حقائق يجدر ذكرها في اليوم العالمي لحقوق الإنسان ومن أجل فلسطين
ظواهر عديدة في وطننا أصبح بعضها مشجعا والآخر مقلقا، وكلا النمطين يحتاج لقراءة فاحصة لتشجيع الإيجابي منها والتصدي لما هو سلبي. فمن الظواهر الإيجابية هذه الحيوية السياسية والاجتماعية المتواصلة التي لم تنقطع يوما، حتى أصبحت من اكبر ما يقلق المحتل الخليفي الذي لم يشعر يوما بالأمن منذ او دنست أقدامه أرض البحرين الطاهرة. هذا برغم ان هذه الحيوية كانت تتسم بالسلم دائما وعلو الأخلاق وعمق الإيمان والإنسانية. أما الظاهرة الأخرى فهي الحالة الثورية المستمرة حتى في أشد الظروف قسوة. ألم تستشهد السيدة بهية الجشي في ذروة الاحتلال السعودي – الإماراتي في مارس 2011 بعد إعلان احكام الطواريء؟ ألم يصمد شهداء الكرامة بوجه قوات العدو الخليفي التي اعتدت على منزل سماحة الشيخ عيسى قاسم في مايو 2017؟ وثمة ظاهرة أيجابية ملحوظة في المجتمع البحراني وهي استعصاؤه على التطويع من قبل الدخلاء الأجانب، فلم يستسلم يوما للمحتلين الذين استخدموا القوة للعدوان والاحتلال. فقد وقفوا بوجه البرتغاليين وقتلوا قائدهم، فلم يستمر الاحتلال البرتغالي للبحرين سوى 80 عاما، بينما استمر الوجود البرتغالي في الخليج 150 عاما. وتصدوا للبريطانيين وهتفوا ضدهم في انتفاضتي 1956 و 1965 وطالبوا برحيلهم هاتفين “يسقط يسقط الاستعمار”. واعتبروا يوم خروجهم من البحرين عيدا وطنيا، وهو ما يرفض الخليفيون الاعتراف به لانهم يعلمون ان يومهم آت وإن طال الزمن. ولا يريدون الاعتراف بقدرة هذا الشعب على التصدي للاجنبي والتخلص منه بصبره وصموده ورفضه التطبيع معه.
في مقابل هذه الظواهر الإيجابية ثمة مؤشرات سلبية مقلقة نوجز بعضها في ما يلي:
أولا: تراخي الظاهرة الشعبية في الفترة الأخيرة وتغاضيها عن الخارجين على ثوابت الشعب والوطن. وكشفت الانتخابات الخليفية بعض ملامح هذه الظاهرة. فقد اقدم بعض الانتهازيينةوالوصوليين والمتسلقين على المشاركة في الانتخابات الخليفية الهادفة لتطويع الشعب وإذلاله ورهنه بمقولات جوفاء كالدمقراطية ومقولات الانتخابات والبرلمان وسواها من المصطلحات التي لا تحمل مضمونا. وقد كان موقف القيادة السياسية والدينية واضحا ليس فيه غموض او لبس. فالجمعيات السياسية أجمعت على مقاطعة المشروع الخليفي جملة وتفصيلا، وتم حلها واعتقال رموزها. وكان لرموز الشعب موقفهم الواضح والثابت الداعي للقطيعة الكاملة مع الخليفيين ومشاريعهم الجائرة. اما سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم الذي كا ن له قصب السبق في كتابة دستور البلاد الحديث الذي ألغاة الطاغية وعصابته، فكان عضوا بالمجلسين التأسيسي والوطني بعد الانسحاب البريطاني، وكان حاضرا في كافة الملاحم التي خاضها ا لوطن في مواجهة الاحتلال ا لخليفي. ولذلك أطلق دعوته لمقاطعة الانتخابات الخليفية ترشحا وتصويتا. ولكن العصابة الخليفية بذلت المستحيل لكسر كلمته. وقد صمدت الغالبية الساحقة من الشعب معه على مدى نصف قرن. وقد بذل الطاغية وعصابته جهودا كبيرة لكسر ذلك الإجماع، فسقط البعض تحت وطأة الإغراءات والوعود، وفضل الانحياز الى جانب الطاغية. كما استغفل البعض للمشاركة في التصويت لخشيته من الانتقام الخليفي لاحقا، وتحت وهم احتمال فوز اشخاص آخرين. وفات الكثيرين ان من شارك في تلك الانتخابات ترشحا وتصويتا قد خالف توجيهات القيادات الدينية والسياسية وكسر الإجماع الشعبي، وساهم في تقوية الاستبداد والظلم ومشروع التطبيع والخيانة.
ثانيا: كان هناك موقف جماعي ضد زيارة رئيس الكيان الصهيوني للبلاد بدعوة من الطاغية وعصابته. هذه الدعوة كانت بأمر من تحالف قوى الثورة المضادة ومنها امريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات. هذه الزيارة رفضها الشعب قاطبة، فكتب الكتاب مقالاتهم الرافضة وغرد المغردون ضدها، و شارك الشباب والنساء في تظاهرات عارمة طافت الشوارع العامة والأزقة والحارات في اغلب مناطق البلاد. كما رفعت أعلام فلسطين على نطاق واسع. وأصدرت المبادرة الوطنية لمناهضة التطبيع بيانا رافضا للزيارة التي دنست أرض البلاد، وقعتها 22 منظمة غير حكومية بحرانية، الامر الذي يكشف عمق الرفض الشعبي للخيانة ا لخليفية ومشروع التطبيع، كما يعكس تمسك البحرين وشعبها بقضية فلسطين وتناغمها مع شعبها الذي يتعرض للتنكيل المتواصل، ويستشهد أطفاله ونساؤه يوميا بالرصاص الإسرائيلي الغادر. هذا الموقف الوطني المتماسك يقابله مواقف فردية من بعض الانتهازيين والوصوليين الذين رحّبوا بالزيارة الممقوتة. ويجب التأكيد على ان عدد هؤلاء ضئيل جدا، لا يؤثر على الإجماع ا لوطني الشامل الذي أصاب الخليفيين في مقتل وأظهرهم منفصلين عن الوطن والشعب، وغرباء على الهوية والثقافة والضمير البحراني والعربي والإسلامي والإنساني. ومن المؤكد ان الخليفيين سيواصلون مشروع التطبيع والتماهي مع العدو، لشعورهم الدائم بالحاجة للدعم الأمني والعسكري والسياسي. فهم في صراع مع الشعب الذي يرون فيه تهديدا وجوديا لحكمهم الزائل بعون الله تعالى.
ثالثا: ان قضية فلسطين أصبحت تتحدى انظمة القمع والاستبداد بمستويات غير مسبوقة. وفي الوقت الذي كاد البعض يفقد الأمل من إمكان تغيير توازن القوى العسكري والسياسي في قضية فلسطين، بدت في الأفق ملامح التحرير الشامل من خلال امور عديدة: أولها الصمود الأسطوري أهل فلسطين خصوصا في غزة التي تتعرض لقصف عسكري إسرائيلي شبه يومي، ولكنهم لم يتراجعوا شعرة واحدة بل يصرون على تحرير كامل ترابهم المحتل. ثانيها: توسع دائرة الدعم الدولي على مستوى الشعوب، بعد ان اتضحت وحشية الصهاينة وهمجيتهم وسعيهم المتواصل للهيمنة على المؤسسات الدولية من خلال السيطرة على المرسسات الدولية خصوصا في مجال الإعلام والتكنولوجيا. ثالثها: الزخم الشعبي الذي حظيت به قضية فلسطيني والذي أكده ما حدث منذ بداية مباريات “كأس العالم” في قطر. فقد هتفت الجماهير باسم فلسطين ورفع علمها في مباريات عديدة. ولفت نظر العالم الذي يتابع المباريات احتضان الفريق المغربي علم فلسطين بعد فوزه في آخر مبارياته مع أسبانيا، الأمر الذي أثار استغراب العالم خصوصا بعد ان بدا للبعض ان القضية تراجعت على مستوى الضمير العالمي، وأن حكومة المغرب تهرول للتطبيع مع الاحتلال. ويتوقع سعي إدارة بايدن لمعاقبة دولة قطر التي تعتبر مواقفها ذات أثر مباشر لترويج القضية خلال الدورة الحالية التي احتضنتها بمستوى لائق وإدارة حظيت باحترام الآخرين. إنها واحدة من اللحظات التاريخية البارزة التي مرت بها قضية فلسطين برغم الضغوط الغربية لتمرير مشروع التطبيع من خلال بعض دول مجلس التعاون خصوصا الامارات والخليفيين والسعودية.
رابعا: بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان نود التأكيد على أهمية هذه الحقوق لإقامة مجتمع آمن يشارك مواطنوه في تنميته بحرية. وقد عانى البحرانيون منذ عقود تداعي حقوقهم وتعرضهم للانتهاكات المستمرة والاضطهاد على أيدي الحكم الخليفي الجائر. وما أكثر التقارير التي صدرت لشجب تلك الممارسات والمطالبة باحترام الحقوق، ولكن أبى الخليفيون إلا الاستمرار في القمع الممنهج والاعتقال التعسفي والتعذيب. إننا نرى استحالة احترام حقوق الإنسان من قبل النظام الاستبدادي والحاكم الديكتاتور. ونتطلع لتحقيق تغيير سياسي جوهري في البلاد كأساس لضمان تلك الحقوق بإقامة حكم القانون ووضع أسس دولة عصرية يديرها الشعب وتلغي حق التوارث الذي يصر الخليفيون على إبقائه. فلا شرعية للحكم التوارثي، ولا مجال لاحترام حقوق الإنسان في ظله. وبالمناسبة نعبر عن فخرنا برموزنا ومواطنينا المعتقلين منذ قرابة اثني عشر عاما، ونؤكد ان ارتهانهم المتواصل يلغي كافة ادعاءات الخليفيين ومؤسساتهم الحقوقية المزيّفة. وقد حان الوقت لتوجيه صفعة موجعة لحكمهم الجائر واعتباره مارقا، ودعم الشعب لاسترجاع حقوقه السليبة وعلى رأسها حقه في اختيار نظام حكمه وانتخاب حكومته وبرلمانه بحرية كاملة.
هذه الحقائق تدفع للتساؤل عن مستقبل الحراكات الشعبية الهادفة للتغيير في العالم العربي. فبعد الانقضاض الشرس على ثورات الربيع العربي وإجهاض محاولات التغيير، اعتقد البعض ان العالم العربي وصل الى طريق مسدود في مجال التغيير وأن الاستبداد سيتواصل في ظل الهيمنة الغربية على المنطقة مدعومة بانتشار النفوذ الإسرائيلي من خلال تطبيع الدول المذكورة. لكن اتضح الآن وجود أمل كبير للتغيير، فقضية فلسطين كانت من خلال حيويتها مصدر إلهام للتوجهات الثورية المناهضة للاستعمار والاستبداد. ومنا دامت بخير، فالمتوقع عودة الحيوية للتوجهات التحررية والثورية في الأوساط الشعبية خصوصا مع فشل النظام الرسمي العربي في إطفاء جذوة الثورة والحراك. وهذا يحتاج لرفد متواصل بالأمل والإلهام والإيمان الراسخ بحتمية زوال الاستبداد وبزوغ فجر الحرية. فدماء الشهداء التي أريقت على ذلك الطريق لا يمكن ان تجف او تتلاشى، بل ستعود شجرة الحرية باسقة من جديد، وستدك كيانات الاستبداد والظلم والتبعية والتطبيع والخيانة.
اللهم ارحام شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
9 ديسمبر 2022