الأزمة البحرانية قد تستمر كغيرها، ولكن مطالب الشعب ستتحقق ولو بعد حين
الوضع البحراني قد يستمر ردحا من الزمن، ولكن تضحيات الشعب لن تذهب سدى، لان الله لا يضيع عمل عامل أبدا، فكل شيء في كتاب محفوظ. فهذا الوضع ليس جديدا، بل تناوبت عليه أجيال لم تتوقف عن التصدي للاحتلال الخليفي او الاستسلام للتحالف الشرير الذي يستهدف ارض البحرين وشعبها. ويمكن القول ان هذه القضية اصبحت من بين القضايا التي ستبقى عالقة حتى تتهيأ الظروف لحسمها، كما حدث لقضايا عديدة غيرها. ومن القضايا التي انتهت لصالح الشعوب بعد ان صبرت ورفضت التنازل للظالمين والطغاة والمحتلين قضية شعب العراق. فقد رفض طوال 35 عاما التصالح مع نظام البعث خصوصا بعد ان استلم صدام حسين رئاسته. وبرغم تغير الظروف الاقليمية والدولية، فقد رفض العراقيون التخلي عن طلبهم الأساس وهو إسقاط ذلك النظام بعد ان ارتكب المجازر وأعدم الفقهاء والعلماء والدعاة وورط البلاد في حرب تواصلت ثماني سنوات. وقد هيّأ الله الظروف حتى سقط النظام. ولو كان العراقيون قد قبلوا بأنصاف الحلول لاستمر النظام في الحكم، ولما تهيأت الظروف للتدخل الخارجي بقيادة أمريكا لإسقاط النظام. اما القضية الأخرى فهي نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. فقد استمر النضال من أجل إسقاطه قرابة المائة عام، ولم تتراجع الأغلبية السوداء عن هدفها المتمثل بإسقاط نظام الأقلية، فتحقق لها ذلك. وسبقتها قضية النظام العنصر في روديسيا، التي تغير اسمها بعد سقوط ذلك النظام في العام 1975 الى زيمبابوي. وتمثل نضالات الشعوب ضد الاستعمار أمثلة حية لحتمية انتصار إرادات البشر بشرط ان يصبروا ويصمدوا.
وثمة قضايا أخرى لم تحسم بعد برغم مرور عقود عليها. وفي مقدمتها قضية فلسطين. فبعدلى ثلاثة ارباع القرن ما تزال مستمرة، وما يزال الاحتلال الاسرائيلي جاثما على صدور أهل فلسطين. ولكن صبرهم وتداول أجيالهم على النضال والتزام الصبر والتحلي بالصمود حال دون تحقق الأمن والاستقرار للنظام الصهيوني. وقد وعد الله سبحانه وتعالى من خلال آيات القرآن الكريم بالنصر “فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا”. ولو كان هناك مجال لانتصار اسرائيلي حاسم لحدث، وحيث أنه لم يحدث حتى الآن، فسيكون وعد الله محتوما. وهناك قضايا أخرى مماثلة لن تحسم الا بهزيمة أحد طرفيها. فالحرب التي تقودها السعودية على اليمن تعقدت حتى اصبحت مستعصية على الحلول، فاما سقوط اليمن تماما امام السعودية، او هزيمة العدوان بشكل كامل. وقد بدا واضحا استحالة هزيمة الشعب اليمني، بينما لم تعد هزيمة العدوان مستحيلة. وهكذا وصلت الحرب الى حالة من الجمود بعد ان استطاع اليمنيون خلق ما يمكن تسميته “توازن رعب” أفشل المشروع السعودي الذي دعمه الغربيون. انها واحدة من القضايا المستعصية على الحلول الوسط، وستستمر حتى يرفع المعتدون الراية البيضاء مستسلمين امام إرادة شعب اليمن. وهناك ايضا قضية الاتفاق النووي بين ايران والغرب، فهي من القضايا التي ساهم الاسرائيليون في تعقيدها وافشالها بدفع الرئيس الامريكي السابق، دونالد ترامب لسحب بلاده من ذلك الاتفاق. اليوم لا يبدو توقيع الاتفاق الا بحدوث واحد من أمرين: فإما ان توافق إيران على إدراج مشروعها الصاروخي للتفاوض، وهذا مستحيل لانه يكشف إيران عسكريا واستراتيجيا، او عودة امريكا لتوقيع الاتفاق الذي توصلت اليه مجموع 5+ 1 في العام 2015، وهذا هو الأرجح. وما لم يحدث ذلك فسيظل المشروع النووي الايراني قضية متواصلة تتحدى الجميع.
وضمن القضايا التي تستعصي على الحلول الترقيعية السريعة قضية شعب البحرين. فقد تواصل نضاله على مدى مائة عام، ولم يتراجع او يتنازل عن حقه في تقرير مصيره، ذلك الحق الذي عبّر عنه بعناون شتى. وتواصل النضال خلال الحقبة الاستعمارية التي قدم الشعب فيها الشهداء، واستمر بعد الاستقلال بالانسحاب البريطاني في العام 1971. فاذا لم يستطع الخليفيون حسم القضية لصالحهم طوال مائة عام فكيف سيتحقق لهم ذلك مستقبلا؟ الأمر الواضح من هذه القضايا جميعا ان صبر الشعوب وصمودها وعدم القبول بأنصاف الحلول شرط للنصر الذي قد يتأخر ولكنه سيتحقق طال الزمن ام قصر: “بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين”. هذه حقيقة لا يتجاوزها إلا من لم يقرأ تاريخ نضال الشعوب ولم يستوعب حقائق القرآن الكريم ومعاني الوعد الإلهي القاطع: “إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون” … “كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ان الله قوي عزيز”.
في أجواء الوعد الإلهي وعمق إيمان الشعب البحراني، تبدو المحطات السياسية عاملا لإنضاج التجربة وتعميق ظروف النصر. ويتضح ذلك من شعور الطغاة بالحاجة لممارسة النفاق المكشوف كضرورة لاستحصال الشرعية من الآخرين. فيجدون انفسهم مضطرين لتقديم الوعود الفارغة، والتلاعب بالمصطلحات والمفاهيم للتشويش على ما يطرحه المواطنون، والسعي لكسب الشرعية من الآخرين. وبهذا الأسلوب أفرغوا المصطلحات من محتواها، فاصبحت اطروحات جوفاء بلا معنى او حقيقة. ووجد الطاغية وعصابته أنفسهم مضطرين لاستخدام المصطلحات الحديثة التي يحتويها قاموس المعارضين. وسعوا في السنوات الأخيرة لاستخدام المصطلحات على نطاق واسع. فأصبح لديهم “دستور” و “انتخابات” و “برلمان”. كما اختلقوا منظمات “حقوقية” لتحل محل العمل الحقوقي الصادق الذي يمنع الانتهاكات ويعمّق المصطلحات التي تحفظ حقوق الانسان. كما أصبحت لديهم مؤسسات “إعلامية” تدعي طرح الحقيقة وانها تلتزم الموضوعية. ولديهم “نظام قضائي” وادّعاء عام ومحاماة. كل ذلك للإمعان في التضليل والتشويش وإقناع الاطراف الخارجية بامتلاك الحكم كل ما تطرحه المعارضة. ولكن الوعي يحول دون تمرير اساليب الخداع والتضليل وتدفع المواطنين للتواجد المكثف في الميادين لتحقيق الاهداف. وهذا مسار تاريخي طويل فشل الخليفيون وداعموهم في كسره، وفرض نفسه في الواقع حتى اصبح ملازما لهوية شعب البحرين وانتمائه العربي – الاسلامي وإصراره على الحرية وتخليص بلده من براثن الاحتلال. وقد يبدو هذا الأمر مستعصيا، ولكن تجارب الشعوب الأخرى أكدت إمكان تحقق ذلك ولو بعد حين. اما الحلول الترقيعية التي جُرّب بعضها في الماضي فلن تؤدي إلا إلى تعقيد القضية بدلا من حلها. فقد تعلم البحرانيون من تجاربهم الطويلة المرة وخرجوا في أكبر ثورة شهدتها البلاد منذ الاحتلال الخليفي، مؤكدين إصرارهم على تحرير بلدهم وهتفوا بدون تردد: الشعب يريد إسقاط النظام”. وبعد ما ارتكبه الطاغية الخليفي من جرائم بحق الوطن والشعب والإنسانية، لم يعد هناك مزاج شعبي للقبول بالتعايش معه، فتردد الشعار التاريخي: يسقط حمد. إنه ليس شعارا مجردا بل عنوان لمشروع سياسي يهدف لإعادة بناء البلاد وفق رؤية وطنية تنطلق من الارض والشعب وتهدف لإقامة منظومة سياسية عصرية وإلغاء مشروع الحكم التوارثي الاستبدادي الذي ألغى الثوابت الوطنية وتخلى عن السيادة ومارس أبشع الجرائم ضد الانسانية. سيتواصل النضال حتى تتحقق أهداف الشعب بعون الله تعالى.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد اسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
3 يونيو 2022