تجليات الصراع العقيدي والأيديولوجي بين البحرانيين والخليفيين
السلام على الحسين وعلى علي بين الحسين وعلى أصحاب الحسين وعلى أصحاب الحسين
نعزي العالم الإسلامي باستشهاد الإمام ا لحسين وأصحابه، ونعاهده على الاحتذاء به، ثائرا ومصلحا وشهيدا
في عالم القرن العشرين يفترض ان من أبسط حقوق المواطن تمتعه بحقوقه الدينية وان يكون ذلك متاحا في كل الظروف والأوقات، وان لا يخضع للحسابات او المساومات السياسية. ويفترض كذلك ان يتم تفعيل المبدأ الأساس الذي تتضمنه الدساتير الحديثة حتى في الدول المحكومة بالاستبداد: حق العقيدة والممارسة الدينية مكفول لكل المواطنين. هذا احد تجليات الحرية الدينية التي تروجها المواثيق الدولية وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الانسان. فالاعتقاد ظاهرة طبيعية لازمت المجتمعات لازمت وجود الإنسان على الأرض، فلا يستطيع أغلب الناس العيش بدون الشعور بالانتماء لدين او عقيدة او مرجعية روحية توفر لهم من الراحة النفسية ما يوازي راحتهم المادية. هذا الانسان لديه جانبان: مادي ومعنوي روحي، ويسعى اغلب البشر لتحقيق التوازن من خلال توفير كليهما. ولا يحق لحاكم أيا كان سلب اي مواطن حقه في الاعتقاد وممارسة ذلك الاعتقاد. وهذا الحق لا تسقطه أية اعتبارات أخرى تتعلق بالاوضاع الداخلية لذلك البلد ام بالاوضاع الخارجية والعلاقات الاقليمية. فحق الاعتقاد ليس موضوعا للمساومة في أي ظرف.
غير ان شعبنا البحراني عانى في ظل الحكم ا لخليلفي القائم ما لا يمكن تصوره من الاضطهاد الديني. والأنكى من ذلك ان يسعى محتلو أرضه للتعتيم على ذلك الاضطهاد بأشكال الأساليب والوسائل. وما يعمق شعور البحرانيين بالظلامة ما يكرره إعلامهم يوميا بان الطاغية الحالي حول البلاد الى جننة من التسامح الديني. فما مصاديق هذا التسامح؟ السماح بانشاء معبد للهندوس هنا، وكنيسة للمسيحيين هناك، ومعبد لليهود ثالثة. بل انه سعى للمتاجرة بالدين واستغلاله وتسييسه عندما سعى لخداع ا لعالم بهذا الاحترام الوهمي حين عيّن امرأة يهودية سفيره لعصابته في واشنطن، ضمن أساليب النفاق والتضليل، آملا ان تؤدي تلك الخدعة لكسب ود سياسيي البيت الأبيض بتشجيع من اللوبي اليهودي. ومع الأسف الشديد فقد استغل داعموه في واشنطن ولندن ذلك لترديد مقولات جوفاء عن وجود حالة من التسامح الديني، بل روجوا بانها هي الأوسع في المنطقة، مقارنين ذلك بالاوضاع في السعودية التي كانت حتى وقت قريب تصادر الحريات الدينية للآخرين وتفرض على الشعب نمطا واحدا من التفكير الديني الذي تتبناه العائلة السعودية التي تحكم البلاد بالنار والحديد، وتفرض المذهب الوهابي على كافة المسلمين من المنتمين للمدارس الفقهية الأخرى
منذ مطلع العام الحالي تكثفت اساليب استهداف الحقوق الدينية للغالبية الساحقة من الشعب البحراني، وهذه الاساليب تتم بشكل ممنهج وصارم ولا تخضع لاعتبارات الولاء السياسي او عدمه. ومن هذه الأساليب ما يلي:
أولا: استمرار التمييز الطائفي على اوسع نطاق من قبل العصابة الخليفية الحاكمة. فما تزال ا لعقلية التي حكمت البلاد منذ احتلال البلاد قبل اكثر من مائتي عام تفرض نفسها على كافة صعدان التمييز، ويستحيل ان يشذ حاكم عن تلك القاعدة. وعندما يعين رئيس وزرائهم عددا اكبر من الوزراء الشيعة فانما الهدف تلطيخ سمعة الأغلبية الساحقة من الشعب بتوريط من وافق على الخدمة ضمن المشروع الخليفي على التطبيع مع أعداء الأمة، ولا يعبر عن تغير في سياسات التمييز الممنهج التي التزم بها كافة طغاة آل خليفية. فما تزال الاغلبية الساحقة من السكان ا لاصليين مهمشة في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة، وما تزال عقائدهم الدينية مستهدفة ومغيّبة عن المناهج الدراسية.
ثانيا: استهداف كبار رموزهم الدينية بالتنكيل والاضطهاد والسجن، وما ت زال المعتقل تضم العشرات من علماء الدين المضطهدين الذين تعرضوا لأبشع أساليب الاهانة والتنكيل. فما أكثر الحالات التي نزعت فيها عمائهمهم ودحرجت على الأرض وتلاعب بها المعذبون والجلادون. وما أكثر علماء الدين الذين تم رميهم على الارض وفتحت أفواههم وتبوّل عبيد الخليفيين في أفواههم. هذه حقائق مسجلة بالاسماء والأوقات، ولا يستطيع الطاغية وعصابته التنصل منها. ولم يعرف ان أيا من مرتكبي تلك الجرئام قد تعرض للمساءلة او المحاسبة. كما لا يزال كبير علماء البحرين منفيا بعد ان اعتدي على منزله في العام 2017 وقتل ستة من الشباب المرابطين عند المنزل، قبل ان تسحب جنسيته ,ويُبعد قسرا. وما يزال منفيا من قبل أعداء الشعب الذين يستقدمون الأجانب والمحتلين ويبعدون المواطنين الأصليين.
ثالثا: فيما كان البحرانيون الاصليون يستعدون للاحتفاء بموسم عاشوراء كعادتهم منذ مئات السنين، ويعلّقون السواد والأعلام في الشوارع العامة، بدأت الخليفيون عدوانهم التاريخي على الشعائر، فقام مرتزقبتهم بإزالة الكثير منها في مناطق عديدة، الأمر الذي دفع الأبطال لإعادة تركيبها، تكرر هذا الأمر مرارا، وتأكد للبحرانيين عمق العداء الخليفي لشعائرهم ومقدساتهم. كما استدعت اجهزة التعذيب الخليفية العديد من الخطباء وأصحاب المآتم لتحذيرهم وإنذارهم من رفع شعارات او روايات تكشف الجرائم الاموية ضد آل بيت رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام. وفي السنوات الأخيرة تبنت العصابة ا لخليفية مقولات المشروع الأموي المناهض لمشروع الإسلام المحمدي الأصيل، وقررت التصدي لمن يعادي المشروع الاموي، او من ينتقد طغاته مثل معاوية ونجله يزيد اللذين شقا عصا الأمة وحرفا الإسلام عن مساره وحولاه الى ملك قبلي عضوض بعيدا عن الدين والقيم. انه صراع قيمي وأخلاقي بين مشروعين: ما جاء به محمد بن عبد الله (ص) واعتنقه البحرانيون بدون تردد، والمشروع الأموي الفاسد والمفسد الذي أفرغ المشروع المحمدي من محتواه واستبدله بحكم أموي توارثي استبدادي لا يؤمن بمرجعية القرآن والإسلام. سيتواصل الصراع بين الجانبين وستكون لذلك الصراع مصاديقه في موسم عاشوراء الحالي، حيث تحتدم الحرب بين البحرانيين والخليفيين.
رابعا: يصر الخليفيون على حرمان البحرانيين من حق ممارس شعائرهم وذلك بمنعهم من زيارة الأماكن المقدسة في العراق وإيران. ومنذ سنوات تبنى الطاغية وعصابته ذلك وسعوا لمنع المواطنين من السفر الى إيران والعراق. ولكن المواطنين حاولوا الالتفاف على ذلك بالسفر الى دول خليجية اخرى مثل عمان او الكويت اللتين لم يدخل حكامها في حرب مع الجمهورية الاسلامية، ثم يتوجهون لزيارة الأماكن المقدسة. وما ان فطن الخليفيون لذلك حتى بدأوا مرحلة جديدة من ا لتنكيل تستهدف الزوار وتعيدهم من مطارات دول الخليج الأخرى عندما يتأكد عزمهم على التوجه للأماكن المقدسة. ان حرمان المواطنين من حقهم الطبيعي في ممارسة شعائرهم ومنها زيارة قبور أئمتهم بهدف الصلاة والدعاء جريمة أخرى تضاف للملف الخليفي الأسود. وسيتحدى البحرانيون هذا المنع بدون هوادة، واغلبهم مستعد للتضحية بنفسه من اجل زيارة رموز دينه الكبار.
خامسا: في الأسابيع الأخيرة تصدى الطغاة الخليفيون للمواطنين مجددا، هذه المرة بسبب نشيدة دينية تؤكد قيادة الإمام المهدي المنتظر الذي يعتقد المسلمون الشيعة بحتمية ظهوره لقيادة حركة إصلاحية واسعة تقضي على الظلم وتقيم العدل. هذه النشيدة تكررت في بلدان عديدة وبلغات شتى، ورأى فيها الكثيرون تجسيدا لهويتهم الدينية، الامر الذي يؤمن به البحرانيون كعقيدة راسخة. وقد أعيد إنشادها باللغة العربية من قبل الشباب البحراني مع عشرات الأطفال من الفتيات والصبيان، وحظيت باهتمام واسع، الأمر الذي أزعج الحاكم وعصابته، فأصدروا أوامر باستدعاء الكثيرين من أجل “التحقيق”. وقد تحدى المواطنون العصابة ا لحاكمة ولم يتراجعوا شعرة عن موقفهم، وهزموها بشكل ماحق، مؤكدين ان للشعب الحق المطلق في أداء شعائره رضيت هذه العصابة ام رفضت. انها واحدة من المحطات التي تختبر قوة الأرادة لدى الفرقاء. هذه المرة كان البحرانيون لمواجهة فاصلة مع الخليفيين الذين يعتبرونهم في خانة الأعداء. وهكذا تتضافر أسباب المفاصلة بين الطرفين، ما بين عقيدية وسياسية واجتماعية وأخلاقية. وجاءت جريمة التطبيع لتضفي بعدا أخلاقيا وعقيديا قويا للموقف الشعبي، وستتواصل محطات المواجهة حتى تنتهي بسقوط الحكم الرجعي المتخلف ويعود الحق إلى أهله بعون الله تعالى.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
29 يوليو 2022