الاضطهاد الديني والسياسي لن ينتهي إلا بتغيير نظام الحكم
يصعب الاعتقاد بإمكان إصلاح أوضاع حقوق الإنسان في الدول العربية خصوصا في الخليج. وهذه المهمة تصبح غير واقعية إطلاقا تحت الحكم الاستبدادي، فمن المستحيل حماية هذه الحقوق اذا كان الحاكم ديكتاتوريا. فالديكتاتور لا يسمح لأحد بالكلام خصوصا إذا كان ناقدا، ولا يرحم معارضيه. بل ان وجوده في الحكم ظلم لا يطيقه مواطنوه، وقد يتجه بعضهم لانتقاده او مطالبته بالإصلاح، وكلها من المحرمات التي لا يستطيع حاكم متجبر السماح لمواطنيه بممارستها. ويمارس النظام الغربي نفاقا كبيرا حين يوهم ضحايا التنكيل في عالمنا بانه يسعى لتحسين اوضاع حقوق الانسان في بلدانهم، او انه يثير هذه القضايا مع حكومات هذه الدول التي يعتبرها “صديقة”. ويوما بعد آخر تتراجع هذه الحقوق مع تعمق ظاهرة الاستبداد. وهذا ما يحدث حاليا في الجزيرة العربية. فقد كان هناك احتمال ضئيل بان يخفف ولي عهدها محمد بن سلمان من غلوائه وتسلطه واحكامه الدموية. ولكن جاء القرار الامريكي بإعادة احتضانه والتخلي عن قضية خاشقجي ليشجعه على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المواطنين. فبعد ان أعلن في العام 2019 عزمه على تقليل أحكام الاعدام، عاد ليضاعفها، فأعدم في يوم واحد 81 شخصا قبل فترة وجيزة من زيارة بايدن. وأصدرت محاكمه في الفترة الأخيرة أحكاما بإعدام أكثر من سبعة أطفال. وجاء الحكم الاخير على المغرّدة سلمي الشهابي ليسلط الضوء على سياسة اضطهاد الأصوات الحقوقية والمعارضة. فبعد ان كتبت عدة تغريدات للدفاع عن المرأة وحول قضايا حقوق الانسان اصدرت محكمة سعودية حكما بسجنها ستة أعوام، وكان الحكم ظالما وفق أي اعتبار إنساني. فاستأنفت ذلك الحكم على أمل إلغائه او تخفيفه، ولكنه فوجئت بزيادة الحكم إلى 34 عاما، الامر الذي أثار حفيظة الحقوقيين في العالم. وتم توجيه اللوم الى الرئيس الأمريكي، جو بايدن الذي تخلى عن سياسة الضغط على السعودية، فعاد محمد بن سلمان إلى عهده السابق عندما تورط في جريمة تقطيع أعضاء المرحوم جمال خاشقجي.
وعلى هذا المنوال تتواصل انتهاكات حقوق الانسان في البحرين أيضا. وهنا يشترك الخليفيون وداعموهم في ظاهرة “التذاكي” حيث يتفننون في أساليب ا لتضليل والتشويش لإخفاء الانتهاكات التي تصل حد قتل الأبرياء. فبرغم جهود النشطاء الحقوقيين طوال ربع القرن الأخير، ما تزال البحرين قلعة محصنة ضد كافة آليات الرقابة الحقوقية والمحاسبة. فلا يسمح للمنظمات الدولية او خبراء الامم المتحدة بزيارة البلاد أبدا، ولا يسعى حلفاء الخليفيين للضغط عليهم بأية صورة او وسيلة. وفي المقابل تخلى الخليفيون عن المحافظة على سيادة البلاد، فأنشئت القواعد ا لعسكرية واستقدمت القوات الاجنبية للاستعانة بها على الشعب، وتم التطبيع مع محتلي فلسطين وأصبحت البحرين بؤرة لتخطيط المؤامرات ضد الدول الاقليمية. وأصبح على الشعب البحراني الأصلي دفع فواتير ذلك بأشكال عديدة، في مقدمتها ما يلي:
أولا: الاضطهاد الديني الذي يتعمق يوما بعد آخر. ويغلف هذا الاضطهاد بإجراءات تبدو إيجابية في ظاهرها ولكن الهدف منها الإمعان في الظلم والاضطهاد. فهل هناك اضطهاد اكبر من فرض سياسات تهدف لطمس الهوية الثقافية والدينية والمذهبية للأغلبية الساحقة من الشعب؟ هذا الاضطهاد تجاوز الحدود، حتى وصل الى مستوى محاولة تغيير الشعب واستبداله بالأجانب المستوردين من أصقاع الأرض النائية. وحوصرت النشاطات الدينية بإجراءات قمعية شرسة، ووجهت التهديدات المتوالية للقائمين على المساجد والمآتم، وتم التدخل في محتوى ما يطرح من خطب ومحاضرات، ويسعى الخليفيون لفرض نظرتهم للدين والثقافة والتاريخ. كما منع ا لمواطنون من زيارة العتبات المقدسة في إيران والعراق. وفي الشهر الماضي طرح الخليفيون خطة جديدة تؤكد الاضطهاد وتتمثل بالتحكم في سفر المواطنين، وإجبارهم على حصول تصريح في كل مرة ينوون فيها السفر الى العتبات المقدسة. إنه اضطهاد مقنن يحاول الخليفيون فيه الاستمرار في “التذاكي” بشكل مقرف وبذيء. وقد بدأ الاضطهاد منذ عقود ولكنه تصاعد في السنوات الاخيرة باعتقال علماء الدين والمنشدين والرواديد، وبلغ أوجه بإبعاد أكبر مرجعية دينية الى خارج البلاد. وقد أصبح الاضطهاد واضحا لدى الجهات الدولية المعنية بالحريات الدينية واصدرت منظمات عديدة مواقف ضد هذه السياسات بعد ان طفح الكيل، وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان الأسبق، زيد بن رعد الحسين قد وصف سياسات الخليفيين تجاه الشعب بانها “اضطهاد” وهو وصف يؤكد وعي المعنيين من النشطاء الحقوقيين لما يمارسه الخليفيون على أرض الواقع. وكان هذا الاضطهاد قد بلغ قبل 11 عاما مستويات جديدة عندما هدم الخليفيون حوالي 40 مسجدا ومنشأة دينية. ويصرون اليوم على نقل أقدم مسجد تاريخي هدموه الى مكان آخر. فما يزال مشهد الجرافات التي هدمت مسجد البربغي في ابريل 2011 ماثلة في الذهن وتختصر ظلامة الشعب البحراني على أيدي الخليفيين. ولا يقلل من وقع تلك الجرائم السماح بإعادة فتح جمعية التوعية الإسلامية او الصلاة بمسجد الصادق في الدراز. فكلا القرارين إنما يؤكدان انتصار البحرانيين وهزيمة الخليفيين برغم محاولاتهم الاستفادة الإعلامية والدعائية منها.
ثانيا: بموازاة الاضطهاد الديني يتواصل الاضطهاد السياسي بدون توقف. فالسجناء السياسيون محرومون من أبسط الحقوق كالنظافة والرعاية الصحية والزيارات العائلية. وفي كل من هذه الجوانب يحاول ا لطاغية وعصابته “التذاكي” بعرض صورة معكوسة لواقع التعامل مع سجناء الرأي. مشكلة الخليفيين انهم دخلوا في حرب مع شعب لا يعرف التراجع او الاستسلام او المساومة، ولذلك أصبحت كل الساحات مفتوحة على مصاريعها لهذا الصراع. ويدرك أهالي المعتقلين استحالة إنصاف أبنائهم بالافراج عنهم، ولذلك بدأوا قل أكثر من عام اعتصامات ووقفات يومية على الشوارع العامة يرفعون فيها صور المعتقلين ويطالبون بالافراج عنهم بدون قيد أو شرط. ونجم عن النشاط الحقوقي الواسع أرغام الخليفيين على حلحلة الموضوع. وبدلا من ان يستسلموا للشعب ويعلنوا فشل سياسة السجن والتعذيب، طرحوا عناوين جديدة لهزائمهم. بدأ ذلك باعلانهم ما اسموه “الأحكام البديلة” التي فشلت في تركيع ا لشعب بعد ان رفض رموز الثورة المعتقلين إقرارها. وأخيرا طرحوا مقولة “السجون المفتوحة” وهي محاولة أخرى لتحييد الشعب وخنق الحراك السياسي الهادف للتغيير. وكان الأجدر بالطاغية وعصابته رفع الراية البيضاء سريعا لتجنيب البلاد والشعب المزيد من المتاعب في معركة حسمت لصالح الوطن والشعب منذ ان بدأت. فمن المستحيل انتصار حكم الطغيان على إرادة ا لحرية والإنسانية المختزنة لدى الجماهير. ولا يساهم سجن الأحرار عادة إلا في زيادة إصرارهم على الطريق الذي سلكوه والأهداف التي رسموها لوطنهم وشعبهم. وسيضاعف الخليفيون أخطاءهم وجرائمهم ان اعتقدوا لحظة بأن تحالفهم مع الاجانب خصوصا الصهاينة سيوفر لهم قوة إضافية تكفي لحسم الحرب ا لمشتعلة مع الشعب منذ عقود. فهذه التحالفات خصوصا مع الصهاينة انما تعمق الشعور الوطني والشعبي بخيانتهم وضرورة أنهاء عهدهم لان شعب البحرين لا يقبل الخونة ولا يتخلى عن فلسطين، ويطالب بتحريرها من الاحتلال ويعمل لاسترداد سيادته على أرضه التي دنسها الخليفيون باحتلالهم الغاشم وتحالفهم مع أعداء الأمة. لقد قال رموز الوطن والشعب كلمتهم وكرروها مرارا بانهم يتصدرون الشعب لتحقيق تغيير جوهري في البلاد يعيد إليها أمنها واستقرارها وحريتها وانتماءها العربي الإسلامي. اما الاستمرار في اضطهادهم وسجنهم وعزلهم في سجون منفردة فلن يساهم إلا في ترسيخ قناعاتهم بضرورة التغيير وأنه المخرج الوحيد من المعاناة، وان الخليفيين أضاعوا فرص التصالح مع الوطن والشعب، وأصروا على طريق الباطل وسياسات البطش والخيانة، ولن تكون هذه السياسات مقبولة يوما، مهما حاولوا، لأن شعب البحرين حسم موقفه إزاءها منذ زمن. سيستمر هذا الشعب في صموده متوكلا على الله وملتزما بمطالب الشعب ولن يزيده القمع والاضطهاد الا إصرارا وثباتا، وسينصره الله الذي ينصر المظلومين ويهزم الظالمين.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
26 أغسطس 2022