عودة للحراك الشعبي السلمي الشامل بعد انتهاء مسرحية الانتخابات الفاشلة
بعد أن أخرج الخليفيون أقوى ما لديهم من أدوات تضليلية، انتهت مسرحيتهم الانتخابية الهزيلة بدون ان يحققوا ما كانوا يطمحون به . فعلى الصعيد الداخلي التزمت قطاعات واسعة من المواطنين بمقاطعة مشروعهم السياسي، ولم يشد عن ذلك سوى من تمرد على موقف القيادة الدينية المتمثلة بسماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم حفظه الله. هذا برغم سياسة الانتقام التي يمارسها الطاغية وعصابته من الذين يعارضون سياساته ويسعون لعرقلتها. صحيح ان مجلسا جديدا قد تشكل، ولكن ما فرقه عن المجالس التي سبقته والتي كانت من بين أسباب عزوف الناس عنها؟ لقد كان هناك خمسة مجال منذ العام 2002 ولكنها لم تحقق للخليفيين استقرارا او دعاية حقيقية او تغير صورتهم الكالحة لدى الآخرين. وعلى صعيد الخارج لم يهرع قادة العالم لتهنئة العصابة على “إنجازها التاريخي” بل انهالت عليها الانتقادات والشجب لانها تشوه عمليا مفهوم الديمقراطية والشراكة السياسية.
فماذا بعد الانتخابات الخليفية الصورية؟ لن يكون هناك جديد ما دام القديم مهمينا على كافة جوانب حياة المواطنين. فالظلم الذي ارتبطت صورته بالخليفيين يزداد توسعا وضغطا على حياة المواطنين، ولا يمكن ان يرضى المظلوم بظالمه يوما. وهناك الاضطهاد السياسي المتواصل الذي جسدته الانتخابات الخليفية الأخيرة. وهو اضطهاد سياسي بامتياز. فليس من حق الشعب المشاركة في انتخاب أفراد حكومته ابتداء برئيس الوزراء واعضاء حكومته. وجوهر الممارسة الديمقراطية تمكين الشعب من ذلك كما يجري في ما يسمى “البلدان الديمقراطية”. واستخدام المصطلح من قبل الخليفيين لا يحول حكمهم الى واحة من الديمقراطية. ثالثا: ان الشعب سيستمر في معاناته، خصوصا في جوانبها السياسية. ستظل الأمهات تبكي علنا وسرا من أجل فلذات اكبادهن الذين قضى بعضهم اثني عشر عاما مغيبا وراء القضبان. ستبكي أمهات الشهداء دما مع الدموع حزنا على فراق أحبتهن الذين قصف الخليفيون أعمارهم ومزقوا اجسادهم بالتعذيب تارة وبرصاص الحقد تارة أخرى. ستظل العائلات تتألم لتمزقها بين شهيد وسجين ومبعد عن ا لوطن. الرابع ان الشعب اصبح يشعر بالمسؤولية عن تطهير بلد الآباء والأجداد بعد ان دنسها الخليفيون بالتطبيع المهين وسعى لتصنيفها في موقع مرتكبي الخيانة العظمى بالتخلي عن قضية فلسطين. الخامس ان الشعب سيظل في قلق دائم خشية من نزاعات مستقبلية بسبب سياسات الخليفيين وتوريط البحرين مع جيرانها التي دفعت أقربهم مؤخرا (سلطنة عمان ودولة الكويت) لتوجيه نصائح للطاغية وعصابته بالتخلي عن ا لقمع والاضطهاد، وانسحب بعضهم من معرض الطيران الذي اقيم في البحرين الأسبوع الماضي.
في ظل هذه الحقائق فما عسى ان يتشبث الشعب به من أمل في التعايش الآمن والسعيد مستقبلا؟ ما الذي سيحققه المجلس الجديد بشكل مختلف عن المجالس السابقة؟ ما التغيير الذي أدخله الخليفيون على هذه المجالس لتطوير مساراتها بعد ان تحولت الى أبواق للحكم وبصامة على قراراته، وشريكة في خيانة فلسطين بالتطبيع مع العدو. الشعب لن ينشغل بلغة الأرقام حول المشاركة والمقاطعة، فهو يعلم انها انحراف عن مسار النضال والتصدي للاستبداد والطغيان والاحتلال. فهو يعلم ان الخليفيين يستخدمون كافة إمكانات الدولة لتمرير مشاريعه وإنتاج ما يريد من أرقام ونسب. فما الصعوبة في ذلك؟ وما الوازع الضميري أو الأخلاقي الذي سيمنع الطاغية وعصابته عن تغيير الأرقام او استقدام الأجانب للمشاركة في مشروعه بعد ان قاطعه الشعب؟ ثم ما قيمة هذه الأرقام في الحرب على الوجود التي يخوضها الطرفان، الشعب والعصابة الحاكمة؟ كلاهما قرر منذ زمن طلاق الآخر بعد ان تعمقت قناعاته باستحالة التعايش معه. كلاهما ينظر للآخر باشمئزاز وتقزز ورفض، وكلاهما يعتمد على قوى أخرى لدعمه. الخليفيون يعتمدون على دعم الحكومات الأجنبية، والشعب ينتظر الدعم من السماء. فكيف سيلتقي الجمعان؟ لقد بلغا مفرق طريق يفرق بينهما الى الأبد، ولكن الطرف الخليفي يعلم انه هو الطرف المطالب برفع الراية البيضاء للشعب، وليس العكس. فالشعوب لا تستسلم مهما كانت متاعبها ومعاناتها. بل الطغاة هم الذين يرحلون بعد الهزيمة
منذ ان فجّر الشعب ثورته قبل قرابة اثني عشر عاما كان يعيش الأمل بالتغيير الجوهري في بلاده، وكان رجاله ونساؤه يسهرون الليل للصلاة والعبادة والدعاء والتضرع إلى الله بأن يحررهم من الاستعباد الخليفي، وان يوفر لهم القوة لمواصلة طريق النضال من أجل التصدي للعدو الخليفي الذي هو الآخر لجأ للخارج لكي يدعمه في ما يعتقد انه آخر حرب وجودية يخوضها، فإما ان يكسبها او يسقط في مزبلة التاريخ. انها قصة طويلة من النضال المشروع من اجل تحقيق المصير وكتابة الدستور وتحقيق الأمن والسلام لشعب لم يعرفهما منذ عقود. أنها قصة النضال من أجل البقاء بعد ان أصبحوا مخيّرين بين الفناء والسقوط في ظل الحكم الخليفي او العيش والشموخ واسترداد الكرامة حين ينتهي كابوسهم ويتلاشى ليلهم الطويل. لذلك يتواصل نضالهم وصمودهم وتضحياتهم، فلا يمر يوم بدون اعتقالات واضطهاد. لقد تعايش مع هذا الوضع منذ عقود، ويحاول بين الحين والآخر تكثيف ضرباته للاستبداد والظلم والخيانة، واثقا بأن إحدى هذه الضربات ستحرره من قبضة الجلادين يوما. أنه واثق ان استغاثات المظلومين لا تحجب عن الله سبحانه وتعالى، وأن الحرية تؤخذ ولا تعطى، وأن ثمنها غالٍ، ولكن ليس هناك بديل عن ذلك. أليس بقاء رموز الوطن والشعب وراء القضبان او في المنافي ثمنا باهضا؟ أليس توسيع قاعدة الاحتلال الخليفي لأرض أولا باستقدام المرتزقة والمستوطنين صفحة أخرى من معاناة هذا الوطن؟ هل هذه المعاناة تخف بإجراء انتخابات لمجالس يستقوي بها الطاغية وعصابته على السكان الأصليين (شيعة وسنة).
ليست المرة الأولى التي يتذاكى الخليفيون فيها عبلى الشعب باتخاذ خطوات ظاهرها جميل وباطنها خبيث. ولكنه فشل في كل تلك الخطوات. فمنذ العام 2002 عندما ألغى الطاغية الدستور الشرعي واستبدله بدستوره الذي فرضه على الشعب بالنار والحديد، وهو ينظم الانتخابات لمجالسه الشريكة في الجرم والتضليل والخيانة. ولكن ما جدواها؟ هل كسرت شوكة الشعب يوما؟ فبعد أقل من عشرة أعوام على الانقلاب الخليفي الخبيث على الشعب ودستوره، انطلقت كبرى الثورات في البحرين. وبعد اثني عشر عاما ما تزال تلك الثورة ماثلة في اذهان الأحرار، وما يزال قادتها يرزحون وراء القضبان. فها هو الدكتور عبد الجليل السنكيس الذي قضى أكثر من ثلاثة عشر عاما وراء القضبان (في ما عدا الأسابيع الثلاثة التي قضاها في دوار اللؤلؤة بعد الافراج عنه آنذاك) يعاني من المرض والتنكيل والاضطهاد، ولكن معنويات لم تتراجع، وأقدامه تزداد رسوخا. وكذلك الامر مع بقية الرموز: الاستاذ حسن مشيمع وعبد الوهاب حسين والمقدادان والشيخ علي سلمان والخواجة، وكلهم ثابتون صامدون محتسبون. هؤلاء تصدروا المشهد من منطلق إيماني وإنساني، امتثالا للمسؤولية الإسلامية. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان). لقد قالوا كلمتهم وأدوا شهادتهم أمام التاريخ، فدفعوا ثمن ذلك غاليا. ومع ذلك فإنهم صابرون محتسبون، لم يأسفوا يوما على ما قدموه، بل ما يزالون على مواقفهم، يرفضون ألاعيب الخليفييون ومشاريعهم الهادفة لاستبعاد البحرانيين عبر ما أسموه العقوبات البديلة والسجون المفتوحة. بينما الأحرار ينادون بمقاضاة الظالمين والجلادين والمعذبين، ولن يتراجعوا عن ذلك أبدا. فبعد انتهاء مسرحية الانتخابات السيئة الإخراج، أصبح الوضع مهيّأ للمزيد من الحراك الشعبي الهادف للتغيير الجذري في البلاد. فالانتخابات ستكرس الاستبداد ولن توفر للشعب شراكة سياسية حقيقية، بل سيظل الخليفيون محتكرين للسلطة ومهيمنين على القرارات كافة، ومتحالفين مع أعداء الأمة ومصرّين على تغيير البلاد وهويتها وسكانها، وهي جرائم متواصلة لن تتوقف حتى يحدث التغيير المنشود. فإلى الإمام يا شعبنا المظلوم، فالله ناصرك على أعدائك ومحتلي أرضك وناهبي خيراتك، وهو وحده الناصر والمعين
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
18 نوفمبر 2022