تأملات نضالية قبيل نهاية العام الميلادي
وقف الشعب وقفته وقال كلمته في مناسبة عيد الشهداء، كان يوما مشهودا من حيث الحضور الشعبي في الميادين، ومن حيث وضوح الرفض المطلق للسفاحين الخليفيين الذين أمعنوا في القتل والتعذيب والتشريد، فما أقبحهم وما أبعدهم عن الإنسانية والضمير. خرجت الاحتجاجات صاخبة في مناطق عديدة، هتف المشاركون فيها بحياة شهداء الوطن الذين قتلوا على مسلخ الحرية واختلطت دماؤهم بثرى البحرين الطاهر. أولئك قوم برزوا الى مضاجعهم، فاختارهم الله الى جواره، فإذا هم يتنعمون بنعم الله، أحياء لا يموتون، وعمالقة لا يستطيع الاقرام رؤية قممهم الشامخة. وقفوا موقفهم، وقالوا كلمتهم وحققوا أمنيتهم، فمنحهم الله إحدى الحسنيين، فإذا بهم هم الأحياء وقاتلوهم الأموات. تلك هي فلسفة الشهادة التي يقدم المرء فيها على الموت حين لا يجد فرصة للحياة الكريمة. عندما يتساوى الموت والحياة لا مجال للتردد عن لقاء الله سبحانه. أما القتلة والمعذبون والسفاحون فيعيشون حياة دنيئة هابطة، تطاردهم اللعنة والعار، ويتوعدهم الله بشرِّ المآل، وتخفق قلوب أمهات ضحاياهم كل حين بالدعاء عليهم والاستعانة بالله ضدهم. وجاء في الحديث عن رسول الله(ص): أن أشد الظلم هو ظلم الضعيف الذي لا يجد عليك ناصراً إلا الله تعالى”. كما جاء في القول المأثور عن الإمام علي عليه السلام: “إياك وظلم من لا يجد ناصرا عليك إلا الله”. وحيث أصر الطغاة على إبعاد الله وتعليماته من حياتهم، فقد عميت عيونهم وأبصارهم، فأصبحوا لا يرون الحق ولا يشعرون بالنور، فإذا هم في ظلمات لا يبصرون.
كانت المسيرات الجماهيرية التي جابت الطرقات في الدراز وأبوصيبع والسنابس وسترة وسواها من المناطق تأكيدا لاستمرار الحراك الشعبي الذي انطلق في ثورة 14 فبراير ليستمر حتى تتحقق أهداف الشعب النبيلة، وفي مقدمتها استرداد حرية الشعب، وصون كرامة الوطن، وتطهير الأرض ممن دنسوها بالاستبداد ووالظلم والقتل والتعذيب، وارتكبوا الخياة الكبرى بتطبيعهم مع محتلي أرض المعراج. فكان الله للعدو الخليفي الجائر بالمرصاد. فسياساتهم فاشلة، وإجراءاتهم عاجزة عن حماية حكمهم المتداعي. أما سياساتهم الاقتصادية فهي خاسرة، وليس أوضح على ذلك من استمرارهم في الاقتراض حتى بلغ الدين العام أكثر من 40 مليار دولار. هذا برغم تضاعف الدخل النفطي في السنوات الأخيرة، وبرغم ما فرضوه على الشعب من تقشف بفرض المزيد من الضرائب ورفع الدعم عن المواد الأساسية. فمن المؤكد ان تصاعد الديون يتطلب المزيد من المال لدفع الفوائد المترتبة عليها، أصبح الخليفيون يقلصون من الخدمات العامة، بينما استمروا في البذخ والانفاق غير المشروع على التسلح والعلاقات العامة. ولما لم يُجدهم ذلك لجأوا للتطبيع مع محتلي فلسطين، ومارسوا أبشع أصناف الخيانة بحق الله والإنسانية والشعب وفلسطين، باستقدامهم مسؤولي النظام العنصري. فبعد استقبالهم المهين لرئيس كيان الاحتلال، وقلب الحقائق بإعادة رسم خريطة المنامة وما احتوته من خطة تهويد غير مسبوقة، أعلن الخليفيون عن دعمهم إقامة احتفالات بالعيد اليهودي هذا الشهر. ان الشعب ليست لديه مشكلة مع اليهود وأعيادهم، ولكنه يعارض التطبيع مع الاحتلال، ويرفض احتضان من يقمع الشعب الفلسطيني ويقتل اطفاله وشبابه بشكل يومي، ويصر على الالتزام بالموقف العربي والإسلامي الذي بقي حتى الآن رافضا الاحتلال.
وجاء معرض الطيران الذي نظمه الطاغية الأسبوع الماضي ليؤكد عمق شعور الطاغية بالخوف على كرسيه المتهالك، وحاجته لرؤية العروض العسكرية التي تقدمها الطائرات المشاركة من الدول الاجنبية. ويزداد ارتعاده حين يرى الأشخاص الذين يشتري مواقفهم بأموال الشعب المنهوبة عاجزين عن مواجهة معارضي العصابة الخليفية. فما حدث في 16 ديسمبر أمام الفندق الذي أقام فيه وكر الفساد الخليفي (السفارة) احتفالهم بعيد جلوس أحد طغاتهم كشف عددا من الأمور تتعلق بالإسراف الهادف لتلميع الصورة الكالحة للطاغية وعصابته، وخوف الخليفيين من احتجاج المعارضين أمام ضيوفهم (لذلك سعوا طوال السنوات الخمس الماضية لإخفاء مكان انعقاد حفلهم) وعدم جدوى المرتزقة الذين يوظفونهم للدفاع عنهم امام المحافل الدولية وتشويه صورة السكان الأصليين (شيعة وسة). فقد تعرض أحد “ضيوفهم” لعدد من اللاجئين البحرانين المعتصمين بالقرب من مدخل الفندق المذكور، وتفوه بكلمات غير لائقة وقال كلاما سخيفا. فجاء الدفاع الإلهي عن المظلومين، وتصدى عدد من الصحف اليومية الأساسية لبث الخبر، ومنها الجارديان والاندبندنت والديلي ميل والتلغراف والتايمز، مع شيء من التحليل عن شخصية النائب الذي أساء لوظيفته وحزبه. وفي غضون يومين أعلنت الشرطة البريطانية عن عزمها على التحقيق مع النائب المذكور حول كلماته التي فاحت منها رائحة العنصرية. هؤلاء هم المدافعون عن الخليفيين، فهنيئا لهم بالعنصريين الذين يضاعفون السخط الشعبي والدولي ضدهم. وهنيئا لهم بالصهاينة الذين يزدادون تطرفا وعداء للعرب والمسلمين. هؤلاء الطغاة سيبالغون في تدنيس أرض اوال الطاهرة باستقبال أشد الصهاينة تطرفا خصوصا بعد أن استطاع بنيامين نتنياهو تشكيل أكثر حكومات كيان الاحتلال تطرفا، بالتحالف مع اليمينيين المتطرفين الذين يجدون أنفسهم في حرب أبدية مع الفلسطينيين ويرفضون التنازل عن أي شبر من الأراضي المحتلة لهم، ولا يعترفون لهم بحق إقامة دولتهم المستقلة. هؤلاء سيستقبلهم الطاغية وعصابته، ويتحدّون بذلك مشاعر الجماهير الغاضبة التي تشعر باستفزاز خليفي دائم.
في هذه الأجواء لم يعد هناك مجال للتقارب بين البحرانيين والخليفيين. ومع أن هذه حقيقة يدركها الطرفان منذ أمد طويل، ولكنها ازدادت رسوخا في السنوات الأخيرة مع توسع الفجوة بين الطرفين وإصرار كل منهما على تحديد ولاءاته وتحالفاته. فالخليفيون يرون بقاءهم ومصلحتهم في التطبيع والاستسلام للاحتلال وإقامة التحالفات مع أعداء الأمة، يرى البحرانيون أنهم أصحاب الوطن الاصليون، وانهم جزء من تحالف عربي – إسلامي يدعم فلسطين ويرفض الاعتراف بالاحتلال، ويصر على تحرير فلسطين، ويعتمد على الله أولا وعلى نفسه ثانيا. يرى البحرانيون ضرورة الصمود أمام الاحتلال وعدم الاستسلام لمنطق القوة والغلبة، وأن قدر البحرين وأهلها أن يبقوا ضمن التحالف العربي – الإسلامي في المنطقة. لذلك يمكن القول ان التباين الذي يتوسع بشكل مضطرد عامل إيجابي يصب لصالح مشروع التحرير العربي الشامل، فهو يقطع الطريق على أنصاف الحلول التي لا يجني ثمرتها الا الطرف الأقوى ماديا. كما يرون مسؤوليتهم الانسانية والدينية والاخلاقية تفرض عليهم الاستمرار في النضال وعدم التوقف أمام زحف أعداء الإنسانية سواء الطغاة الجاثمين على صدور الأمة ام المحتلين الرازحين على صدور أبناء فلسطين. إنه واحدة من تجليات الموقف الإيماني الثابت الذي يجد نفسه مستهدفا من قوى الظلم والاستبداد والاحتلال، وأن مسؤوليته تفرض عليه التشمير عن ساعد الجد والولوج الى عالم الحرية من أوسع أبوابه وإن كلفه ذلك كثيرا. فالإنسان يولد مرة واحدة فحسب، وليس أمامه فرص كثيرة لضمان نهاية سعيدة يستعيد فيها حريته ويحفظ إيمانه ويتشبث بمواقفه المبدئية ويدافع عن المظلومين والأحرار المرتهنين لدى أعداء الحرية والإنسانية. صحيح ان طريق الحرية يقتضي تضحيات كبيرة، ولكن متى كانت الحرية بدون ثمن؟ متى كان التسليم لله بشكل كامل يتحقق بدون ثمن؟ قال تعالى في الآية 214 من سورة البقرة: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ۗ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ”. ندعو الله أن يثبتنا على طريق الإيمان والحق، وأن يجعل عواقب أمورنا خيرا ونصرا وكرامة.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
23 ديسمبر 2022