لا مساومة على الحرية والحقوق ولا تعايش مع الخونة
ربما لم يمر على الشعب في السنوات الأخيرة شهر رمضان كما مر هذا العام من حيث الحيوية الإيمانية والعبادية والوعي السياسي الراسخ وعمق مشاعر الإباء والتحدي والحضور الميداني الذي لم ينقطع ليلة واحدة. وقد أثبت الشعب بذلك تفوقه الهائل على خصمه الخليفي الذي ازداد عداء للدين والأمة والشعب، وتفوق على كافة انظمة الحكم العربية في انحرافه السياسي والاخلاقي والعقدي بإعلان سياسة لم يعلنها غيره من الانظمة: “عدوّنا الأول والثاني والثالث يأتي من إيران”. هذا الإعلان الذي انطلق بوضوح من فم أحد رموز العصابة الخليفية يعتبر تهديدا خطيرا لأمن البحرين وشعبها. فهو إعلان حرب على دولة كبيرة مجاورة، بالاستعانة بعدو لدود لها وللأمة ولفلسطين وشعبها. أهذا ذكاء؟ ام تحدر سافر؟ أم غرور؟ أم أنه تعبير عن احتضار نظام فقد توازنه وعقله فأصبح يهذي بكلام لا يدرك مغزاه وأبعاده؟ جاء هذا التصريح الخطير في شهر الله، حيث الناس صائمون، وحيث تتوجه القلوب والأرواح الى بارئها لتتطهر من الرجل ولتنال رضاه ولتعمل من أجل سلام العالم وأمنه. فلماذا يسير الخليفيون باتجاه مضاد لما يؤمن الشعب به؟
لقد أظهر الشهر الكريم عمق إيمان البحرانيين بربهم الواحد الأحد، المقتدر الجبار، والتزامهم بدينهم الذي قال عنه أبو طالب بن عبد المطلب:
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا
فطوال هذا الشهر كان المواطنون حاضرين في المساجد والمجالس الرمضانية، يتلون كتاب الله بخشوع ويقرأون الأدعية الخاصة بالشهر الكريم، خصوصا دعاء الافتتاح الذي يتضمن دروسا بليغة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا. فعندما يقرأ المؤمن بعض فقراته ليليا فانها ترسخ في ذهنه وتتحول تدريجيا الى منهاج عمل: الحمد لله قاسم الجبارين، مبير الظالمين، مدرك الهاربين، نكال الظالمين، صريخ المستضرخين، موضع حاجات الطالبين، معتمد المؤمنين”. وانطلاقا من هذه المفاهيم الإيمانية، كان الشعب حاضرا في الميادين ليليا، بالاضافة للمجالس الرمضانية. فقد رفعت الامهات والآباء صور أبنائهم المعتقلين وهتفوا بحريتهم، ورفضوا الجرائم الخليفية التي سعوا لتقنينها وفرضها بالقوة على المواطنين، وفي مقدمتها “القانون” الإجرامي الذي أطلقوا عليه “العقوبات البديلة”. فمن سنّ هذا القانون لا يختلف عن المعذب الذي يمارس التعذيب بوحشية مع السجين البحراني ليجبره على توقيع إفادات بأنه “مجرم” و “خائن للوطن” و “عميل لإيران” و “أنه يتلقى دعما من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني”. فالقانون المذكور يتجاوز ذلك كثيرا، ويجبر السجين على توقيع تعهد بالتخلي عن حقوقه الطبيعية والإنسانية، ويؤكد أنه “مجرم” يلتمس العفو من طاغية لم يعرف في حياته غير الإجرام والخيانة. وهل هناك إجرام أكبر من إزهاق أرواح الأبرياء مثل سامي مشيمع وعباس السميع وعلي السنكيس وأحمد الملالي وعلي العرب؟ فمن الذي وقع بيده قرار إعدامهم؟ ومن الذي صافح أعداء الأمة وباع سهم البحرين في فلسطين بثمن بخس للمحتلين؟
من هنا كان موقف الشعب خلال الشهر الفضيل مشرفا، ومعبّرا عن إيمان ووعي ومبدئية وصمود. فقد تحدى الأحرار قرارات العصابة الخليفية وخرجوا كل ليلة في احتجاجات بعناوين شتى. فبالاضافة للعنوان الرئيس المتمثل بالمطالبة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن السجناء المأسورين لدى العصابة الخليفية، رفعت عناوين شتى في مقدمتها الوقوف مع الشعب الفلسطيني ورفض الاحتلال الاسرائيلي والتطبيع الخليفي. فكان هناك استعراض للإرادة الشعبية والهوية الدينية والانسانية والوطنية للشعب البحراني الذي يعيش تحت الاحتلال الخليفي المدعوم من الخارج، والمتحالف مع محتلي أرض المعراج. لم ينس البحرانيون في منتصف الشهر موقع المسجد الأقصى في القرآن الكريم، وهم يتلون سورة الإسراء: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير.
كان صوم البحرانيين حقيقيا، فلم يقتصر على الامتناع عن الأكل والشرب فحسب، بل صامت جوارحهم حقا، فقد تورعت عن ارتكاب المحرّمات، ومنها التخلي عن نصرة المظلوم، سواء الأسير البحراني لدى الخليفيين ام الأسير الفلسطيني لدى الصهاينة. وقف المواطنون، رجالا ونساء، في خطوط مستقيمة هاتفين بحرية فلسطين والبحرين وشعبيهما، وتضوعوا في محارب العبادة لربهم يطلبون منه النصر، ويرفضون الاستعانة بغيره. انه الإيمان العميق الراسخ في نفوس هذا الشعب البطل الذي لعق جراحه وانتفض مجددا لأنهاء فصول النضال الهادفة لتحرير أرضه من الاحتلال. كانت نفوس المشاركين في الوقفات والمسيرات الليلية مفعمة بالحيوية والوعي والصمود، وبرغم الاعتداءات الخليفية الاجرامية لم تتوقف الاحتجاجات يوما. ولم تقتصر الاحتجاجات على المواطنين خارج السجون، بل ان المعتقلين أنفسهم وقفوا وقفة رجل واحد عندما تعرض عبيد الخلليفيين لمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية، وهتفوا ضد المحتلين عندما أرادوا فرض فهم مغلوط حول أحياء الشعائر. البحرانيون يعرفون علي بن أبي طالب حق المعرفة، ولذلك فهم يحيون ذكرى استشهاده في محراب العبادة ولا يخشون في ذلك لومة لائم. هذا العام سعى الخليفين لفرض واقع جديد مسمد من سياسات ا لتطبيع التي التزموها تجاه الاحتلال الاسرائيلي. فعلي يمثل في التاريخ دعما قويا للرسالة في مواجهة معارضها واعدائها، ولا ينسون موقفه في خيبر، وهو موقف لا يقره محتلو فلسطين. لذلك سعى الخليفيون، إرضاء لهم، لمنع الشعائر داخل الزنزانات، ولكنهم واجهوا مقاومة قوية من سجناء الرأي الذين أبوا التخلي عن الامام علي او فلسطين.
لقد كان شهر رمضان مفعما بالعبادة والحركة وتعمق مشاعر الحرية في أوساط الشعب البحراني البطل. فاستمرت الاحتججات اليومية بدون انقطاع، خصوصا من اجل المطالبة بالافراج عن المعتقلين السياسيين. وكانت ردة فعل الطاغية وعصابته غاضبة، فما أكثر الذين قمعوا من قبل قوات الامن الخليفية. كما تم استدعاء العديد منهم، خصوصا الثوري المخضرم، عبد المجيد عبد الله (المعروف باسم الحاج صمود) وكذلك الاستاذ علي مهنا الذي اعتقل سابقا، كما اعتقل ابنه حسين الذي ما يزال يرزح وراء القضبان. ولكن ما أغضب الخليفيين قرار الكونجرس الأمريكي والبيت الابيض أبداء شيء من الاهتمام بسجناء الرأي البحرانيين. فقد وقع الرئيس بايدن قانونا يطلب من وزارة الخارجية إعداد تقرير شامل عن هؤلاء السجناء وتقديمه في غضون ستين يوما. وقد غضب الخليفيون كثيرا ووجهوا أبواقهم للكتابة ضد ذلك القرار وضد بايدن نفسه. ومع ان البحرانيين لا يتوقعون الكثير من الولايات المتحدة التي لم تعرف باهتمامها بحقوق الانسان، ولكنهم يأملون ان لا يكون القرار الأمريكي خاويا. فقد طالت فترة اسر رموز الوطن والشعب وتجاوزت الأحد عشر عاما. فقد دخل هؤلاء السجناء الى الطوامير الخليفية في صحة موفورة ولكنهم أصبحوا يعانون من الأمراض وسوء العناية الطبية، بالاضافة للتنكيل وسوء المعاملة. وقد كثف النشطاء جهودهم لأرغام الطاغية وعصابته على الافراج عن سجناء الرأي فورا وبدون قيد او شرط. وكان البحرانيون قد أفشلوا المشروع الخليفي لتثبيت إجرام البحرانيين بأجبار المعتقلين على المطالبة بأحكام بديلة ولكنهم أدركوا الخداع الخليفي ورفض الكثيرون منهم ذلك، فهم أحرار وليسوا مجرمين، بل المجرم من اعتقلهم وعذبهم وقتل العديد من المعتقلين السياسيين، وما يزال يحكم البلاد بالنار والحديد. فطوبى للسجناء السياسيين الذين لا يقفزون للخروج من السجن بأي ثمن، بل يصرون على حدوث التغيير السياسي الشامل مهما كلفهم ذلك. هذا هو موقف الرموز الأبطال الصامدين، الذين قالوها بوضوح: نرفض الاحكام البديلة ونصر على تحقيق تحول ديمقراطي في البحرين لانهاء الحقبة الخليفية السوداء. ولم يفت من عضدهم توجه الطاغية وعصابته للعدو الصهيوني وتسليمه مفاتيح الأمن وأسرار البحرانيين، وهي خيانة كبرى للامانة الشعبية، والضمير الانساني اليقظ. ويتوقع استمرار الحراك الشعبي وصمود الرموز وبقية المعتقلين حتى تتحقق المطالب ويهزم الخليفيون ويحاكموا أمام قضاء عادل لما اقترفوه من اجرام بحق الوطن والشعب، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد اسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
29 أبريل 2022