التنكيل بآباء الشهداء سياسة خليفية فاشلة ستضاعف الحراك ضدهم
من بين القضايا التي تختلف الجهات الحقوقية الدولية مع العصابة الخليفية حق التعبير وحق التجمع والاحتجاج السلمي. وكانت الجهات الداعمة لها تشجعها لمد الخيوط مع مفوضية حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة لتوفير مادة دعائية تبرر دعم هذه الجهات للحكم الاستبدادي الخليفي. وطوال السنوات الثلاث الماضية حاول الخليفيون إقناع المفوضية بفتح مكتب لها في البحرين بعناوين شتى، ولكنها فشلت لان الفجوة بين الطرفين واسعة جدا لا يمكن ردمها. فالجرائم الخليفية بحق الشعب البحراني ليس لها حدود ولا يستطيع إنسان ذو كرامة او عقل او ضمير تبريرها او الصمت عليها. ولم يدعم تلك الجرائم ويدافع عنها الا الأبواق التي تصف نفسها بأشكال شتى. وفي هذا العالم المادي الذي يتم إفساده أخلاقيا تلاشت الحدود بين السلوك ا لمحمود والمذموم: “ألا ترون الى الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهي عنه”. وأصبحت مسؤولية المصلحين شاقة جدا لانهم يواجهون مشاريع إفساد وتخريب وإجرام مدعومة بالمال النفطي من جهة والخبرات الأمنية الغربية والسياسية من جهة ثانية. مع ذلك ما يزال هؤلاء المصلحون شوكة في عيون أعداء الحق والإنسانية، وما يزال ضحايا مشروع العدل الإلهي يتسابقون للحاق بطريق ذات الشوكة الذي سلكه إخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان.
في هذه الفوضى القيمية والأخلاقية حاول الخليفيون تضليل الجهات الحقوقية الدولية بانها مستعدون للتعاون معها واستدعت بعضها بذرائع مختلفة من بينها “تدريب” الجلادين على قيم حقوق الانسان او إعادة صياغة القوانين واللوائح التي تنظم هذه الحقوق، او تقديم الخدمات الحقوقية للجهات الرسمية. وفي محاولة لحماية الخليفيين بعد انطلاق ثورة الشعب في 14 فبراير 2011، بعثت بريطانيا خبراء من الهيئة الملكية للرقابة على السجون الى البحرين بعنوان تطوير إدارتها وتقليل الانتهاكات التي تمارسه فيها بحق البحرانيين. ولم ينجم عن تلك الجهود شيئا. فبعد اكثر من 11 عشر عاما ما تزال حقوق السجناء تنتهك يوميا، تارة بالتعذيب الذي لم يتوقف يوما، وأخرى باعتداء عناصر الأمن على السجناء بشراسة ووحشية، وثالثة بحرمان المعتقلين السياسيين من حقوقهم في الرعاية الصحية، ورابعة حقوقهم في الزيارات والاتصالات العائلية، وخامسة: حقهم في المحاكمة العادلة التي تتوفر على المعايير الدولية، وسادسة: حقهم في أداء شعائرهم الدينية بدون مضايقة او تنكيل كما يجري الآن.
ومن يتعامل مع الخليفيين سرعان ما يكتشف استحالة إعادة تأهيل نظامهم ليصبح ملتزما بالقوانين الدولية التي تمنح المواطنين حقوقا تتيح لهم ممارسة حياتهم بقدر من الكرامة والأمن. وحق التعبير والتجمع والاحتجاج السلميين من أهم مؤشرات مدى التزام أي نظام بالقوانين الدولية. ويمكن القول باستحالة التزام أنظمة الاستبداد بمنح الشعوب هذه الحقوق. فالاستبداد انما يزدهر بالصمت ويستمر بغياب مظاهر الاحتجاج، ويقوى بغياب العمل الجماعي. ولذلك فما ان يكتشف تجمعا او حزبا او تشكيلا سياسيا سريا حتى ينهال عليه بأبشع العقوبات وأصناف التنكيل. ويخشى الحاكم المستبد من العمل الجماعي الهادف للتغيير وإصلاح الأمور. وقد عانى شعبنا من الاضطهاد المتواصل الذي استهدف بشراسة من ينخرط في أعمال جماعية تلم الشمل وتوجه ا لمسار. ويزداد الحقد الخليفي ضد اي تشكيل او تنظيم يجمع المكونات المجتمعية على تعدد انتماءاتها الدينية والمذهبية. وما ان يكتشف وجود شيء من ذلك حتى ينهال عليه بقسوة وشراسة بدون رحمة. فلم يستطع تحمل الجمعيات السياسية برغم انها مسجلة لديه وملتزمة بقوانينه، فقام بحلها جميعا. ولم يتحمل حتى تجمع آباء الشهداء، فراح يعتقلهم بدون رحمة او شفقة. فسجن جواد الشيخ وعلي مهنا وعبد الهادي مشيمع وأحمد عباس الموالي (والد الشهيد يوسف الموالي) ووالد الشهيد محمود أبوتاكي وسواهم. كل ذلك لمنع صوت العدالة من الارتفاع والمطالبة بالقصاص العادل من القتلة والسفاحين.
من بين قضايا الاختلاف بين الخليفيين والجهات الحقوقية الدولية مدى السماح بحرية التعبير والتجمع والاحتجاج، وهي حقوق طبيعية مشروعة نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ولا تستطيع مفوضية حقوق الانسان التي تواصل معها الخليفيون للتظاهر بعزمهم تطوير أدائهم الحقوقي، تجاوز تلك الثوابت ومنها حسب ما ترفعه المفوضية شعارا: “لكل إنسان الحق في حرية التجمع السلمي. ويشمل الحق في التجمع السلمي الحق في عقد الاجتماعات والاعتصامات والإضرابات والتجمعات والفعاليات والاحتجاجات، سواء عبر الإنترنت أو في الحياة الواقعية. وهذا الحق بمثابة أداة تيسّر ممارسة العديد من الحقوق الأخرى التي يكفلها القانون الدولي، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بها وتشكل مجتمعةً أساس المشاركة في الاحتجاجات السلمية، ولا سيما الحق في حرية التعبير والحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة.“
وبعد ان بالغ الخليفيون وأبواقهم في الترويج لمشروعهم “الحقوقي” وساقوا أدلتهم الجوفاء لتسويق ذلك، أدركوا أنهم سيخسرون كثيرا إذا ما سمحوا للمفوضية بالعمل في البحرين من خلال مكتب رسمي، وانهم لن يستطيعوا مواكبة مستلزمات أي اتفاق مع جهة دولية كالمفوضية. وقد أكدت المنظمة انها لن تتخلى عن ثوابتها إذا دخلت في اتفاق مكتوب مع العصابة الخليفية. وما أن جد الجد حتى لاذت بالفرار ورفضت منح المفوضية حق العمل الحر في البلاد. والتزمت الصمت على ذلك لكي لا تظهر فضيحتها الى العلن. فأولويات الخليفيين ليس إقناع الرأي العالم الدولي بأنها ملتزمة بالقرارات والمواثيق الدولية، بل تنحصر أساسا بقمع البحرانيين وعدم الاستجابة لأي من مطالبهم السياسية. بينما يصر الشعب على تحقق مطالبه الهادفة لإعادة النهوض بالإنسان البحراني ومنحه موقعا محوريا في إدارة البلاد على أسس دستورية عادلة وضمن توافق وطني يشارك فيه السكان الأصليون (شيعة وسنة)، واستقلال القرار ضمن حدود معقولة وواقعية. ولم يكن شعبنا يوما متطرفا او طوباويا في اطروحاته او مذهبيا في توجهاته، بل كان، وما يزال، يشعر بعمق انتمائه للإسلام والعروبة، ويكن حبّا عميقا لأهل الخليج كافة، ويشعر بضرورة تكاملهم سياسيا واقتصاديا وثقافيا وإنسانيا. هذه المطالب تمثل جوهر الحراكات الشعبية منذ مائة عام، وقد جسدتها ثورة 14 فبراير وجعلتها مرتكزا أساسيا لإعادة بناء الوطن بعد عقود من التخلف والاستبداد والظلم.
الأمر المؤكد ان السياسات الخليفية المتوحشة التي أزهقت أرواح المئات إنما أسست لمستقبل متحرّك لن تغيب عنه تجارب السنوات الأخيرة. وسيظل ذوو الشهداء في مقدمة ركب النهضة الذي يسعى لاستعادة العدالة والحرية والضرب بيد من حديد على أيدي العابثين بأمن الوطن وأهله. لن ينسى هؤلاء فواجعهم بفقد أبنائهم ظلما، وسيظلون حاضرين في الميادين، ليس بدوافع الانتقام من القتلة، بل من أجل إقامة القصاص كجانب مكمّل لمستلزمات العدالة. وبدون ذلك سيظل القتلة بعيدين عن سلطة القانون، وسيكون أي كلام عن الإصلاح خاويا. فالعدل أساس الحكم، ولن يكون هناك حكم رشيد بدون ان يرتكز على العدالة ويضمن الحرية للجميع. وهذان الأمران يستحيل تحققهما في ظل الحكم الخليفي المارق الذي يسعى للقفز على الواقع والحقائق بسياسات تكرّس الواقع المر وتزيد المشهد تعقيدا. إن اعتقال آباء الشهداء لن يحمي الخليفيين وجلاوزتهم الذين استقدموهم من الخارج وسلطوهم على البحرانيين. وما الكلام الذي نسب قبل أيام لجلاد سوري بأحد السجون الخليفية، متحدّيّا الإنسانية والكرامة ومؤكدا ان لديه صلاحية مطلقة لممارسة التعذيب والاعتداء على السجناء السياسيين إلا حقيقة أخرى تؤكد طبيعة الحكم الخليفي الذي طال بقاؤه وأصبحت مصالح الوطن والشعب تقتضي رحيله بدون قيد أو شرط. سيبقي الشهداء الأبطال مشاعل على طريق التغيير، وسيكون ذووهم في طليعة المطالبين بالعدالة والحرية، وسيكون البحرانيون الأصليون (شيعة وسنة) متراصّين، متكاتفين، مصمّمين على تحقيق التحول المنشود في البلاد لإعمار الأرض وحماية الوطن وتحرير الشعب وإنهاء الظلم والاستبداد والخيانة، ووقف التطبيع مع محتلي فلسطين. وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
19 أغسطس 2022