البحرانيون الأصليون (شيعة وسنة) متوافقون في أغلب الرؤى والمواقف
تزدحم لائحة عمل المناضلين الأحرار في البحرين نظرا لتزامن العديد من القضايا ذات الأهمة للمواطنين. هؤلاء المناضلون يحملون همّا مشتركا: حماية الوطن والمواطن من الجرائم الخليفية التي لم تتوقف منذ احتلالهم البلاد. تتعدد المواقف ووجهات النظر في اوساط المواطنين، ولكن يجمعها خيط واحد: الإيمان بفساد حكم العصابة الخليفية وضرورة اتخاذ اجراءات لاقتلاع ذلك الفساد. يشترك في هذه المشاعر كافة المواطنين الأصليين (شيعة وسنة). ويخطيء من يتصور ان الخليفيين استطاعوا السيطرة على مكوّن دون غيره. ثمة قضايا تستحق التوقف، يمكن تلخيصها بما يلي:
أولا: يرى المواطن الشيعي في الاتنتخابات الخليفية تجسيدا للظلم والاستبداد، ولا يختلف معه المواطن السني الذي يرى نفسه مهمشا على صعيد آلية اتخاذ القرار. فقد شارك اغلب المواطنين في الانتخابات السابقة وسعوا جاهدين لتحقيق التغيير من تحت “قبة البرلمان” لكنهم ادركوا استحالة ذلك لان المشروع الانتخابي خاضع للارادة الخليفية في تفصيلاته، فمن يصبح عضوا في المجلس الخليفي يجد نفسه معتقلا في سجن يختلف شكلا عن سجن جو السيء الصيت ولكنه لا يختلف جوهرا. فالمطلوب من هذا “البرلمان” إقرار ما يريده القصر الملكي بدون نقاش. لكن العضو المنتخب يرى نفسه ممنوعا من طرح مشاريع قوانين لا تنسجم مع الأجندة الخليفية. وقد اعترفت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية التي كانت الكتلة الكبرى في المجلس الأسبق، بان سبب انسحابها من ذلك المجلس في العام 2011 عدم قدرتها على اقتراح قوانين للحد من تغوّل اجهزة الامن ومصادرة حريات الموطنين في التجمع والاحتجاج والتعبير. وقد أكد النائب السابق، أسامة التميمي، الذي يعاني المرض في غيبوبته منذ فترة طويلة، هذه الحقائق، ولذلك اضطهده الطاغية وعصابته برغم انه عضو منتخب. وهكذا يجد من يقلب صفحات المشروع الانتخابي خواءه وضعفه وعدم صلاحيته لتمثيل شعب يتطلع لتحرير وطنه من الاحتلال والفساد. هنا يلتقي المواطنون الأصليون (شيعة وسنة) على ارضية ناقدة للتجربة الانتخابية التي وصلت نهايتها ولكن النظام أبقاها تتحرك بأجهزة الإنعاش. لقد تجلى الموقف الشعبي الرافض للانتخابات الخليفية كأوضح ما يكون. هذا لا يعني عدم وجود بعض الا نتهازيين والمتسلقين الذين وجدوا في مقاطعة الا نتخابات فرصة لهم يستطيعون استغلالها للتسلق. ولكن ذلك لا يخلق رأيا عاما، خصوصا بعد ان اصبحت مقاطعة الانتخابات الخليفية ليس مطلبا وطنيا فحسب، بل واجبا يتأسس على الدين والشرع. فمن يلتزم بالموقف الشرعي لا يجوز له المشاركة فيها ترشحا او تصويتا، مع ان هناك من يقدّم مصالحه الشخصية على التزاماته الشرعية. أيا كان الأمر، فالانتخابات الخليفية لن تقدم شيئا او تؤخر خصوصا على صعيد التغيير السياسي الجذري، ولن تضفي شرعية على الخليفيين.
ثانيا: يرى الأول ان الطاغية وعصابته ارتكبوا خيانة كبرى بتطبيعهم مع العدو. هنا يبرز الموقف الوطني الشريف الذي يشترك فيه كافة المواطنين الأصليين (شيعة وسنة) لان فلسطين لها موقع ثابت لا يتغير ولا يخضع للمساومة أبدا. وقد خرج الخليفيون على هذا الإجماع واخترقوا واحدا من أهم ثوابت الأمة، وأعلنوا بوضوح وبدون خجل انتماءهم للتحالف الشرير الذي يتآمر على الأمة وقضيتها المركزية. فالبحراني الشيعي يعشق أرض المعراج ويرفض الاحتلال أيا من يقوم به، والبحراني السني كذلك. كلاهما ورث من الأجداد معنى الانتماء لفلسطين، ولا ينسى وقوفهم ضد الاحتلال منذ أيامه الاولى في العام 1948. هذه الحقائق أصبح جزءا من هوية البحرانيين الذين لا يستطيعون التخلي عنها. وعندما أقدم الطاغية على جريمة التطبيع فقد أحدث تطورا لم يكن في الحسبان. فقد اصبح هناك طرفان يشعر كل منهما انه في حرب وجودية مع الآخر. فالخليفيون تخندقوا مع الصهاينة بشكل واضح، يزداد وقاحة بشكل يومي من خلال الاتفاقات التي يوقعها الطاغية مع محتلي فلسطين في مجالات التجارة والزراعة والأمن. بينما يرى البحرانيون ان دعم فلسطين وأهلها مسؤولية إنسانية وأخلاقية ودينية، ويرون الاصطفاف مع المحتلين خروجا عن الملة التي توافقت على تحرير فلسطين من الاحتلال. وهكذا أصبح الموقف مستقطبا بشكل غير مسبوق، وليس هناك ما يمكن ان يوقف تداعي هذا الموقف بعد ان قرر الخليفيون وقوفهم مع العدو، وتحدّوا بذلك تاريخا طويلا من الدعم البحراني لفلسطين وشعبها، في إطار العمل العربي والإسلامي المشترك. هنا يتوحد موقف الشيعي والسني بدون أي تشوش او لبس، لان القضية واضحة وشعور البحرانيين الأصليين (شيعة وسنة) بالانتماء لفلسطين والشعوب العربية ثابت لا يتغير.
ثالثا: ان الشعب البحراني متوافق على احترام تاريخه النضالي الطويل. ويستحضر هذه الأيام ذكرى اعتقال قادة هيئة الاتحاد الوطني في 6 نوفمبر 1956، بعد أسبوع من العدوان الثلاثي على مصر. يومها كانت البحرين تمر بمخاض عسير، حيث الانتفاضة الوطنية العارمة تقض مضاجع الخليفيين والبريطانيين، وحيث الوعي الوطني العميق يعمّق حالة الوعي لدى ا لمواطنين، فيدفعهم للضامن مع القضايا العربية خصوصا في مجال التحرر والنضال. ففي ذروة الانتفاضة حدث العدوان الثلاثي على مصر الذي شاركت فيه بريطانيا وفرنسا و “إسرائيل” ونجم عنه احتلال قناة السويس. فهبت الجماهير البحرانية غاضبة بشكل غير مسبوق، واستهدفوا مصالح الجهات المعتدية، قبل التدخل الامريكي الذي أجبرها على الانسحاب. يومها كان قادة الهيئة يتفاعلون بشكل منقطع النظير مع مصر ويدعون الجماهير للتظاهر والاحتجاج. وبدلا من وقوف الخليفيين مع الشعب، استهدفوه بوحشية، مستعينين بالقوات البريطانية التي تدخلت مستخدمة القوة المفرطة لتفريق التظاهرات والتصدي للانتفاضة. وفي مثل هذه الأيام من العام 1956 تم اعتقال خمسة من قادة الهيئة الثمانية، ولاذ الثلاثة الآخرون بالاختفاء. وهكذا تم قمع الانتفاضة، بدون حل المشكلة البحرانية من أساسها. ويمكن القول ان المشكلة تم تأجيلها لتشتعل بعد أقل من عشرة اعوام في انتفاضة مارس 1965. اما قادة الهيئة فقد تمت محاكمتهم من قبل المستشار البريطاني آنذاك، تشارلز بلجريف، الذي أنشأ محكمة خاصة بمركز شرطة البديّع، وأصر القادة على الصمت طوال المحاكمة ا لتي أصدرت حكمها بنفي ثلاثة من القادة: عبد الرحمن الباكر، عبد العزيز الشملان وعبد علي العليوات. وفي يناير 1957 وضع الثلاثة على ظهر باخرة بريطانية نقلتهم الى جزيرة نائية وسط ا لمحيط الاطلسي اسمها “سانت هيلانة” التي كان القائد الفرنسي، نابليون بونابرت قد نفي إليها وبقي فيها حتى وفاته. بقي البحرانيون الثلاثة في الجزيرة حتى اصدرت محكمة بريطانية في العام 1961 قرارا ببطلان قرار نقلهم من البحرين الى جزيرة “سانت هيلانة”.
رابعا: زيارة البابا للبلاد هي الأخرى لم تمنح النظام الخليفي شرعية، ولم تضر الشعب والمعارضة. فقد أتاحت الفرصة لتسليط الضوء على ما يجري في البلاد من اضطهاد وظلم وانتهاكات واستبداد. وهناك بضع نقاط حول هذا الموضوع: الأول: ان قطاعا واسعا من المعارضة طالب الفاتيكان بإلغاء زيارة البابا للبحرين، الثاني: اصبح واضحا لدى الفاتيكان والراي العام خواء الدعاوى الخليفية حول التسامح الديني وحوار الأديان عندما تم التوضيح لهم بان المرجع الديني الأكبر للبحرانيين، سماحة ا لشيخ عيسى أحمد قاسم، لن يقابل البابا ولن يشارك في الحوار لسبب بسيط: ان الطاغية الخليفي أبعده من البلاد بعد ان قتل ستة من الشباب على اعتاب منزله وسحب جنسيته. الثالث: ان البابا والوفد المرافق له أصبحوا في موقع حرج خصوصا بعد ان تم إ طلاعهم على جرائم الخليفيين بشكل مفصل، ووعدوا بطرح هذه القضايا على الطاغية. الرابع: ان الزيارة كانت فرصة لفتح ملفات البحرانيين ومعاناتهم في ظل الاضطهاد الخليفي اما العالم، وقد كتبت مقالات عديدة وتجددت قضية البحرين في وسائل الاعلام.
وهكذا تتضح مصاديق الآية الكريمة: “فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة، ثم يُغلبون”. اللهم اهزم الظالمين وانصر المظلومين، وأنجز وعدك لعبادك الصالحين
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
4 نوفمبر 2022