كأس العالم مناسبة لطرح قضية الاضطهاد السياسي
الدورة الحالية لـ “كأس العالم” التي تقام في دولة قطر حدث عالمي مهم يتكرر مرة في كل أربعة أعوام، وتتنافس فيه الفرق الرياضية من أغلب دول العالم، ويقلّد الفريق الذي يفوز في التصفيات النهائية وسام ا لفوز. إنه أحد تجليات الرياضة في عالم القرن الحادي والعشرين. هذا الحدث ليس تجليا للرياضة التي يفترض ان تمارسها الجماهير، بل يمثل ذروة اللياقة البدنية لدى نخبة محدودة امتهنت كرة القدم، وأصبحت تمارس دورا استعراضيا يستمتع ملايين البشر بمشاهدته. أما الرياضة الشعبية المطلوبة فهي ما يؤدي لتطوير اللياقة البدنية لدى أغلب البشر وليس البعض القليل منهم. فالهدف من الرياضة ضخ الحيوية والنشاط في الجسد البشري وتحريك دورته الدموية وآليات تنفسه. فالدم المتحرك يوفر للجسم مناعة من الأمراض، بينما تؤدي قلة الحركة لتعريض الإنسان الى مشاكل صحية تختلف من شخص لآخر.
أيا كان الأمر فإن التذكير المستمر بضرورة ممارسة الرياضة وتحويلها الى ثقافة عامة مهمة مشرّفة. هذه الحقيقة استوعبتها حكومات العالم فأدخلت الرياضة كمادة ضمن المناهج الدراسية في المدارس. بل أن تطور الثقافة البشرية أدى لإجبار الحكومات على توفير فرص كافية لممارسة الرياضة حتى في السجونز فالمعتقلون السياسيون وغيرهم يسمح لهم يوميا بالخروج من مباني السجن والزنزانات ليمارسوا الرياضة، بما فيها المشي والجري وحتى كرة القدم والألعاب الأخرى. وتدرك الحكومات أنه بدون هذه الممارسة فان المجتمع الذي تحكمه سيكون عرضة للأمراض والعلل الناجمة عن انعدام الحركة واستنشاق الرئتين أقصى ما تستطيع من الهواء الذي ينعشها ويساعد الدم على الجريان في العروق. اما الحكومات الجائرة فتسعى لتسييس الحق الرياضي خصوصا لسجناء الرأي، فتعاقب السجناء السياسيين بشكل خاص بحرمانهم من الخروج من زنزاناتها الى الهواء الطلق. وهذا الحرمان له آثار نفسية وصحية غير قليلة. فالسجين الذي يقضى يوما بين جدران أربعة وحده او مع معتقلين آخرين معرّض للإصابة بالكآبة من جهة واليأس والقنوط من جهة أخرى، والأمراض النفسية والجسدية ثالثا. ويرى السجناء فسحة الخروج من تلك الزنزانات فرصة لاستعادة شيء من الحيوية والنشاط، فإذا حرم منها فإن ذلك تعذيب بشكل آخر، يعبر عن دناءة من يتخذ القرار ويصادر حق هؤلاء المخلوقين من استنشاق الهواء الطلق.
يمكن الادعاء بأن الشعب البحراني من أكثر الشعوب حرمانا من الحقوق، ليس السياسية فحسب، بل المعيشية والرياضية كذلك. فقد تم تسييس ابسط الحقوق، فلم تعد حقوقا مضمونة، بل أصبح توفيرها خاضعا لقرار الطاغية وعصابته. فمن قال ان الخروج من الزنزانات حق مضمون للسجناء السياسيين البحرانيين؟ من قال ان الطاغية ليس من حقه سحب هذا الحق او تجميده متى شاء؟ ولكن أليس هذاما يحدث بالضبط؟ ماذا يعني نقل السجين السياسي اذا اعترض او احتج الى السجن الانفرادي وحبسه في زنزانة انفرادية شهورا وربما سنوات؟ ما هذه النفوس الدنيئة التي تتعامل مع البشر بشراسة وتوحش وحقد الى هذا المستوى؟ وأين هو “القانون الدولي” الذي يفترض ان يعاقب مرتكبي جرائم التعذيب وسوء معاملة المعتقلين السياسيين؟ أليس هذا النوع من التعامل مع سجناء الرأي جريمة يفترض ان يعاقب القانون عليها؟ وماذا عن السماح لمسؤولي السجون بإصدار أحكام تعسفية بحرمان بعض المعتقلين السياسين من حقهم اليومي في الخروج الى الفضاء الطلق، اما بمنعهم من الخروج او بنقلهم الى سجون عزل معدة لإلحاق أكبر الأذى بالمتقل؟
انها معاناة لاتنتهي، هذه هي النتيجة التي توصل اليها سجناء الرأي في البحرين منذ عقود، لقد أدركت قوافل المعتقلين السياسيين معنى الاستبداد المطلق بأبشع صوره، وكيف ان حياة البشر أصحت خاضعة لقرارات ديكتاتور متجبر يمارس دور الربوبية بأساليب استفزازية بعيدة عن الرأفة والشفقة والعطف. ماذا يعني ان يحرم الاستاذ حسن مشيمع من الالتقاء مع بقية المعتقلين السياسيين او الرموزز؟ ولماذا لا يوفر له أبسط وسائل الرياضة بمشاعر تحتوي على شيء من الإنسانية؟ إنها قصة المحنة ا لسياسية الطويلة التي اعتادها البحرانيون منذ عقود وما تزال تزداد سوءا وتوحشا. وفي غياب حكم القانون وغياب المحاسبة القانونية والرقابة الجادة لما يجري داخل طوامير التعذيب، يستبعد حدوث تطورات كبيرة في فلسفة التعامل بين الخليفيين والبحرانيين خصوصا في مجالات الحقوق وأنماط التعامل مع المعتقلين السياسيين وكذلك على صعيد موبدأ “المواطنة المتساوية”.
ومع تقديرنا للرياضة وتشجيعنا عليها، فان تحويلها الى مشاريع تجارية وسياسية عملاقة لا يحقق أهداف الرياضة. ان تسييسها مسألة خطيرة لا يتوافق مع المسؤولية الانسانية إزاء مباديء التضامن. وقد أظهرت سباقات الفورمولات التي أنفقت العصابة الخليفية عليها الملايين خطر هذا الاستغلال والتوجيه. وقد كتبت المنظمات الحقوقية كثيرا حول هذا التوجه وانتقدم استخدام الرياضة لتبييض الانتهاكات. إن الإفراط في اضطهاد من يعارض الاستبداد والديكتاتورية أمر مشين ومهين ومعيب. وبعد قرابة اثني عشر عاما على الثورة المظفرة بإذن الله ما يزال الاضطهاد هو اللغة التي يستخدمها الخليفيون مع السكان الأصليين (شيعة وسنة). ويكفي للتدليل على ذلك تحول السجون الى عالم مواز لأي متجمع بشري من حيث تركيبته وشموله كافة التخصصات. فهو يضم علماء الدين والأطباء والمعلمين والرياضيين، كما يضم الرجل والمرأة، الشيخ والطفل، السليم والمعوق. ومن هؤلاء المبتلين بالإعافات الجسدية الدكتور عبد الجليل السنكيس الذي مضى على سجنه الجائر قرابة الثلاثة عشر عاما (إذا أضيفت فترة السجن التي سبقت الثورة)، وهو مصاب منذ الولادة بمرض البوليو. وقد تداعت صحته في العامين الأخيرين خصوصا بعد دخوله في إضراب عن الطعام بسبب سوء المعاملة التي يواجهها وغياب الرعاية الصحية. وهناك أيضا الشاب الكفيف جعفر معتوق الذي مضى على اعتقاله أربعة أعوام ولم تشفع له حالته أبدا. فلدى الخليفيين قلوب كالصخر لا تحوي شيئا من الإنسانية او المشاعر. وكان من بين المعتقلين المعوّقين الشاب السيد جعفر السيد موسى والكفيف الآخر علي سعد وكميل أحمد حميدة وقاسم غلوم أحمد اللذان يعانيان من تخلف عقلي. وهؤلاء جميعا قضوا ردحا من الزمن وراء القضبان.
برغم ذلك تؤكد حقائق التاريخ والسنن الإلهية ان من يتمادى في غيه بالإمعان في اضطهاد الأبرياء لا يبقى طويلا بل تلاحقه جرائمه حتى تقضي عليه. وعلى الباغي تدور الدوائر، وكما يقول الله تعالى “إنا من المجرمين منتقمون”. صحيح ان أجواء مباريات “كأس العالم” أبعدت الأنظار عن ضحايا الاضطهاد والقمع في البحرين، ولكن آهات السجناء لا تختفي ولا يمكن منع وصولها الى الله المقتدر الجبار الذي لا يتخلى عن المظلومين لحظة. قد تكون الأنظار مشدودة الى شاشات التلفزيون لمتابعة تلك المباريات، ولكن هيهات ان يحدث ذلك لآلاف العائلات البحرانية التي تبقى مشدودة بشكل متواصل لأولئك الرازحين وراء القضبان، الذين لا يعرفون الليل من النهار، ولا فرصة لديهم للاستمتاع بصحبة أهلهم او رفقة أصدقائهم في سراء او ضراء. لقد امتحن الله قلوب أحبائنا المعتقلين للإيمان، فآمنوا وصدّقوا وثبتوا وأخلصوا دينهم لله، فصغر الطغاة في أعينهم وتلاشت قيمة الحياة في نفوسهم فأصبحوا من المصطفين الأخيار.
في أجواء “كأس العالم” نوجه لذوي الضمائر والمشاعر والقيم والإنسانية نداء باسم معتقلي الرأي البحرانيين للتصدي للعصابة الخليفية بنمط حاسم والضرب بيد من حديد على أيدي جلاديها الذين تجاوزوا الحدود وارتكبوا أبشع الفظاعات بحق الآلاف من أبناء البحرين بعد ان احتلوا أرضهم وساموهم سوء العذاب عقودا. والأمل ان يتحرك الضمير الإنساني ويستمع لهذه الاستغاثات، ويحاصر الخليفيين ضمن دوائر القانون والقضاء والعدالة، فإن حدث ذلك فسيكون “كأس العالم” هذا العالم محطة على طريق الحرية والكرامة والسلامة الجسدية والأخلاقية.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
25 نوفمبر 2022