شعب البحرين يتصدى للنظام اليزيدي ويهزمه في أكثر من مواجهة
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
السلام على الدم المسفوح في كربلاء، وعلى الدماء التي سالت من أجساد الشهداء الذين ساروا على نهج الحسين
السلام على شهدائنا الأبرار الذين تصدوا بإرادة وتصميم للمشروع الأموي الذي جسده الخليفيون وأصبحوا أكثر حماسا له في السنوات الأخيرة.
بعد هذه القرون المتعاقبة منذ ثورة أبي عبد الله عليه السلام، ازدادت مباديء الثورة على الظلم تأصيلا، وتوسعت دائرة الحسينيين الذين رفضوا اليزيديين. هؤلاء تتعدد أعراقهم وألوانهم وألسنتهم وانتماءاتهم الدينية والأيديولوجية ولكنهم جميعا سمعوا نداء الحسين يوم عاشوراء حين صاح في الافراد الذين اصطفوا مع المشروع اليزيدي: ان لم يكن لكم دين فكونوا أحرارا. فأي قائد ديني او ثائر سياسي نطق بمثل هذا الشعار الذي لم يترك مجالا لمن يريد ان يعيش إنسانا إلا ان يتحرك من أجل الحرية. فالحرية أساس الإيمان، وبدونها يصبح المرء تابعا، وعاجزا عن استخدام عقله وتفعيل إرادته . وما يميز الإنسان عن البهيمة امتلاكه الأرادة التي تجعله سيد نفسه، ويرفض أن يكون عبدا سوى لله، المصدر الأساس للحرية والإنسانية.
لقد استوعب الكثير من المؤمنين معاني ثورة الحسين، وأدركوا استحالة التعايش مع الظلم خصوصا اذا كان مؤسسا على استبداد قبلي او عشائري او عرقي. فالبشر يتساوون في الحقوق والمسؤوليات ولا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى. ولا يمكن ان يستوعب شخصية الحسين وثورته إلا باستيعاب رسالة الإسلام المحمدي الأصيل سعى هذا الدين سعى التحالف القبلي الشرير لمحوه باقتلاعه من جذوره، فهل الحسين إلا أحد تلك الجذور. كان واضحا أمام عيني الحسين ان المشروع الإلهي الذي جاء به محمد بن عبد الله واستشهد من أجله كبار الصحابة وأطّره القرآن الكريم قد تعرض لانقلاب خطير من الداخل، بدأ منذ الأيام الأخيرة من حياة محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة والسلام. فلم يكن الخطر على ذلك المشروع خارجيا، بل ان القوى المناوئة من الخارج لم تستطع الصمود أمامه بل اخترق القلوب والحدود لأنه دين الله. لكن التآمر الداخلي كان الأخطر، ولذلك رأى الحسين انسداد أفاق تحييد آثار ذلك الانقلاب الذي لا يزال بعد مرور أكثر من 14 قرنا مجهولا لدى الغالبية الكبرى من المسلمين. بعد نصف قرن على رحيل صاحب الرسالة كان الحسين وحده رجل الموقف، فقد استطاع المشروع تضليل الكثيرين، سواء بالدعاية المضادة الفاعلة والأقاويل المختلفة ام بالانطلاق من داخل الدين نفسه وباسمه للسيطرة على الشعوب الأخرى واستخدام أموالها للإمعان في تثبيت الانقلاب، ومن ثم شراء المواقف والضمائر بالأموال الهائلة المتوفرة لمن سلب الحكم من اصحابه الشرعيين. كان الحسين نافذ البصيرة، يرى ما لا يراه الكثيرون، ويؤسس موقفه على التكليف الشرعي الذي يؤكد ضرورة حماية الرسالة ولو بخلق نواة صغيرة تعمل بهدوء بعد ان استحالت استعادة السلطة السياسية من الانقلابيين.
رأى الحسين عليه السلام في يزيد خطوة خطيرة أخرى تهدف لتوهين الدين في النفوس وتهميش دوره في الحياة. فما المشكلة ان ان يرتكب “الخليفة” الموبقات او يحوّل الحكم الى ملك عضوض يسلب من الناس حريتهم ويفرض نفسه عليهم بالقوة؟ ما المشكلة ان ترتكب أبشع انتهاكات حقوق الانسان باسم الإسلام واةلخلافة (كما فعل معاوية بشكل مباشر او عبر وكلائه وفي مقدمتهم زياد بن أبيه الذي مارس أبشع الموبقات بحق المؤمنين). كان امام الحسين بدائل محدودة محصورة بطريقين: مسايرة الحكم الاموي المنحرف عقيدة وممارسة وأخلاقا، او التضحية بالدم لعل في ذلك ما يوقظ الضمائر ويحيي النفوس. رأى الحسين كيف ان صحابة رسول الله ومنهم من حضر غدير خم، أحجموا عن تقديم الشهادة او الاعتراض على ما يرونه من انحراف عن نهج رسول الله. رأى الحسين ان الإسلام المحمدي لم يبق منه شيء سوى ما استقر في نفوس عدد محدود من البشر. ولذلك واجه معارضة لخروجه وإعلانه التمرد على المشروع البديل لرسالة جده، حتى من اقربائه. فما أكثر من يحجم عن البذل والعطاء والتضحية عندما يحتاج الدين لذلك!
في كربلاء برز الإسلام كله الى الشرك كله، واستعاد الحسين موقف أبيه الذي رأى في عمرو بن عبد ود العامري تجسيدا للشرك والمشروع البديل لرسالة محمد بن عبد الله. لذلك لم يتردد لحظة في إعلان موقفه، ولم يقبل بان تكون نهضته سرية او خاصة او محدودة او محلية، بل اختار قطع الفيافي والقفار ليستطيع تبليغ الناس بحقيقة مشروعه النهضوي الاستشهادي. وقد نجح في ذلك. فقد كان يعلم انه سوف يستشهد لا محالة، وان هذه الشهادة ستكون المحرّك التاريخي الأساس لآلة الثورة والاحتجاج والتمرد ليس ضد الحكم الأموي فحسب، بل ضد المشروع المناهض للإسلام، ذلك المشروع الذي بلغ ذروته بتولّي يزيد بن معاوية شؤون الأمة. كانت ثورة الحسين ضرورية لكسر شوكة المشروع القبلي الاستبدادي الذي طرح نفسه بديلا للمشروع الإلهي المؤسس على الحرية والإرادة والكرامة، والرافض للهيمنة والاستعباد والتهميش. مشروعان عاشتهما أمتنا طوال 14 قرنا، وما يزال لكل منهما مصاديقه العديدة. فبرغم استفحال شأن المشروع المضاد، فان المشروع الحسيني يتوسع ويساهم في كسر شوكة أعداء المشروع المحمدي. ولو توفر لأتباع الحسين الصادقين برامج سياسي وتوعوية فاعلة لعرف العالم هوية المشروع الحسيني ولتغنى به الثوار، ولتأسست حركات التحرر على مبادئه. لقد انتصر الحسين بثورته على الظلم في الحد من تغول الظلم والقمع والاستبداد والفساد، وسلب الشرعية عن الحكام الظلمة الذين يحاربون شعوبهم كل يوم. فماذا يعني هرولة الطغاة لإزالة مظاهر عاشوراء من الشوارع العامة؟ ماذا يعني التنكيل بالخطباء والرواديد وأصحاب المآتم كما هو الحال في البحرين هذه الأيام؟
شعب البحرين عرف الحسين ماضيا وحاضرا، وقيل ان ثلاثة من شهداء كربلاء كانوا من العبديين الذين كانوا يقطنون تلك الارض. هذه المعرفة أعادت صياغة عقليته لتصبح رافضة للاستبداد والظلم والديكتاتورية والانحراف. وأصبحت أكثر تصديا واستبسالا ضد مصادرة إرادة الشعب في تقرير مصيره وانتخاب نظام حكمه. وما المعارك اليومية في أيام عاشوراء بين البحرانيين وطغاتهم الخليفيين الا تجسيد للصراع التاريخي الذي لا يتوقف بين المؤمنين الصادقين الثابتين الواعين ونظام الظلم والانحراف. لقد مرت عقود من المواجهات المتواصلة بين البحرانيين والخليفيين، ولكل منهما مرجعيته الدينية والفكرية والسياسية التي يرفض التنازل عنها، وهذا من اسباب استمرار الصراع بين الجانبين، وهو صراع عقيدي وايديولوجي وأخلاقي فشل الطغاة في حسمه برغم امتلاكهم كل أسباب القوة المادية، بينما ليس لدى أتباع المشروع المحمدي سوى الأدوات الإيمانية وصدق الموقف والإخلاص والإتكال على الله سبحانه وتعالى. ان الصراع الحسيني- اليزيدي قديم يتجدد. واذا كان هناك من باع ضميره وموقفه للأمويين وانحاز ضد علي بن أبي طالب وبعد الحسن ثم الحسين، من أجل حفنة مال حرام، فان ذلك المشهد يتكرر اليوم. فهناك من قبل بان يكون “وزيرا” بحكومة تصر على الظلم والاستبداد والانحراف، وتزيد على سابقاتها بالخيانة التي يجسدها التطبيع مع العدو. إن أولئك الذين يعملون ضمن المشروع السياسي الخليفي يتنكرون لضحايا ذلك المشروع غير المقدس، ومنهم الشهداء الأبرار الذين مزق الخليفيون أشلاءهم، واالمعتقلون السياسيون الصامدون على خط الثورة ورفض الحكم الخليفي جملة وتفصيلا. والمنفيون في أصقاع الأرض بقرارات من طاغية البلاد.
ذكرى كربلاء تطل مجددا على أمتنا وشعبنا لتحرك كوامن العقول والقلوب، ولتؤكد حتمية انتصار الصف الإيماني على المشروع الأموي المعادي لمشروع محمد بن عبد الله عليه افضل الصلاة والسلام. انها ذكرى انتصار الدم على السيف وحتمية أفول المشروع الشيطاني المهزوم. وسيستمر شعبنا في تأكيد انتمائه للحسين عليه السلام ورفضه طغيان يزيد بن معاوية، فهو صراع أزلي لن يتوقف حتى يرث الله الأرض ومن عليها وترتفع راية الإسلام والحق والعدل والحرية على ربوع العالم، خصوصا البحرين المبتلاة بالخليفيين، وما ذلك على الله بعزيز
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
5 أغسطس 2022