معًا لرص صفوف المعارضة وفرض التغيير السياسي
جاء بيان سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم الأخير الداعي لوحدة المعارضة ليحرك المياه الراكدة وليضع فصائل المعارضة وقادتها امام مسؤولياتهم تجاه توحيد صفوف الناشطين ضد الاستبداد والحكم التوارثي الظالم. ومع ان دعوات الوحدة ليست جديدة، فان تجديدها ضرورة تفرضها الحاجة لاستعادة المبادرة وطرح مشروع سياسي في مقابل الإصرار الخليفي على رفض الاعتراف بالشعب وحقوقه وتطلعاته. سماحة الشيخ عيسى قاسم كان طوال نصف القرن الماضي في مقدمة الصراع بين البحرانيين والخليفيين. بدأ ذلك خلال عضويته في المجلس التأسيسي 1972-1973، ثم المجلس الوطني الذي حله الخليفيون في اغسطس 1975. وبعدها دخلت البلاد في الحقبة السوداء التي تربع على جهاز السلطة خلالها المقبور خليفة بن سلمان معتمدا في الجوانب الأمنية على الثنائي البغيض، إيان هندرسون وعادل فليفل. وعندما بدأت حقبة ما بعد الميثاق كان الشيخ عيسى حاضرا في الميدان، يراقب تطورات الوضع السياسي من خلال مشاركة جمعية الوفاق في البرلمان الخليفي، وبعدها كان شاهدا على مسار الثورة التي اشتعلت في 12 فبراير 2011. وبقي في موقعه المرجعي دينيا وسياسيا حتى قرر الخليفيون التخلص منه، فاعتدوا في مايو 2017 على منزله وقتلوا ستة من الشباب الذين كانوا يرابطون عنده. وبعدها ارتكب الخليفيون جريمتهم التاريخية بإبعاد الشيخ عن بلاده بعد سحب جنسيته.
سماحة الشيخ عيسى أدرك ضرورة توحيد صفوف المعارضة التي ساهم الخليفيون بتشطيرهم من خلال المؤسسات والجمعيات التي سمحوا لهم بتأسيسها بعد ان فرضوا ميثاقهم السخيف الذي خدعوا الشعب به. وخلال السنوات الخمس الأخيرة كان يراقب مسار الوضع الداخلي وما ارتكبه الخليفيون من جرائم، حتى بلغت حد الخيانة التي ارتكبوها بالتطبيع مع محتلي فلسطين. أمام هذه التطورات كان سماحة الشيخ يأمل ان تتمتع المعارضة بالقدرة على الفعل بدلا من حصر نشاطها بردود الفعل. ومع تعدد واجهاتها ومؤسساتها الحقوقية والاعلامية أصبح واضحا عدم قدرتها على تخطي الحواجز التي تحول دون إبراز جبهة موحدة تتصدى للعدوان المستمر الذي يمارسه آل خليفة وخيانتهم. فجاءت دعواته لتوحيد الصف متلاحقة. ولما رأى عدم تحقق ذلك، أصدر الأسبوع الماضي بيانه الأخير الذي عبّر عن غصة في نفسه وصرخة أخيرة لمن يعنيهم الأمر للمبادرة بطرح مشروع يوحدهم ويساهم في رص الصف في مقابل العدوان الخليفي المتصاعد بدعم سعودي-إماراتي-صهيوني علني وخطط غربية ماكرة. فالشيخ يراقب اوضاع البلاد عن كثب، وقد استاء كثيرا من سياسات العصابة الخليفية الهادفة لتغيير هوية البلاد وتهميش الشعب والقفز على مطالبه والاستمرار في قمعه واستقدام الأجانب، وبعضهم عدو تاريخي للأمة، للاستعانة بهم على المواطنين الشرفاء الباحثين عن أمن البلد واستقراره وسيادته. ومن المؤكد ان نغمة البيان وما تنطوي عليه من مشاعر الأذى من جهة والرغبة في تحريك الطاقات المختزنة لدى الشعب من جهة أخرى، قد تركت أثرا بليغا في نفوس المواطنين والرموز على حد السواء. وأعقب ذلك صدور بيان من العلماء المعتقلين يعبر عن دعم ما طرحه الشيخ عيسى، ويهيب بالمواطنين والقادة الميدانيين العمل الحثيث لتفعيل مستلزمات الوحدة وتذليل الصعوبات التي تعترضها. انها لحظة تاريخية متميزة، حيث يتوافق كافة النشطاء، ابتداء بالقائد الديني والسياسي مرورا بالرموز المعتقلين وصولا الى النشطاء والميدانيين، على مشروع ينهض بالمعارضة وعملها ويقفز على المعوّقات الناجمة عن رسم خطوط وهمية بين المواطنين تحت تسميات شتى، بينما يفترض ان يكون هناك انسجام كامل بين الجميع.
فما المطلوب من قوى المعارضة إزاء دعوة سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم لتوحيد الصف؟
غياب الإرادة الفاعلة لدى الذين تصدرووا المشهد وشعورهم بالانهاك الناجم عن الجدل والتراشق، وفضّلوا عدم عقد المؤتمر وساهمت بعض الظروف الإقليمية في تعقيد الموقف، وذلك باستهداف اللاجئين البحرانيين في لبنان، ومنعهم من أي تحرك جاد يؤدي لتقوية جبهتهم. وهنا لعبت ضغوط قوى الثورة المضادة دورا محوريا للحيلولة دون عقد المؤتمر المزمع. ولم تستطيع جمعية الوفاق طرح بديل لذلك المؤتمر، فمضى الوقت ولم تستطع فصائل المعارضة الالتقاء على ارضية مشتركة. وهناك الآن جهود للعمل على محاور عديدة: أولها إعادة بذل الجهود لعقد مؤتمر تحضره فصائل المعارضة مع الاعتراف بوجود معوقات لوجستية غير قليلة. ثانيها: تتواصل جهود المخلصين لعقد لقاء تشاوري بمن حضر، لكسر الجمود وتخطي الحواجز النفسية التي تشكلت بسبب التباعد الجغرافي والظروف المعيشية للنشطاء. ثالثها: هناك محاولات متواصلة لإصدار بيانات مشتركة ومؤتمرات صحافية وزيارات متبادلة للتوافق حول خريطة طريق مناسبة من جهة وتصعيد مشروع المقاومة المدنية من جهة ثانية. رابعها: يمارس تكتل المعارضة البحرانية في بريطانيا دورا إيجابيا لتسهيل مهمة توحيد الصف وتوحيد فصائل المعارضة بهدف التوصل الى مظلة سياسية تضمها وتعبر عن تطلعات شعب البحرين. ويعتبر التكتل انموذجا جيدا للعمل المشترك الذي يضع المصلحة العامة فوق أية مصلحة جزئية او حزبية او فئوية، فالجميع يعمل ضمنه بدون شروط مسبقة، ويسترشد بثوابت الثورة من جهة وتوجيهات العلماء والقادة المغيبين وراء القضبان.
اليوم تبدو الفرصة من جديد سانحة لعمل حثيث للإسراع بإنجاح مشروع التغيير الذي ثار الشعب من أجله. وبالاضافة لوضوح الرؤية لدى القادة والنشطاء يفترض ان تكون هناك خريطة طريق واقعية للوصول الى ذلك. ومن مستلزمات ذلك توفر قدر أدنى من الوحدة وتقارب وجهات النظر في أوساط النشطاء. ولا بد من الإشارة إلى ان الاختلاف والتعدد وتباين وجهات النظر حالة طبيعية في الحياة، فهل هناك معارضة في أي بلد لا تتعدد فصائلها؟ هكذا كانت المعارضة العراقية بالأمس والمعارضة في مصر والسودان اليوم. بل حتى في الدول ذات الانظمة الديمقراطية، فان فصائل المعارضة تتعدد من جهة، وتتعدد الرؤى داخل الحزب الواحد. والمعارضة البحرانية هي الأخرى تحتوي وجهات نظر متعددة من جهة، ولكنها متوافقة من جهة ثانية على عدد من الأمور: أولها ضرورة تحقيق تغيير جذري في المنظومة السياسية القائمة التي تخضع للهيمنة الخليفية المطقة، ثانيها: ان مستقبل البلاد لن يكون كماضيها، وان أيا من فصائل المعارضة لا تقبل بالعودة الى ما كان الوضع عليه قبل الثورة. ثالثها: ان كافة فصائل المعارضة تطالب بالإفراج عن كافة السجناء السياسيين بدون قيد او شرط، وقد رفضت مشروعي الأحكام البديلة والسجون المفتوحة بدون تردد. ثالثها: ان كافة أطياف المعارضة تصر على استعادة السيادة للبلاد وتجنيبها التبعية وفقدان القرار للآخرين، كما ترفض الوجودات العسكرية والامنية الأجنبية. رابعها: ان المعارضة البحرانية ترفض التطبيع وتعتبره خيانة، وتصر على دعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وتعتبر الاحتلال الإسرائيلي جريمة تاريخية لا يمكن التغاضي عنها. خامسها: ان المعارضة كافة تسعى دائما لتوحيد صفوفها، وترحّب بالدعوات والجهود الهادفة لجمع الشمل ومنع التشظي، وتعتبر دعوة سماحة الشيخ عيسى قاسم حفظه الله مبادرة مهمة جاءت في وقتها وستتعاون عمليا لتحويل المبادرة الى مشروع وحدوي بدون شروط مسبقة او تلكؤ.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار واجعل لهم قدم صدق عندك وفك قيد اسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
8 يوليو 2022