مشاعل الحرية تتوقد ومشاعر الحرية تتعمق في نفوس البحرانيين
نبارك لشعبنا المجيد ومعتقلينا الأشاوس حلول العام الميلادي الجديد، داعين الله سبحانه وتعالى أن يجعله عام النصر الكامل على الظلم والقهر والاستبداد والتطبيع، إنه سميع مجيب الدعوات. كما نترحّم على شهيد الأمة، الشيخ نمر النمر الذي قتله الحكم السعودي ظلما وعدوانا بعد أن فضحهم بسلميته وكشف هناتهم بما لديه من تعليمات السماء. لقد بكته الملائكة والطير في السماء، وضج له أهل الأرض من المؤمنين الأخيار. ولم ينسه أهله في البحرين، فقد خرجوا هذا الأسبوع في تظاهرات احتجاجية بذكرى استشهاده، وأثبتوا للطغاة أن الشهيد لا يموت، بل يصبح طوفانا يقتلع حكم الطغاة ويمحو آثارهم ولو بعد حين.
كيف يعُدّ المعتقلون أيامهم ولياليهم وأعوامهم؟ في تلك الزنزانات المعتمة يتداخل الليل بالنهار وتختلط الأيام بالسنوات. يتكرر الأمر بمرور الزمن حتى يتوقف السجين عن العد والحساب. فبعد أن قضى رموز الوطن والشعب اثني عشر عاما وراء القضبان، ومعها سنوات أخرى قبل ذلك، ماذا بقي من العمر؟ ما الذي ينتظره من طرق باب السبعين وتجاوزه؟ فلولا رحمة الله التي تهطل كل حين على قلوب أولئك المظلومين فتشعل فيهم مشاعل الأمل وتحرك لديهم فطرة حب الحياة لانتهت أعمارهم منذ حين، ولما كان لهم شأن في نظر الطغاة. لكن مشكلة هؤلاء معرفتهم أن المعتقل السياسي لا تموت روحه وإن تداعى جسده، ولا تتقلص مشاعره ولو اكتنزت أعضاؤه أمراضا عضالا شتى. فما أكثر الشباب الذين دخلوا السجن في عمر الزهور، فاعتلّت أجسادهم بشتى العلل، ولم يحظوا بعلاج ناجع لمعاناتهم. كم من تلك النفوس يسهر أصحابها ليلهم لأن الآلام تسلب قدرتهم على النوم؟ كم من هؤلاء رحل عن الدنيا شابا بعد أن ضعف جسده أمام فتك المرض وانعدام العلاج؟ ما تزال ذاكرة الوطن تحتفظ بأسماء بعض هؤلاء ومنهم علي قمبر و حسين بركات والسيد كاظم السيد عباس السهلاوي وحميد خاتم. هؤلاء الشباب رحلوا عن الدنيا مظلومين ومقهورين ومحرومين من حق الحياة لأنهم رفضوا الاستسلام للخنوع والاستعباد، وفضّلوا الموت عندما لم يجدوا سبيلا للحياة الكريمة.
وماذا عن الكبار الذين يشمخون بهاماتهم لكن آلامهم ترهق كواهلهم في كل لحظة وموقف؟ وماذا عن الذين اضطرتهم ظروفهم للامتناع عن الأكل والشرب احتجاجا على الطغاة، وأعلنوا استعدادهم لاستخدام الجوع سلاحا بعد أن افتقدوا كافة الوسائل الأخرى؟ وماذا عن الذين يساوَمون على حقوقهم في مقابل خروجهم من المعتقل الصغير إلى السجن الكبير؟ كانت طلقة واحدة من الرصاص المطاطي كافية لإزهاق روح الرجل السبعيني الحاج ميرزا علي عبد الرضا وهو خارج من مسجد “مشرف” بجدحفص في 20 ديسمبر العام 1995. وكانت وجبة تعذيب متواصلة وشاقة أداة قتل الشهيد الشيخ علي النتشاس مظلوما. إنها أساليب البطش والقهر والانتقام الخليفية التي لم تتوقف منذ قرابة نصف قرن. فمن يستطيع منعه من الاستمرار في تلك السياسة؟ لطالما تجلبب النشطاء بحسن الظن، وتوقّعوا أن يغير سياساته ويعود الى نهج الصالحين ويتوقف عن الاضطهاد والقمع. لكن ذلك الظن لم يتحقق يوما، بل تأكد استحالة إصلاح نظام تأسس على الفساد، وفي ذلك تأكيد لقول القرآن الكريم: إن الله لا يصلح عمل المفسدين. فما أن تشتد الأمور وينفجر الوضع بسبب الأوضاع السياسية الجائرة، حتى تعود حليمة الى عادتها القديمة، وتبدأ دورة القمع الرهيبة فيصبح التعذيب لغة التفاهم الخليفي مع البحرانيين. ولن يختلف الأمر هذه المرة، لان الحاكم ظالمٌ انسلخ من إنسانيته وأصبح يشعر أن الصهاينة أقرب إليه من البحرانيين، وأنه أكثر ثقة بهم لحمايته من الشعب المظلوم الذي غسل يديه تماما من الحكم الخليفي المجرم.
على مدى أربعة عقود عاصر بعض الرموز تضحيات شعبهم بأغلى ما يملك، ورأى بعينيه كيف امتدت أيدي الخليفيين لتنهش جسد الشاب اليافع جميل العلي لتعذبه بالمخاريز الكهربائية والمناشير حتى استسلمت الروح لبارئها واتشح جميل بوسام الشهادة. وماذا عن كريم الحبشي الذي ناله من التعذيب ما هشّم بدنه، فبادر الطغاة لإخراجه من السجن قبل أن يباغته الموت كما حدث لجميل، فأخرجوه ليموت خارج السجن بعد أسبوعين فحسب. ألم يستشهد محمد حسن مدن في غضون يومين من اعتقاله في إثر ما ناله من تعذيب لا يطاق؟ ما الفرق بينه وبين السيد علي أمين محمد الذي صعدت روحه إلى بارئها خلال 48 ساعة من اعتقاله في العام 1996. أوليس هذا ما حدث لكريم فخراوي في العام 2011؟ لقد أصبحت الثمانية والأربعون ساعة الأولى معيارا لمدى كثافة وجبات التعذيب التي يتعرض لها البحرانيون على أيدي الخليفيين. فما أطول قافلة الشهداء، وما أشجع هذا الشعب الذي تلد أرحام نسائه كوادر نضالية لا تنضب. فلطالما حلم الخليفيون، كما حلم فرعون قبلهم، بقدرتهم على اجتثاث ظاهرة موسى الذي كان عنوان الخير والصلاح. ولكن ضاعت أحلامهم سدى، كما ضاعت أحلام فرعون حتى انشق به البحر ومات غريقا إلى غير رجعة. فالضياع والخسارة والفناء الأبدي تلاحق الطغاة الذين ينازعون الله في حكمه، وينصبون أنفسهم أربابا من دون الله، ويسومون العباد سوء العذاب. أما الصالحون فلا طمع لديهم سوى الحصول على ما عند الله من خير وجزاء، يعيشون حياتهم متعبّدين لله بصمودهم ونضالهم وجهادهم، هادفين لإقامة العدل والتصدي للباطل، متوكّلين على الله الواحد القهّار.
مع بدء العام الجديد تتجدد مشاعر المواطنين تجاه رموزهم وأبنائهم المرتهنين لدى العدو الخليفي. فبعد شهر واحد سيستقبلون الذكرى الثانية عشرة لانطلاق أكبر ثورة في تاريخ البلاد، وأوضح مصداق لصواب رأي المصلحين خصوصا القادة المعتقلين. هؤلاء ضحوا بحريتهم من أجل تحقيق الإصلاح من خلال التغيير الجذري، ورفض سياسات الخداع والتضليل. هذه المرة لن يخدع أحد منهم بعد أن بلغ الاضطهاد ذروته، وبعد أن قرر الخليفيون مسارهم بتحالفهم مع أعداء الأمة واعتبار كل بحراني أصلي (شيعيا كان سنيا) عدوا أزليا لا يمكن الوثوق به. في هذه الأجواء يتعمق شعور الكثيرين تدريجيا بضرورة تصعيد العمل الثوري الهادف لتحقيق التغيير المنشود، وذلك بالاعتماد على النفس وعدم انتظار الدعم من أحد سوى الله سبحانه وتعالى، المقتدر الجبار. هذه المشاعر التي تجددت في العام الجديد عبّرت عنها المسيرات الكثيرة التي جابت شوارع البلاد وأزقتها، وهتف المشاركون فيها بسقوط الخليفيين وحياة الشهداء وعزّة الوطن. إنها ليست قصة خيالية بل واقع قائم يفرض نفسه يوميا بالسواعد المنتفضة من أجل الحق والحرية والكرامة. سيتواصل الحراك الشعبي بعون الله في العام الجديد، ومعه عمق الشعور بحتمية تحقق التغيير وانتهاء العهد الخليفي الأسود، والانتصار النهائي لقوافل الشهداء التي لا تتوقف. إن شعبا واعيا كشعب البحرين لا يمكن تركيعه أو خداعه أو دفعه للعمالة والتطبيع والتخلي عن مبادئه وقيمه. لقد تحمّل العناء والشقاء عقودا في ظل الحكم الخليفي المقيت، ويزداد ذلك العناء بعد استقدام الصهاينة للبلاد واستقواء الخليفيين بقوى الخارج على المواطنين الشرفاء الذين يأبون الضيم ويرفضون الخنوع، ويصرّون على الحق. لقد اصطفاهم الله لحمل الأمانة وأداء الرسالة فكانوا خير مؤتمن على ذلك، حملوها وهم صابرون محتسبون، فجزاهم الله خيرا ومتّعهم بالإيمان والنصر.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
6 يناير 2023