خريطة المنامة تظهر بعض معالم المشروع الخليفي لتغيير البلاد
منذ زمن يسعى الصهاينة لتهويد مدينة القدس بتغيير ملامحها وتدمير آثارها التاريخية. وقد حذا الخليفيون حذروهم مؤخرا لتنفيذ مشروع تدمير البحرين كهوية وثقافة وتاريخ، ابتداء بالعاصمة، المنامة. فمنذ عقود سعوا لذلك انطلاقا من شعورهم بالغربة عن الوطن والشعب، وسعوا لخلفنة البلاد سياسيا وثقافيا. ومنذ السبعينات بدأوا بتنفيذ ذلك المشروع بخطوات متسارعة. ومن الحقائق المرتبطة بهذا المشروع، ودوافعه ما يلي:
أولا: في منتصف السبعينات حدثت الطفرة النفطية وتحسنت بذلك ظروف المعيشة بسبب تصاعد الدخل من جهة وتطور المستوى العلمي للجيل الناشيء الذي التحق بالجامعات وأصبح أكثر تطلعا لحياة مادية مدعومة بالمال والمستوى العلمي. كان دور الخليفيين تشجيع المواطنين على القيام بأكبر عملية هدم للتراث المعماري في أغلب مناطق البحرين. وبلدا من ترميم المباني القديمة ذات الطابع المعماري المتميز، وحمايتها بقوانين تحافظ عليها، شجعوا على التخلص منها واستبدالها بمبان حديثة تختلف في تصميمها وهندستها عما كان مألوفا. وفي غضون عقدين تم القضاء على أكثر من 90 بالمائة من التراث المعماري الذي يحكي قصة الشعب البحراني وتاريخه وعمارته. وقامت المباني الحديثة التي لا ترتبط بتاريخ البلاد او هويتها الثقافية او بنائها المعماري. وكانت هذه خطوة مهمة ضمن مشروع تغيير البحرين وهويتها وفصل الشعب ن تاريخه وتراثه. بينما حافظوا على الأماكن الخاصة بهم. ففي الحد قاموا بإعمار منازل أجدادهم الذين غزوا البلاد واحتلوها بالقوة. فهناك منزل أحمد الفاتح ومسجد الفاتح، وهناك متحف خاص بهم. وبلغ الأمر بهم ان سعى بعضهم لإنكار وجود شعب أصلي سابق على احتلالهم، وسعوا دائما لربط حضارة البلاد بغزوهم المشؤوم، وحاولوا وما يزالون يحاولون تدمير الآثار التاريخية التي سبقت وجودهم، وما أكثرها، وهي آثار تؤكد تحضر الشعب في الأيام الغابرة، خصوصا في مجالات الزراعة والمعمار. لذلك عمدوا لاقتلاعها ومحوها من الوجود. فأين هي عيون الماء التي بلغ عددها 105 حسب ما ذكره المؤرخ البريطاني لوريمر في “فهرس الخليج The Gulf Gazzette؟ وأين هي “الثقب” التي تمتد من منطقة القريّة الى مقابا وتمثل نهر ماء يجري تحت الأرض ويمكن الوصول اليه عبر ثقوب في الأرض يشبه كل منها بئر الماء؟ لقد اقتنع الخليفيون بأن وجودهم لا يتحقق إلا بالقضاء على الوجود البحراني في كافة جوانبه، التاريخية والثقافية والدينية.
ثانيا: ان هذه العملية “التحديثية” شملت العاصمة بشكل واضح. فتم تشجيع العائلات الثرية على الخروج منها وبناء منازل فخمة وفيلل في المناطق الريقية، خصوصا مع اكتظاظ المنامة بالوافدين خصوصا العمالة الاجنببية. وفي غضون عقدين تم إخلاء العاصمة من سكانها الأصليين. وكما هو معروف فان العاصمة هي الواجهة الاساسية لأي بلد، تعكس ثقافته وتاريخه وتركيبته الاجتماعية والديمغرافية. كانت المنامة حاضنة لكافة المواطنين البحرانيين بمن فيهم القرويون، فكانت هناك سوق اللحم وسوق السمك وسوق الخضرة، بالاضافة للمحلات التجارية، فكانت تجتذب المواطنين من كل المناطق، وكانت حقا العاصمة الحقيقية للبلاد. ولكي يضعفوا موقعها وهويتها، عمدوا بشكل تدريجي لإخلائها بطرق شتى. فبالاضافة لتشجيع العائلات الأصلية لبناء مساكن خارجها، تم إفراغها تدريجيا من الأسواق المذكورة. كما أضعفوا مواكب العزاء الحسيني فيها التي كانت تجذب المواطنين أيام عاشوراء. ويتذكر الجيل المنقرض مآتمها الكبيرة وخطباءها مثل الشيخ الوائلي والشيخ عبد الزهراء الكعبي والسيد جابر الآقائي والشيخ عبد الله سميّن والسيد عدنان البكاء. كانت المنامة يومها ذات طابع اجتماعي وثقافي واضح، فتآمر الخليفيون عليها، وغيروا ملامحها تماما. فلم تعد تستقطب المواطنين سوى بعض العائلات التي احتفظت ببعض منازلها القديمة. بينما شرع الخليفيون لإعادة تأهيلها بما يخدم مشروعهم القذر الذي يمثل إبادة ثقافية شاملة للقضاء على السكان الاصليين (شيعة وسنة).
ثالثا: في إطار تغيير هوية المنامة، عمد الخليفيون لبناء أحياء تجارية عملاقة، فبنى خليفة بن سلمان ما يسمى “المرفأ المالي” على أرض “اشتراها” من البلدية بدينار واحد، وتم تشييد المنطقة الدبلوماسية بنمط حديث بينما تركت أحياء المنامة التاريخية تعاني ليس من التجاهل فحسب، بل من التهميش والتدمير الممنهج. ولإكمال المشروع الخليفي قاموا ببناء “مدن” جديدة تحمل أسماءهم مثل “مدينة عيسى” و “مدينة خليفة”، يضاف الى ذلك توطين المجنسين الذين استقدمهم الطاغية في العشرين عاما الأخيرة في العاصمة لاستكمال خطة القضاء على تاريخها وآثارها. وفي غياب الوعي الوطني بهذه الخطة تتم خلفنة البحرين تماما كما يحدث في فلسطين.
رابعا: يعتقد الخليفيون ان مشروع تغيير هوية العاصمة قد اكتملت فصوله، وأصبح وضعها مهيّا لإصدار خريطة لها بواقع جديد وأسماء مستحدثة ومناطق تؤكد هويتها الجديدة. وقد كشفت خارطة سياحية اعتمدها الخليفيون ووضعوها عند مدخل “باب البحرين” عن عزم الحكومة تهويد 40% من أحياء المنامة القديمة. واحتوت هذه الخريطة على الكنيس اليهودي والمعبد الهندوسي وجامع الفاضل ومنامة القصيبي، مع محلات لبيع الذهب ومحلات اخرى، ولا يوجد في هذه الخريطة أي ذكر للمعالم التاريخية العريقة المرتبطة بمكونات المجتمع البحراني الأساسية أو بتاريخ العاصمة الحقيقي.
أن خطة إعادة تشكيل العاصمة ليست سوى جزء من مشروع أوسع يهدف لإعادة تسويق البحرين كبلد للخليفيين. وإذا أضيف لذلك استمرارهم في وصف السكان الاصليين بانهم عملاء لإيران وانهم بلا وطنية، وأنهم مجرمون لا يستحقون سوى السجن والإعدام، تبدو الخطة في طريقها الى الاكتمال. وتجدر الإشارة الى جانب آخر من الخطة الخليفية يتمثل بإبعاد السكان الاصليين عن السواحل، فقد تم ردم مساحات واسعة من الأراضي البحرية الساحلية تبلغ مساحتها نصف مساحة جزيرة البحرين الأصلية. ونجم عن ذلك تدمير بيئي هائل أهم ضحاياه الحياة البحرية المتميزة التي كانت منتعشة وجذابة في الشعب المرجانية (الفشت)، وبذلك تضاءل بعض الانواع السمكية التي تعيش في تلك الشعب. كما تم توطين الاجانب في المستوطنات الجديدة التي أقيمت في الأراضي البحرين التي ردمت. وتتميز البحرين بأن سكانها كانوا من البحارة والغواصين، فكانوا يعيشون على السواحل ويستفيدون من الثروات البحرية من سمك وصخور بحرية ولؤلؤ. بل أنهم كانوا يستخدمون أنواعا من الطين البحرين لغسل الشعر مثل الشامبو. مظاهر الحياة التقليدية هذه تم القضاء عليها من قبل الخليفيين الهادفين لمحو تاريخ الجزر من الذاكرة، واستبدالها بمشروع احتلال خليفي استيطاني، بدعم من قوى أجنبية تحالفت مع العصابة المحتلة وتدعم سياساتها وتدافع عنها.
لقد وعت المعارضة لهذه الخطط والمشاريع، وحذرت منها منذ الثمانينات من خلال المقالات والبيانات والمحاضرات. كان المعارضون البحرانيون الأصليون (شيعة وسنة) ينظرون للخليفيين كطرف خارجي احتل الأرض ويسعى لاستعباد أهلها. هذا الوعي كان منتشرا لدى الاجداد الذين نهضوا قبل مائة عام وسعوا للتغيير. وتكشف رسائلهم للحكومة البريطانية آنذاك، باعتبارها حامية الخليفيين، بعض المصطلحات التي كان أولئك الأجداد يستخدمونها، فكانوا يسمون الخليفيين “العائلة الخارجية” بشكل واضح. وكانوا شجعانا في توضيح مواقفهم، فوقّعوا الرسائل والعرائض بأسمائهم الحقيقية وأختامهم، ولم يترددوا في مواقفهم الوطنية والنضالية. هذه الحقائق تفرض على الجيل الحالي إعادة قراءة التاريخ المعاصر للبلاد لاستنطاقه والاستفادة مما احتواه من حقائق يسعى الخليفيون لإخفائها أو تحريفها. وبعد ان أصبحت معالم المشروع الخليفي الإجرامي واضحة وعلى رأسها تغيير الحقائق الجغرافية والتاريخية، أصبحت هناك ضرورة وطنية للتكاتف والتعاون من أجل نهضة شاملة تتجاوز المطالب السياسية المحدودة وتهدف لاستعادة السيادة الوطنية كاملة غير منقوصة، ووقف التهديد الخليفي المتواصل للهوية الوطنية البحرانية. مطلوب مقاطعة كافة المشاريع الخليفية لان إفشالها يخدم مشروع التحرير الوطني ويضعف خطط الخليفيين وتآمرهم على الوطن والشعب.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار واجعل لهم قدم صدق عندك وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
2 سبتمبر 2022