ما بين اغتيال شيرين أبو عقلة الفلسطينية وصلاح عباس البحراني
اهتزت مشاعر الكثيرين من النبلاء وأصحاب الضمائر الحية بسبب الجريمة الإسرائيلية الأخيرة التي حصدت روح إعلامية معروفة ظلما. فقد جاء قتل مراسلة قناة الجزيرة في الارض المحتلة، شيرين أبو عقلة، صباح الأربعاء الماضي ليضيف للسجل الإسرائيلي الإجرامي صفحة دموية سوداء أخرى، ولتكشف زيف ادعاءات داعمي الاحتلال والمطبّعين معه أن بالإمكان حماية الفلسطينيين من شروره. كانت الاعلامية المخضرمة، تمارس عملها مع مجموعة من زملائها بالقرب من مدينة جنين التي كان الصهاينة يستعدون للقيام بعدوان وحشي عليها واقتحامها. ولم يكن هناك ما يشير الى ان شيرين أبوعقلة، الإعلامية الشريفة، مستهدفة في حياتها بالشكل المباشر الذي حدث عن سبق إصرار وترصد.
لم تكن هذه المرأة الفلسطينية المسيحية، تمثل أي تهديد للمحتلين، اذ لم يكن لديها سوى صوتها الذي تنقل به حقيقة ما يجري، ومخرجها الذي أصيب هو الأخر في العدوان الاسرائيلي. كان ذلك العدوان تكرارا للقصف الذي قامت به القوات الامريكية لمكتب قناة “الجزيرة” في بغداد في أبريل 2003، الذي أدى لوفاة أحد موظفي المكتب، طارق أيوب. وقبل عام واحد تعرض برج الجلاء في غزة الذي كان يضم مكتب قناة الجزيرة، لقصف إسرائيلي أدى لتدميره. ويفترض ان امريكا وحلفاءها الذين يطلقون على انفسهم “العالم الحر” يؤمنون بالاعلام الحر ويسمحون بحرية الإعلاميين في أداء مهمتهم، ويوفرون الحماية القانونية والأمنية لمن يزاول المهنة. كما يفترض ان تكون “الديمقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط، حسب الوصف الغربي التضليلي لكيان الاحتلال، ملتزمة بقواعد اللعبة كذلك، ومستعدة لحماية الإعلاميين ايضا. المرحومة شيرين أبوعقلة لم تكن هي الأخرى تتوقع ان يكون الصهاينة قد أعدوا خطة اغتيالها بدقة، وان ذلك اليوم سيكون آخر عهدها بهذه الحياة.
وثمة تساؤلات عديدة تفرض نفسها هنا:
أولها: كم من أرواح الفلسطينيين يجب ان تزهق قبل ان يستيقظ ضمير العالم ويدرك حقيقة الاحتلال المفروض على فلسطين والأمة والانسانية بقوة السلاح والمال والإعلام؟
ثانيها: ما الخطر الذي كانت المرأة الخمسينية تمثله للاحتلال وقواته؟ ما السلاح ا لذي كانت تمتلكه مما يتيح لها إلحاق أي أذى مادي بالقوات الاسرائيلية المدججة بالسلاح؟
ثالثها: بعد أن ثبت بما لا يدع مجالا للتشكيك بان جريمة القتل ارتكبت مع سبق الإصرار والترصد، هل سيتغير موقف أي من داعمي الاحتلال؟ هل ستغير امريكا موقفها الداعم بلا حدود للكيان الاسرائيلي؟ هل سيتخذ مجلس الامن الدولي قرارا بمعاقبة القتلة؟
رابعها: هل سيعتقل القتلة ويحاكمون بارتكاب جريمة قتل خارج القانون؟ ام ان الجهات الداعمة للاحتلال ستحول دون ذلك؟ وعليه فهل سيتكرر سيناريو ما حدث للاعلامي السعودي، جمال خاشقجي الذي تظاهر الغربيون في البداية بحماسهم لملاحقة فريق القتلة الذين بعثهم محمد بن سلمان الى تركيا ونفذوا جريمتهم داخل مبنى القنصلية بأسطنبول؟ أي هل سيتم التلاعب بقضية الاغتيال كما حدث مع قضية خاشقجي عندما أغلق ملفها بموقف تركي خضع للضغوط وأغلق ملف القضية في محاكمه؟
خامسها: هل ستتخذ حكومات الدول العربية التي هرولت للتطبيع مع كيان الاحتلال أية خطوة للتكفير عن تلك الخطيئة بقطع علاقاتها مع الاحتلال؟ ام انها ستواصل سياستها التي تدعي انها تخدم القضية الفلسطينية؟
سادسها: ما مستقبل ما بقي من إعلام شبه حر في الشرق الأوسط بعد استهداف مؤسساته وموظفيه؟ وما الفرق بين اغتيال الاعلاميين الشرفاء مثل شيرين أبوعقلة الفلسطينية او جمال خاشقجي السعودي او صلاح عباس البحراني الذين فقدوا حياتهم بسبب مواقفهم التي لم تعجب الطغاة والمحتلين فاغتالوهم؟
لقد كان اغتيال الاعلامية البارزة، شيرين أبوعقلة، حدثا كبيرا، سلط الاضواء على امور عديدة خصوصا في البحرين:
أولها: ان العصابة الخليفية لا تقل إجراما عن عصابات الاحتلال الصهيونية في مجالات عديدة: أولها معاملة السكان الاصليين، فالخليفيون الذين احتلوا البلاد بالقوة يستهدفون البحرانيين الأصليين (شيعة وسنة) بشكل متواصل وبطرق شتى: السعي لاستبدالهم بالأجانب من خلال التجنيس السياسي وسجن النشطاء من السكان الاصليين وسحب جنسيات البحرانيين، ويميزون ضدهم في مجالات التوظيف خصوصا في وزارتي الدفاع والداخلية، ويستقدمون الأجانب للتوظيف فيما يحرم السكان الاصليون، برغم كفاءاتهم، من فرص التوظيف.
ثانيها: إذا كان الاحتلال الصهيوني يهدف لتغيير ملامح فلسطين وهويتها، ويحاول تهويد القدس والقضاء على ملامحها التاريخية، ويخطط لهدم المسجد الأقصى فان ان طغاة البحرين يستهدفون هوية الأرض والوطن، ويسعون لفرض ثقافتهم المشوشة وإلغاء ثقافة الشعب وتاريخه وهويته. وهذا واضح من سياساتهم الاعلامية في التلفزيون والراديو والجرائد اليومية، وكذلك من سياساتهم المرتبطة بالدين. ففي الوقت الذي يسعون فيه لتضليل العالم بانهم يمارسون “التسامح الديني” مع الاقليات الاخرى غير ذات الوجود الحقيقي، فانهم يقمعون السكان ا لاصليين في ممارساتهم الدينية ويضيقون عليهم، ويعتدون على مقدساتهم ورموزهم الدينية بدون توقف. فهم يشتمون أئمة المسلمين وعلماءهم وفقاءهم خصوصا في طوامير التعذيب، للامعان في التنكيل بالسجناء السياسيين.
ثالثها: ان الخليفيين، كالصهاينة، يستدفون النشطاء والعلماء والمفكرين بشكل منهجي متواصل. فكما اعتقل الشهيد الشيخ أحمد ياسين من قبل الصهاينة وقتله لاحقا بصاروخ، اعتقل علماء كبارا في مقدمتهم المرحوم الشيخ عبد الأمير الجمري. وكما يتواصل اعتقال علماء القدس مثل الشيخ عكرمة صبري، تم إبعاد كبير علماء الشعب، سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم حفظه الله.
رابعها: ان استهداف الإعلاميين سياسة ممنهجة لدى العصابة الخليفية هي الأخرى. فقد فرضت على الوطن والشعب إعلامها الخاص الذي أصبح أبواقا جوفاء للدفاع عن جرائم الخليفيين بوقاحة وتبرير خيانته في قضية فلسطين. وليس هناك اليوم في البحرين وسيلة إعلامية مستقلة واحدة. فقبل خمسة اعوام أصدر ديوان الطاغية قرارا بغلق الصحيفة اليومية الوحيدة “الوسط”، وتم لاحقا هدم مقرها نهائيا. وكما اغتال الصهاينة الاعلامية شيرين أبوعقلة، اغتال الخليفيون الإعلامي البحراني، صلاح عباس في شهر ابريل 2012، بسبب تغطيته مسيرات احتجاجية شعبية تطالب بوقف سباق السيارات “فورمولا 1” الذي استخدمه الطاغية وداعموه للدعاية الرخيصة لنظام غير شرعي. وقد كانت جريمة اغتيال الاعلامي المذكور واحدة من الصفحات السوداء في تاريخ هذه العصابة التي تتسابق مع الاحتلال الاسرائيلي في القمع والاضطهاد وسحب الجنسية وإبعاد السكان الاصليين من بلادهم، واستقدام الأجانب لإحلالهم مكانهم.
خامسها: انهم يسعون لتسييس كافة الفعاليات والانشطة السياسية والرياضية للتشويش على حقيقتهم القمعية واضطهادهم الممنهج لشعب البحرين. وهذا ما سيحدث عندما يحضر طاغيتهم سباق الخيل السنوي الذي يقام في lويندسور في نهاية هذا الاسبوع. فهو يستخدم هذه المناسبة لتأكيد الدعم البريطاني لحكم عصابته، وان أحدا لا يستطيع منافسته لكسب ود البريطانيين. هذا في الوقت الذي تتصاعد فيه الضغوط على البيت الملكي البريطاني للتوقف عن دعوة حاكم يضطهد شعبه وتؤكد تقارير المنظمات الحقوقية الدولية ممارسته القمع بشكل ممنهج. فهناك عشرات البرلمانيين البريطانيين الذين وقعوا بيانات او رسائل يطالبون حكومتهم فيها بوقف دعمها نظاما ديكتاتوريا يفتقد الشرعية الشعبية والدستورية، ويمعن في التنكيل بمعارضيه.
هذه الحقائق تفرض مسؤوليات كبيرة على المواطنين من جهة وعلى المجتمع الدولي من جهة أخرى. فإلى متى يستمر اضطهاد الشعوب بهذه الأساليب المقيتة التي تضطهد إنسانية الإنسان وتلغي كرامته وحقه في الحياة. ان الاحتلال، أيا كان شكله ومصدره ودعاواه، شر مطلق ومصادرة لحق الشعوب في الحرية وتقرير المصير. والأمل ان يترفع ساسة العالم ومنظماته الحقوقية والسياسية عن حالة السقوط التي يؤسس المال النفطي لها، ويتماهى معه في ذلك بعض حكومات الغرب الذي تخلى عن قيمه وإنسانيته واستمرأ المال الحرام المنهوب من بطون الشعوب الجائعة، لإنفاقه لشراء المواقف وتهميش قيم الحق والحرية والعدالة. وما لم يحدث ذلك فسوف يستمر السقوط الاخلاقي والقيمي وستدفع الانسانية فواتيره باهضة.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
13 مايو 2022