شعبنا يستلهم روح نضاله من ذكرى الأربعين
عشية ذكرى الأربعين يعيش المؤمنون اجواء الحزن الذي يصاحبه الرجاء والأمل. هذا يوم السيدة زينب بنت علي التي صدحت الحق أمام سلطان جائر، ولم تخش في الله لومة لائم. قالت كلمتها في مجلس الطاغية بإيمان وشجاعة وثبات. فسجلها التاريخ خالدة في أسفاره. من هذه البطلة تعلمت أجيال من النساء معاني الإيمان الراسخ ومقتضياته وعلى رأسها إزالة الخوف من الطغاة، وترسيخ العلاقة مع الله سبحانه وتعالى، والثقة بأنه سيظهر الحق بعد حين. ما الفرق بين الطغاة؟ فالظلم واحد، والطغيان متشابه، والاستبداد تختلف أشكاله ويتوحد جوهره. عشية الأربعين تتواصل مسيرة الحق التي بدأها الحسين وحملة شعلتها زينب، واستمرت أصداؤها تصك المسامع عبر تاريخ الإنسانية وجغرافيتها. فالدم القاني الذي سفح يوم عاشوراء أنعش شجرة الحرية المؤسسة على الإيمان الصادق الذي يؤمن صاحبه حقا بمعناه: لا إله ألا الله. وعى المؤمنون المعاني المتجددة للشهادة التي تدخل الإنسان في الإسلام. هذه الشهادة تلغي آلهة الجن والإنس الذين نصبوا أنفسهم أربابا من دون الله الذي اختص بخلق البشر وإدارة شؤونهم: ألا له الخلق والأمر. انطلق الحسين عليه السلام لتأكيد مفاهيم الإيمان الحقيقية وقيمه الثابتة، وألغى بذلك وصاية الطغاة والمستبدين، وبشكل تدريجي أسقط الحكم القبلي التوارثي. ولكن من قال ان الشيطان يقبل الهزيمة وينسحب من ا لميدان: لأقعدن لهم صراك المستقيم، ولأضلّنّهم ولأمنينّنهم ولآمرنّهم فليبتكن آذان الأنعام.
سيهتف المستعضفون وهم يستحضرون ذكرى الأربعين ضد الانحراف والطغيان والاستبداد، وسيرددون ا لهتاف التاريخي الذي أطلقه الحسين عليه السلام وهو يواجه الجيش الأموي الذي بث الفساد في الأرض. وهل هناك فساد أكبر من سفك الدم البريء وقتل الروح التي كرّمها الله تعالى؟ هؤلاء الطغاة يقتلون الرجال ويسبون النساء، وما فتئوا يفعلون ذلك. السبب؟ أن من ينحرف عن الوحي الإلهي والفطرة الإنسانية يعيش منحرفا طوال عمره. لذلك يستمر الطغاة في قتل الأبرياء وإزهاق أرواح المصلحين. بالأمس تحدثت زوجة الأسير المظلوم، محمد رمضان شاكية الى ا لله ما حل بزوجها من ظلم فادح، وما يعانيه من أمراض يرفض الخليفيون توفير العلاج المناسب لها، حتى تورمت رقبته وبدأ يفقد طاقته، ولكنه صابر محتسب بعد أن كسر كبرياء السجانين ومزق أحشاء الجلادين من الغيظ بصموده وإصراره وتوكله على الله. هذه الليلة سترتفع أصوات المعزين بالدعاء لمحمد رمضان وحسين موسى المهددين بالقتل من قبل الديكتاتور الخليفي الذي تفرعن ونشر الفساد في الأرض وأعلن حربا على الله ورسوله، بالتطبيع مع أعداء ا لأمة ومحتلي أراضيها.
هموم كثيرة تعصف بحياة المواطنين الذين يصرّون على سلوك درب الحسين ويقدسون رسالته التي استشهد من أجلها. انهم يعتبرون أنفسهم “حسينيين” بينما تعتبر نساء البحرين الصامدات أنفسهن “زينبيات”.. في خضم هذا الصراع الديني والأيديولوجي بن معسكري الإيمان والطغيان، لا ينسى البحرانيون همومهم، ويقرأون بوضوح معطيات الواقع. فهم يشعرون بالتقزز الشديد من السياسة الألمانية الجديدة التي دفعت السفير الألماني لدعم مؤسسة الخليفيين المجرمة التي دعمت سياسات الحكم في انتهاك حقوق الإنسان بدون حدود، وأصبحت في الصف الاول للدفاع عن الجلادين وةالمعذبين بأسلوب تضليلي يستخدم لغة حقوق الإنسان أداة ضد الوطن والشعب ومع الطغاة وةالديكتاتوريين والمعذبين. هذا الشعب الصامد الصابر يشعر كغيره من البشر بضغوط الحياة المادية خصوصا في ضوء الأزمة الاقتصادية العالمية التي أنهكت كواهل العائلات في الكثير من بلدان العالم. وساءهم جدا ممارسات الخليفيين الظالمة التي تستهدف المواطنين في سبل عيشهم وأرزاقهم.
وبدلا من توفير الدعم المالي لتخفيف أثار الأزمة الاقتصادية على المواطن العادل أعلنت وقف دعم غلاء المعيشة عن مدرّبي السياقة بشكل مفاجيء وبلا رحمة او وازع. أنها محاولة أخرى لمعاقبة البحرانيين الأصليين (شيعة وسنة) الذين هتفوا ضد الحكم التوارثي الاستبداد خصوصا بعد ا رتكابه جريمة التطبيع مع العدو. وبموازاة ذلك قرر الطاغية وعصابته وقف زيادة علاوة التقاعد، بدلا من زيادتها لمواجهة الارتفاع الجنوني لتكاليف المعيشة وأسعار السلع الأساسية. هذا في الوقت الذي تؤكد الوثائق “كرم” الخليفيين عندما يتعلق الأمر بسياسيين أجانب، وهذا ما كشفته الانباء التي انتشرت مؤخرا عن استلام أحد النواب البريطانيين أموالا كثيرة من طغاة السعودية والبحرين. هذا في الوقت الذي يتراجع فيه أنفاق الدولية لتوفير احتياجات المواطنين. أنها واحدة من الجرئم الخليفية الهادفة لتجويع الشعب البحراني الأصلي (شيعة وسنة) كوسيلة للاحتواء والهيمنة. وما أكثر المحاولات الغربية لتثبيت حكم الطغيان والاستبداد كوسيلة لاستخدام الجيل الجديد من الخطباء للقيام بتحجيم دور الدين في حياة البشر.
وهنا لا بد من وقفة مبدئية أخرى لتوضيح الموقف المطلوب لإعادة صياغة منظومة الحكم بما يتناسب مع تطورات العالم والإقليم، وتضحيات الشعب.
اولا: ان النضال إرث تاريخي تمتد جذوره أكثر من مائة عام من النضال الوطني الذي بدأه الأجداد ولم يتوقف طوال القرن الأخير من الزمن. فقد أدرك أسلافنا طبيعة الحكم الخليفي الجائر وتصدوا له بشجاعة وإصرار، فكتبوا العرائض ووقعوا البيانات وكتبوا الرسائل للحكومة البريطانية التي تحمي العصابة الحاكمة، واحتجوا وتظاهروا قبل الاستعمار وبعده. ولم تنجح محاولات تمزيق الشعب، بل بقي صامدا وواعيا بدون تردد.
ثانيا: ان الاعتقالات انما هي بسبب هذا الحراك الذي لم يتوقف، الخليفيون لم يكتفوا باعتقال الأحرار، بل مارسوا التعذيب بأبشع صوره، وأعدموا البعض بشكل وحشي، وأبعدوا الكثيرين من البلاد، منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث كان ضحايا تلك السياسية عبد الوهاب الزياني وأحمد بن لاحج. نفي الأحرار الى الهند والعراق (الشيخ خلف العصفور) وسوريا (السيد عبد الله الغريفي) وبريطانيا وإيران.
ثالثا: ان السجن السياسي انتقام مارسه الخليفيون بوحشية, ولذلك تصاعدت المطالبات الداعية للإفراج عن السجناء السياسيين بدون قيد او شرط، وهذا مطلب وطني وإنساني، وليس له علاقة بالمطلب السياسي، بل يسعى الخليفيون للالتفاف على مطالب الشعب بسجن النشطاء. وتعتبر الاعتقالات التعسفية ومعها التعذيب من الجرائم ضد الانسانية. وما أكثر ما ارتكبه الخليفيون من تلك الجرائم، وما يزالون يفعلون.
رابعا: ان هدف كافة الحراكات كان واحدا: إنشاء منظومة سياسية عصرية تمثل الشعب وتمنحه حقه في كتابة دستوره واختيار الحكم الذي يناسبه وآليات تنفيذ إرادته ورغباته. فالحركة البحرانية سياسية بامتياز تسعى لأنهاء الحقبة السوداء التي فرضتها العصابة الخليفية على البلاد بالقوة والدعم الأجنبي. ويعتبر المواطنون سياسات آل خليفة عدوانا على البحرين وسكانها الاصليين (شيعة وسنة)، ولن يتراجع يوما عن مطالبه المشروعه، مهما ارتكب الخليفيون وداعموهم من مجازر وجرائم ضد الانسانية.
خامسا: في هذا الخضم من النشاط السياسي والديني مطلوب من الجميع التمسك بالأهداف المذكورة. فبدون تحقيق تغيير سياسي جوهري ستستمر الانتهاكات الحقوقية بدون توقف، وتتواصل معاناة الوطن والشعب. هذا أمر ضروري لان الخليفيين مستمرون في سياسات التضليل والتشويش وشراء المواقف والذمم وتوثيق اعتمادهم على الأجانب خصوصا الاحتلال الإسرائيلي لدعمهم ضد البحرين وأهلها. وبرغم الدعم الأجنبي لا يشعر الخليفيون بالأمن أبدا لانهم ما فتئوا يشعرون بغربتهم عن الوطن والشعب، ويعتبرون أنفسهم في حرب مفتوحة مع البحرين وأهلها.
في ذكرى الأربعين نجدد تعازينا لرسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام وأهل بيته باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام ومن معه، ونواسي الزهراء في حزنها لما حل بزينب ومن معها طوال اربعين يوما من السبي والتنكيل.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
26 ستبمبر 2022