لكي لا تتحول قضية السجناء إلى دراما مؤقتة يتخطاها الزمن
بعد بضعة شهور سوف يكمل الكثير من المعتقلين السياسيين اثني عشر عاما في سجون الطغاة، وهي فترة طويلة بكل المقاييس، وظلم بدون حدود، وجريمة متواصلة تتضاعف بمرور الوقت لانها في معايير القانون الدولي “جريمة ضد الإنسانية”، لانها اعتقال تعسفي غير مبرر، وتعني سلب حرية المعتقلين باستخدام القوة، وحرمانهم من كافة حقوقهم ومنها حقهم في ممارسة حياتهم الطبيعية، وحقهم في التعبير، وحقهم في السفر. وقد أكد ذلك العديد من الجهات المعتبرة. أول تلك الجهات كان ما أصبح معروفا باسم “لجنة بسيوني” التي قامت بالتحقيق وإصدار التوصيات بعد بضعة شهور فحسب من العدوان الخليفي الآثم الذي سلب هؤلاء حريتهم. وكان من بين تلك التوصيات ما عبرت عنه بـ “إعادة محاكمة” المعتقلين السياسيين. وقد أوضح المرحوم شريف بسيوني ذلك لاحقا بأن المقصود بذلك إطلاق سراحهم. وأكدت مجموعة العمل المعنية بالاعتقال التعسفي التابعة للامم المتحدة ان اعتقال أغلب هؤلاء “تعسفي”. ولم تتوقف التقارير الصادرة عن المنظمات الحقوقية الدولية التي تؤكد عدم قانونية تلك الاعتقالات، وتصر على المطالبة بإطلاق سراحهم. وكانت العصابة الخليفية وعلى رأسها المجرمون الثلاثة، الطاغية ونجلاه، سلمان وناصر، تعرف تلك الحقيقة، ولذلك رفضت طوال الفترة الماضية السماح للمقررين الخاصين التابعين للامم المتحدة وبقية المنظمات الحقوقية الدولية المرموقة بزيارة البحرين والتحقيق في كافة الجرائم التي ارتكبها الخليفيون. هذه الحقيقة ستبقى عاملا جوهريا لاستمرارهم في ممارساتهم القمعية والسياسية، لعلمهم ان ما ارتكبوه من جرائم بحق الشعب البحراني منذ اندلاع الثورة المظفرة بعون الله، يرقى الى جرائم ضد الانسانية قد تؤدي بطاغيتهم الى المحاكم الدولية. ومن المؤكد ان الدعم الغربي، خصوصا الأمريكي والبريطاني، يحول دون ذلك في الوقت الحاضر، ولكن الى متى سيبقى الشعب البحراني يدفع ثمن ذلك التآمر؟
إن من الضرورة بمكان التأكيد على الأمور التالية:
الأول: يجب ألا يكون استمرار سجن البحرانيين من قبل الخليفيين سببا للتراخي او التراجع او التردد في أداء الواجب تجاههم. فهو ليس أمرا عاديا، ولا طبيعيا، ولا قانونيا، ولا أخلاقيا، بل يمكن اعتباره في دائرة اللامعقول واللامنطقي، ويجب التعاطي معه بقدر من الجدية وعدم الاستسلام لإرادة الجهات التي تصر على استمراره.
الثاني: ان سجن أكثر من الف مواطن بحراني بقرار من ديوان الطاغية، ليس قانونيا او شرعيا او مدعوما بمواد دستورية او قانونية معتبرة. بل انه تعبير عن استخدام سيء للسلطة، واستخدام منطق “الغلبة” الوهمية للتغول والتنمر على الشعب الذي لا يجد معينا له إلا الله تعالى.
الثالث: مطلوب من النشطاء السياسيين والحقوقيين التعاطي مع سياسة الاعتقال التعسفي بجدية، فهو جريمة ضد الإنسانية وفق التعريف الدولي والقانوني ويعتبر من يمارسها مرتكبا جريمة ضد الإنسانية. فسلب حرية مواطن بريء لانه عبر عن رأيه جريمة، سجنه جريمة، تعذيبه جريمة، وإصدار حكم بسجنه امتهان للقضاء وازدراء للعدالة. وهذه جرائم ارتكبها الخليفيون ويعتقدون ان بامكانهم تجاوز تبعاتها.
الرابع: ان استمرار السجن السياسي يعبّر عن وجود أزمة سياسية، بل يساهم في تكريسها. فالسجن لا يلغي وجود الآزمة، وتغييب الأشخاص المرتبطين بتلك الأزمة لا يعني انتهاءها. فطالما كانت هناك سجون مكتظة بأصحاب الرأي، وطالما كانت هناك محاكم تؤسس أحكامها على قوانين جائرة لا تنطوي على شيء من العدالة، فتزداد الأزمة رسوخا، ولن يستفيد من يفعل ذلك قيد شعرة، بل يزداد غوصا في الوحل حتى تغيب أنفاسه.
الخامس: يجب ان لا يتحول سجنهم الى حالة طبيعية يتم التماهي معها وكأنها أمر طبيعي. فمرور اثني عشر عاما على سجن الرموز يستحق ان يتم التعامل معه كأزمة حقيقية تترسخ بمرور كل يوم. وهنا يطلب من ا لنشطاء السياسيين والحقوقيين الاستمرار بتذكير المواطنين بوجود أحبة لهم وراء القضبان، قضى بعضهم ربع حياته مغيبا عن الأهل ومحروما من ممارسة الحياة الطبيعية. بعض السجناء دخل شابا يافعا دون العشرين عاما من السجن، وما يزال يقضي عقوبات يتجاوز بعضها المائة عام. لقد اصبح ذلك الشاب اليافع رجلا في الثلاثينات من العمر. واعتقل البعض وهم رجال يعملون في وظائفهم، ولكنهم بلغوا سن التقاعد بعد مضي 12 عاما على سجنهم. والأمل ان يتعاطى المواطنون مع السجناء السياسيين باهتمام أكبر، وتحويل قضيتهم الى هم دائم يحضر في الاجتماعات والمجالس والمساجد والجمعيات والنوادي والمأتم.
السادس: مطلوب أيضا استحضار القيم الإنسانية والإسلامية التي تضع الإنسان أمام مسؤوليات كبيرة، خصوصا في مجال التصدي للظلم وردع المظلوم. والمعتقل السياسي إنسان مظلوم لا يملك من الحول والقوة المادية شيئا، وكل ما لديه قلبه الذي يختلج بذكر الله والوطن، ويلهج بالحرية ويعبر عن ظلامة ا لشعب. من حق هؤلاء النصرة التي أكد عليها القرآن الكريم: وإن استنصروكم فعليكم ا لنصر”، وعليه فإن نصرتهم واجبة بأمر إلهي، وهي نصرة بالقلب واللسان، كما تتحقق بالتواصل مع ذويهم ودعم المحتاجين منهم. إنه تجسيد لمفهوم التواصي بالحق والتواصي بالصبر، لا يجوز لأحد تجاوزه او ا لتخلي عنه.
السابع: ان تجاهل السجناء السياسيين او تناسيهم او إسقاط قضيتهم من قائمة اهتمامات الفرد موقف غير مسؤول، لا تقره القيم الانسانية والتعليمات ا لدينية. فهم مظلومون لانهم يعاقبون بتهم مزيفة، أغلبها من صنع خيال الطغاة وعبيدهم. ومن واجب الإنسان الدفاع عن المظلوم، وإن لم يفعل فقد تخلى عن مسؤوليته، وهذا التخلي أمر يعتبره الإمام علي بن الحسين (ع) ذنبا، فيقول: “اللهم إني أعوذ بك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره.”
وما أكثر الآيات القرآنية التي تتحدث عن الظلم وتحث على مقاومته. ان معتقلينا جميعا ضحايا ظلم واضح تمارسه حفنة من البشر تخلت عن إنسانيتها وتحالفت مع الشيطان وأعوانه، وأصبحت عدوة للخير والعدل والإنسانية.
الثامن: أن دعم ا لظالمين والتحالف معهم ذنب كبير تطرقت له أحاديث أئمة أهل البيت عليهم ا لسلام بقدر من ا لتوسع. فقد جاء في كتاب “المكاسب” للشيخ الأنصاري ما نصه: معونة الظالمين في ظلمهم حرام بالأدلة الأربعة، وهو من الكبائر، فعن كتاب الشيخ ورام بن أبي فراس، قال: ” قال (الإمام الصادق) عليه السلام: من مشى إلى ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج عن الإسلام “. وقال عليه السلام: “إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين الظلمة، أين أعوان الظلمة، أين أشباه الظلمة حتى من برى لهم قلما أو لاق لهم دواة، فيجتمعون في تابوت من حديد، ثم يرمى بهم في جهنم .” وفي الحديث النبوي صلى الله عليه وآله وسلم: “من علق سوطا بين يدي سلطان جائر جعلها الله حية طولها سبعون ألف ذراع، فيسلطها الله عليه”
هذه التفاتات عامة ترتبط بقضية السجناء السياسيين في البحرين الذين مضى على اعتقال بعضهم قرابة الاثني عشر عاما. وتؤكد المعلومات المتوفرة تعرض أغلبهم للتعذيب الوحشي الذي لم يتوقف حتى الآن. كما ان الأحكام التي أصدرها الخليفيون بحقهم ظالمة وانتقامية ولا تمت للعدالة بصلة. ومع التزام الخليفيين بسياسة “تلقين البحرانيين دروسا لن ينسوها” من التنكيل والاضطهاد أصبحت قضية المعتقلين السياسيين أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. فكيف تغمض عينا إنسان وهو يعلم ان وراء القضبان أرواحا معذبة بسبب إيمانها بالعدالة الإلهية وأدائها الواجب لتغيير أوضاع الامة؟ ما مسوّغ السكوت والصمت مع استمرار الاضطهاد ا لخليفي خصوصا في ضوء تداعي صحة الدكتور عبد الجليل السنكيس بعد اكثر من 435 يوما من الإضراب؟ لترتفع الاصوات المطالبة بالتحول السياسي والإفراج عن السجناء، وليعلن الشعب رفضه القاطع لحكم العصابة الخليفية، ولتكن الأيام المقبلة ذات أثر مباشر لتسهيل مهمة التغيير الذي استشهد من أجله مئات المواطنين البحرانيين. وبدون ذلك سيتمادى الطاغية الخليفي وعصابته وينتعش الظل والخيانة والاضطهاد.
اللهم ا رحم شهداءنا الأبرار واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
23 سبتمبر 2022