي يتم فيها خلط الاوراق والمفاهيم وتشويه المعاني لتضييع الحقيقة والتعتيم على المجرمين الحقيقيين الذين يضطهدون البشر ويستغلون سلطتهم للتعذيب والقتل وممارسة الارهاب الحقيقي الذي يزهق ارواح الأبرياء. هذا الإدراج يمهد لإصدار أحكام الاعدام بحق من يطالب بحقوقه المشروعة ويتصدى للفساد المالي والاداري المستشري في اغلب دول مجلس التعاون الخليجي خصوصا السعودية والامارات والبحرين. الخطوة الاماراتية جاءت بعد أسبوعين فحسب من إعدام السعودية 81 من ا لمواطنين بتهم ملفقة ودعاوى فارغة تتحدث عن الارهاب. وفي غمرة التطورات المرتبطة بالأزمة الاوكرانية جاءت الجريمة السعودية وتلتها الجريمة الإماراتية. وسبقتهما الجرائم الخليفية التي أودت بحياة مئات الأبرياء وتهدد بإزهاق أرواح اثني عشر مواطنا أصدر الطاغية الخليفي بحقهم أحكاما بالاعدام، ولا يستبعد إقدامه على تنفيذ الجريمة لإكمال ما بدأه من قتل وتدمير. وفي هذا الاسبوع مرت الذكرى الحادية عشرة لتعذيب عدد من البحرانيين حتى الموت على أيدي الخليفيين. ففي التاسع من ابريل من العام 2011 استشهد كل من علي صقر وزكريا العشيري في السجن بعد تعذيب وحشي أكدته الصور التي التقطت لأجسادهم الطاهرة على المغتسل. وفي 11 أبريل، أي بعد يومين فحسب، صعدت روح الشهيد عبد الكريم فخراوي إلى بارئها بعد ان انهال الجلادون الخليفيون عليه وعذبوه بوحشية غير مسبوقة. ولحقهم الشهيد حسن جاسم مكي وعبد الرسول الحجيري، وتبعتهم قوافل الشهداء بالمئات. وكانت الجريمة الأخيرة التي ارتكبها الطاغية الخليفي إعدام كل من أحمد الملالي وعلي العرب في 26 يوليو من العام 2017.
في ظل هذه الجرائم التي ترتكب علنا بدون رادع من أخلاق او ضمير، إلى أين تسير أوضاع المنطقة؟ وما آفاق إصلاح الاوضاع السياسية مع تغول التحالف الشرير الذي يضم الكيان الاسرائيلي مع حكومات الدول المذكورة؟ وهل لدى أي إنسان يملك عقلا راجحا أمل بتحول هؤلاء الطغاة الى حكام مصلحين؟ فهم لم يتجاوزوا ما كان يعتبر خطوطا حمراء توافقت الدول العربية بشأنه منذ عقود، بل أمعنوا في التطبيع والانبطاح لكيان الاحتلال واستقدموه سياسيا وعسكريا وأمنيا، ووضعوا منطقة الخليج على حافة خطر محدق، داخلي وخارجي. مع ذلك يمكن التأكيد على فشل تلك السياسة التي كان من أولى نتائجها اعتراف التحالف الشرير لقوى العدوان على اليمن الذي ضم السعودية والامارات والخليفيين ونظام السيسي بهزيمته الماحقة في اليمن، وفشله في كسر شوكة اليمنيين بعد سبع سنوات من العدوان الآثم الذي ارتكبت فيه أبشع الجرائم وأسوأ الموبقات. هذه الهزيمة تاريخية، لم يسبقها الا هزائم الانظمة العربية امام الكيان الاسرائيلي. وكثيرا ما دفعت الشعوب ثمن تلك الهزائم. هذه المرة ستتوسع دائرة الهزائم لتشمل كل من اضطهد شعبه وأمعن في العدوان على اليمن، وخان فلسطين وتخلى عن شعبها وتحالف مع أعداء الأمة. لكن هؤلاء المعتدين لن يعترفوا يوما بهزيمتهم العسكرية والسياسية والاخلاقية، ولديهم من الأبواق ما يسعى دائما لقلب الحقائق والتصفيق للعدوان والطغيان والاستبداد. وبموازاة ذلك ان الحقيقة تظهر نفسها دائما، وان محاولات حجبها بالتضليل والتشويش لا تجدي. وقد أدرك الواعون من أبناء الأمة ان الاعلان السعودي عن “هدنة” انما هو عنوان آخر للهزيمة. فالإعلامي هنا وكذلك الموظف لدى اجهزة النظم السياسية ارتبطت مصالحهم بهذا النظام واصبحوا حريصين على بقائه لكي تستمر حظوتهم ونفوذهم.
لذلك ليس هناك مناص من السعي المتواصل لإصلاح الاوضاع السياسية في هذه الدول، خصوصا السعودية والإمارات والبحرين نظرا لما ألحقته حكوماتها بالشعوب من كوارث ومصائب واضطراب امني واقتصادي. هذا الاصلاح يتحقق اذا توفرت شروطه وفي مقدمتها وجود وعي حقيقي بضرورة الاصلاح الذي لن يتحقق الا بتغيير هذه الحكومات البالية. وقد سعت هذه الحكومات لتضليل الرأي العام المحلي والدولي منذ عقود، وحاولت، بدعم غربي واسع، لترديد مقولات حديثة بعد أن أفرغتها من محتواها. فلدى هذه الانظمة “حكومة” و “مجلس شورى او برلمان” ولديها “منظمات حقوقية” وسواها من الأدوات التي تستخدمها لإسكات معارضيها. هذه الاجهزة تمعن في تضليل الرأي العام، ويستخدمها داعمو هذه الانظمة لتبرير استمرار دعمهم لها، برغم علمهم بطبيعتها واستحالة إصلاحها. فمن يستطيع إصلاح نظام آل سعود؟ هل يمكن ان يتخلى عن ذبح معارضيه؟ هل يستطيع ان يساوي بين أفراد البيت السعودي وبقية المواطنين؟ وماذا عن البيت الخليفي؟ هل يتوقع شخص ذو عقل في هذا العالم ان يتحول حمد بن عيسى الذي أعلن نفسه ملكا ان يتخلى عن امتيازاته وعائلته ليعيش كما يعيش أي مواطن آخر؟ هل يمكن ان يتحول الظالم الى عادل؟ او الديكتاتور الى ديمقراطي؟ او الجلاد الى رجل أمن وديع يعامل المعتقلين وفق نصوص القانون والشرائع الدولية؟ هل يمكن ان تسمح هذه العصابات المتحكمة للمواطنين بوجود إعلام حر؟ او التعبير عن الموقف بدون الخشية من التنكيل والسجن؟ او الاحتجاج السلمي ضد السياسات الفاسدة؟ هل يتخيل أحد ان يعرض الخليفيون قرار التطبيع مع العدو للاستفتاء امام الشعب؟
في ظل ما هو معروف من حقائق، ومع تعمق القناعة باستحالة إصلاح الاوضاع ما دام الحكام فاسدين ومفسدين، فليس هناك من سبيل سوى الاستمرار في النضال السلمي الهادف للتغيير الشامل. والأمل ان يستوعب النشطاء والمعارضون هذه الحقائق، ويسلكوا سبيل من سبقهم من المناضلين من كافة الأطياف الفكرية والسياسية، فيصروا على إسقاط الحكم الخليفي واقتلاعه من الجذور لان الضرر الناجم عن وجوده يزداد بمرور الزمن. فعندما عرض الطاغية ميثاقه للاستفتاء قبل واحد وعشرين عاما، من كان يتوقع ان يستخدم ذلك الاستفتاء للانقلاب بعد عام واحد فحسب على الدستور الشرعي ويفرض دستورا خليفيا متخلفا يشرعن الاستبداد والديكتاتورية؟ وعندما أصدر ذلك الدستور الزائف من كان يتوقع ان يتمادى في استخدام العنف السلطوي والتعذيب ضد المعارضين؟ هذا الطاغية الذي دعا العلماء الى قصره مرارا، من كان يتوقع ان ينقلب عليهم ويبعدهم عن البلاد قسرا؟ وعندما اندلعت الثورة الشعبية ضد الحكم الخليفي من كان يتوقع ان يندفع الطاغية نحو التطبيع الوقح وتسليم محتلي فلسطين مفاتيح الوطن كاملة بما فيها المعلومات الخاصة بالمواطنين؟ من كان يتوقع ان يبادر هذا الطاغية لتمويل بناء قواعد عسكرية للبريطانيين؟ من كان يتوقع ان يستقدم عناصر الموساد لحمايته والتصدي للنشطاء على الطريقة الاسرائيلية؟ ان طاغية كهذا يستحيل إصلاحه، بل سيبقى كابوسا ثقيلا على الوطن والشعب، وسيزداد قمعه واضطهاده مستفيدا من تجارب المحتل الاسرائيلي، فالاحتلال واحد، وسياساته متشابهة، وهيهات ان يتسامح مع أهل الأرض الأصليين سواء في فلسطين ام البحرين “ان الله لا يصلح عمل المفسدين”. فليس هناك سوى السعي لانقاذ الوطن من المعتدين وعدم استعجال النتائج، او الفصل بين التطبيع مع العدو والإصلاح الداخلي، فمن فسدت سياساته الخارجية لن يصلح سياساته الداخلية خصوصا مع وجود دعم من اعداء الامة. فليتمسك المناضلون بثوابت الشعب كالحرية والدستور الذي يكتبه بنفسه، وحقه في تقرير المصير وإقامة النظام السياسي الذي يريده، والكف عن التعويل على المطبّعبين الذين خانوا الله ورسوله والأمة وفلسطين والشعب.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
14 أبريل 2022