الشعب يقاطع انتخابات الخليفيين ويُطلع البابا على جرائمهم
ربما يعتقد حكام البحرين أن بإمكانهم التعايش مع هذا الوضع المضطرب منذ عقود، وقد يظنون أن امتلاكهم أدوات وأساليب قمعية إضافية جديدة ستساهم في احتواء الوضع دائما، أو أن كراسيهم مضمونة بسبب الدعم الخارجي المتواصل. وقد يظنون كذلك أن الرهان على عامل الزمن خيار مناسب، وأنه أفضل من الانصياع لإرادة الشعب او محاولة استيعاب أسباب التوتر ومآلاته. الأمر المؤكد انهم واهمون إن ظنوا ذلك، خصوصا مع استمرار الاضطهاد وتجذره من جهة وبلوغ حالة الاستقطاب في المواقف والسياسات والأهداف لدى الطرفين مستويات غير مسبوقة. فقد قرر الخليفيون منذ فترة العمل على تغيير التركيبة السكانية للبلاد بشكل جوهري، وتعمق هذا التوجه في الأعوام الأخيرة في ظل حكم الثلاثي: حمد وسلمان وناصر. هذه الحقيقة قد لا تكون ظاهرة للعيان بشكل لافت للنظر، ولكن الطبقة الإدارية والثقافية على طرفي الصراع تدرك هذه الحقيقة، وقد تحتضنها او ترفضها، ولكنها قلقة إزاءها. فالبحرين لن تبقى كما كانت عليه في عهود الحكام الخليفيين السابقين. لأن الثلاثي المذكور مختلف عن أسلافه جملة وتفصيلا، وهو مدعوم من الخارج ليس بهدف الحفاظ على الواقع الراهن، بل لإحداث التغيير بما يؤدي الى وضع خال من الاستقطاب الذي لا يعتبره حكام الخليج إيجابيا. فشعب البحرين لم يكن يوما محبوبا لدى الحكام الآخرين، لانه كان مصدر إلهام للطبقة المثقفة والعاملة في دول الخليج الاخرى.
لا شك أن دخول البعد الإسرائيلي على الخط زاد الأزمة تعقيدا، ولكنه ليس العامل الوحيد الذي أدى الى تفاقم الازمة التي بدأت منذ صعود الطاغية الحالي الى كرسي الحكم قبل قرابة ربع قرن. فالخارج كان دائما عنصر تأزيم، ماضيا وحاضرا. فتارة يكون هذا الخارج دولا أجنبية مثل بريطانيا التي لم تخلّف وراءها تركة إيجابية تساعد على الأمن والاستقرار وتوفر معادلة عملية لتعايش الطرفين: العائلة الحاكمة والشعب. وقد يكون دولا عربية، كما كانت مصر عبد الناصر التي كانت مصدر إلهام لقطاعات كبيرة في الخمسينات والستينات، فمن قال أن انتفاضة الخمسينات والحراك الطلابي والعمالي في الستينات حدثا بمعزل عن مصر؟ وهناك إيران التي كانت حاضرة في المشهد البحراني، هي الأخرى، ماضيا وحاضرا. واذا كان حضورها السابق من خلال مطالبتها بالبحرين كجزء من إيران، فان موقعها اليوم مرتبط بالصراع الأيديولوجي والسياسي في المنطقة. ولذلك ستظل الجمهورية الإسلامية أحد أطراف الصراع في البحرين، خصوصا في ضوء السياسات الخليفية الجديدة التي تهدف لتغيير سكاني جوهري في البحرين، الأمر الذي ستنظر اليه طهران عاملا سلبيا من منظور أمنها القومي. ومن الدول التي تعتبر مصدر تأزيم المملكة العربية السعودية التي لم تكن يوما طرفا محايدا في أي صراع داخل الاقليم، وهذا الطرف يتعمق دوره الاقليمي مع تضخم ثرواته النفطية وتعمق مشاعر حب التوسع والنفوذ لدى قادته خصوصا في ظل الفراغ السياسي والاستراتيجي على صعيد العالم العربي.
وثمة دول أخرى ذات أثر مباشر على الأوضاع الداخلية في البحرين. فلا يمكن تجاهل الدور الذي تمارسه دولة الامارات العربية المتحدة، ورغبتها المتواصلة لتوسيع نفوذها الإقليمي. وفي السنوات الأخيرة اصبحت الامارات لاعبا سياسيا على صعيد الإقليم وكذلك على صعيد التوازن الاستراتيجي في المنطقة. وقد استفاد زعماؤها خصوصا محمد بن زايد من غياب قيادة عربية فاعلة، فسعى لملء الفراغ القيادي مستفيدا من المال الهائل لديه. وساهم، هو الآخر مع زعماء السعودية في منع وجود ثقل إقليمي للدول التي تملك مقومات القيادة، من مصر الى سوريا والعراق واليمن. انها واحدة من الحقب التاريخية المفعمة بالتناقضات، والمتحركة باتجاهات خارج ما كان مألوفا. ويلاحظ هنا أن تعبيد الطريق للكيان الاسرائيلي للدخول الى العمق العربي من خلال البوابة الخليجية، تطور خطير يمكن تصنيفه في خانة “اللعب بالنار” من قبل الدول التي هرولت لملء الفراغ القيادي عن طريق التطبيع والتعاون مع “إسرائيل”. إنها مغامرة غير محسوبة المقدمات او النتائج، ولكنها استفادت من اموال النفط العربي والألاعيب الجغرا- سياسية. فيستحيل أن يساهم عدو محتل في إحلال السلام وضمان أمن الدول والشعوب التي يشعر انها ترفض الاعتراف بوجوده. وتؤكد المعطيات المتوفرة أن هذا الكيان يقف وراء العديد من الأزمات والمشاكل التي تعصف بالمنطقة.
إن “إسرائيل” هي السبب الأول للأزمة الفلسطينية المستمرة منذ ثلاثة أرباع القرن، فقد احتلت الأرض وأبعدت سكانها من ديارهم، وتمارس بحقهم حتى اليوم سياسات الإبادة والقتل، فلا يمر يوم إلا ويسقط شهيد أو أكثر برصاص الاحتلال. و”إسرائيل” تتصرف اليوم وكأنها دولة إقليمية كبرى، فتفرض العلاقات، بدعم امريكي، على البلدان المجاورة بهدف تطبيع احتلالها. وهي المسؤولة عن إضعاف البلدان العربية الكبرى مثل مصر وسوريا والعراق لمنعها من أداء دورها القيادي في المنطقة والتصدي للاحتلال. و “إسرائيل” عامل أساس في تصدع الكيانات الاقليمية منها مجلس التعاون الخليجي حيث تقيم علاقات ثنائية مع بعض انظمة بلدانه وتشجع نزعات الانفصال وإقامة كيانات ذات هوية محلية لمنع انتشار الهوية الإقليمية العربية او الإسلامية. وكيان الاحتلال هو المسؤول بشكل شبه مباشر عن اضطراب أمن الخليج بالاستهداف المتواصل لإيران، تارة باغتيال علمائها واخرى بتشجيع النزعات الانفصالية لمكوناتها القومية، والمذهبية، وثالثة باستهداف وجوداتها في الدول المجاورة كالعراق وسوريا. “إسرائيل” مسؤولة ايضا عن تنمّر بعض الانظمة ضد شعوبها، كما تفعل العصابة الخليفية التي تحكم البحرين وشعبها بالحديد والنار.
في هذه الأجواء يمارس طاغية البحرين سياساته المعادية لشعب البحرين بدون توقف. ويسعى للحصول على شرعيته من الخارج بعد أن فقدها من الداخل الشعبي والوطني. ويمارس سياساته هذه بأساليب تضليلية وكذب يغطيه الاعلام المدعوم من الامارات والسعودية. فهو يضطهد الغالبية الساحقة من السكان الاصليين، تارة باعتقال نشطائهم، وأخرى باستهداف علمائهم وإقصائهم عن البلاد، وثالثة باستقدام شعب بديل من الخارج ضمن مشروع التجنيس السياسي الذي بدأه منذ اكثر من عشرين عاما، ورابعة بالتظاهر باحترام الأقليات الدينية القاطنة في البلاد، في الوقت الذي لم يأل جهدا في تدمير بيوت العبادة التابعة للسكان الاصليين، انه يمارس نفاقا بدون حدود، مستفيدا من دعم الخارج، ومعوّلا على بث الرعب في قلوب الأبرياء وابتزاز ذوي النفوذ الاجتماعي والسياسي للسكوت على جرائمه. وهناك ثلاثة جوانب يسعى لترويجها هذه الأيام لضمان تجاهل العالم ما يعانيه السكان الأصليون. أولها مشروع انتخاباته التي سيجريها في شهر نوفمبر المقبل. وقد عارضها الشعب ممثلا بكياناته المعارضة. وفي الشهر الماضي صدر بيانان وقع أ؛دهما عشرون شخصية معارضة بارزة، ووقّع الآخر ست كيانات سياسية، وكلاهما يدعو الشعب لمقاطعة انتخابات الخليفيين الصورية، والصمود على خط المعارضة والتصدي للاحتلال الخليفي. الجانب الآخر الاستمرار في اضطهاد السكان الاصليين باعتقال نشطائهم حتى لو كانوا أطفالا، والتنكيل بهم تعذيبا وسجنا وحرمانا من الحقوق الاساسية. والثالث تصعيد اتصالاته الخارجية كسلاح بوجه الشعب. وبعد تطبيعه مع المحتلين، جاء الإعلان عن زيارة مزمعة من البابا للبلاد، وهي خطوة دعائية إضافية تمثل في ظاهرها اهتمام الطاغية بالدين المسيحي، بينما الهدف غير المعلن منها توفير دعاية إعلامية لمواجهة الدعاية السلبية التي حصدها الطاغية في إثر هدمه المساجد واضطهاد العلماء وسجن النشطاء.
هذه الأمور لن تكون أكثر من مسكنات الألم التي تريح المريض هنيهة ولكنها لا تعالج علته. البحرين، منذ مائة عام، تعيش على مرجل من نار لم تهدأ إلا في فترات محدودة. وستتوصل الأزمة ولن يهنأ الخليفيون بالحكم طالما تشبثوا بعقلية “الفتح” التي تعني الاحتلال، لان الشعب سيكون لهم بالمرصاد. فالبحرانيون لن يتخلوا عن ثوابتهم التي انطلقت على أساسها ثورتهم المظفرة بإذن الله وفي مقدمتها مواصلة النضال السلمي لتحقيق تغيير جوهري في منظومة الحكم مهما كلف الأمر. سيتواصل هذا الموقف المرتكز على الشعور بالمسؤولية الشرعية والإنسانية والتحررية حتى يتحقق النصر الموعود من قبل الله تعالى، وما ذلك على الله بعزيز.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
30 سبتمبر 2022