ضحايا الإعدام والتصفية الجسدية معالم على طريق الحرية
الاعتداءات الجسدية على سجناء الرأي البحرانيين ليست جديدة. ويكفي سرد اسماء الشهداء الذين استشهدوا تحت التعذيب ليتضح مدى هذه الاعتداءات التي تتجدد ولا تتوقف. فالخليفيون يعتقدون أن إدخال الخوف في نفوس المعتقلين السياسيين سوف يردع الآخرين ويخفف الضغط السياسي على نظام حكمهم المهتريء. ولذلك لم يحاسبوا يوما أيا من الجلادين الذين تلطخت ايديهم بدماء المعتقلين البحرانيين وبقيت سياسة “الإفلات من العقاب” سيدة الموقف، فلا صوت يعلو فوق أصوات الجلادين، ولا حصانة لمواطن بحراني اصلي، ولا عقوبة لجلاديه ومعذبيه. هذه الاعتداءات تكررت كثيرا حتى أدت لاسترخاص الدم البحراني، بينما لجأ الخليفيون، بدافع خوفهم من الانتقام الشعبي او تبعات جرائمهم الرهيبة، للاحتماء بالصهاينة، كآخر جدار يستندون إليه بعد ان فقدوا كافة أشكال الدعم السياسي من الشعب، أو القانوني من دستورهم الخاص الذي سعوا منذ العام 2002 لفرضه على الوطن والشعب بالقوة والإكراه. وما أصعب التعامل مع من يفقد بوصلته وحربه ويشعر بالضياع؟ ألم يعذبوا جميل العلي في 1980 حتى الموت؟ ألم يستشهد محمد حسن مدن في غضون يومين من اعتقاله؟ ألم يكسر فكّ عبد الهادي الخواجة على أيدي الجلادين؟ ألم تتعرض النساء للاعتداءات الجسدية والجنسية؟ ألم يتعرض عبد الجليل السنكيس للاضطهاد ابتداء بسحب عكازتيه لمنع حركته؟ فهل هناك من يشك في العداء الخليفي العميق للبحرانيين؟ هذا العداء له أول وليس له آخر، وسوف يستمر بشكل تصاعدي، خصوصا بعد استدعاء الطاغية وعصابته عناصر الامن الصهيونية لتسليطهم على السكان الإصليين (شيعة وسنة).
مرة أخرى سيحتفي البحرانيون بالذكرى السادسة لإعدام ثلاثة مواطنين أبرياء ظلما وعدوانا وجورا وحقدا. فقد استيقظ الشعب في صباح السادس عشر من يناير 2017 على خبر إعدامهم برغم المناشدات الدولية لعدم تنفيذ القرار الخليفي بالاعدام، الذي أقره الطاغية ووقع عليه بيده. كان الشهداء الثلاثة رابطي الجأش وهم يستقبلون الشهادة في ذلك الليل الشتوي: كان سامي مشيمع وعلي السنكيس وعباس السميع يعلمون أنهم أبرياء من التهم الزائفة التي وجهها لهم اليزيديون، كبراءة بقية الشهداء ابتداء بعلي عبد الهادي مشيمع وعلي المؤمن ومحمود أبوتاكي وسواهم. قضوا ليلتهم متلهفين للقاء الله مخضبين بدماء الشهادة، غير نادمين على شيء سوى استمرار الطاغية حاكما على شعب بطل. استقبلوا الموت بقلوب حية ونفوس توّاقة لما عند الله، ورفضوا التأوه او التململ إو إظهار أي نوع من الخوف، واستقبل كل منهم الرصاصات الأربع التي أمر طاغية الرفاع بإطلاقها على قلوبهم بنفوس مطمئنة وشوق للقاء الأحبة الذين سبقوهم إلى الشهادة. وفي غضون لحظات انتقلوا الى العالم الآخر وبدأوا يسردون ظلامتهم أمام الحاكم العادل الذي لا يظلم أحد عنده. في تلك اللحظات كانت جنوب البحرانيين تتجافى عن المضاجع، يدعون ربهم بالرحمة والغفران للشهداء الأبرار، والعار والفناء للقتلة. تلك اللحظات كانت ضرورة لتأكيد المفاصلة المطلقة مع السفاحين الذين استذوقوا القتل والتعذيب والإعدام. كانت لعنة التاريخ تطارد تلك العصابة التي تآمرت ضد البحرين، أرضا وشعبا، وتدعو الله المتقدر الجبار ان يمحقها وأن يأخذ الطاغية وعصابته أخذ عزيز مقتدر. وبعد ستة أعوام يظهر بجلاء من هو المنتصر، من الذي مات وهو حي، ومن الذي يعيش وهو ميت. فلله دركم يا شهداء الوطن ويا أغلى من أنجبت أرض أوال.
وقد ارتبط استذكار الشهداء الثلاثة بذكرى قتل ثلاثة آخرين بعد ثلاثة أسابيع في ظروف مشابهة. ففي يوم الخميس 9 فبراير 2017 تحل الذكرى السادسة لاستشهاد كوكبة من المواطنين الذين اضطرتهم ظروفهم الخاصة لركوب البحري هربا بأنفسهم من الطاغية. وقدمت الولاليات المتحدة المعلومات الخاصة برحلة قاربهم للعصابة الخليفية المجرمة، فأسرع سفاحوها باتجاه القارب الذي كان تحت رحمة الأمواج العاتية. وسرعان ما انقض السفاحون الخليفيون، مدعومين بالقوات الأجنبية عليهم ليرشوهم بوابل الرصاص على مسافة قصيرة، وفي غضون دقائق معدودة كانت أرواح ثلاثة من شباب البلاد ترتفع الى ربها مقتولة ومظلومة بأيدي الخليفيين. كان الشعب يراقب عن كثب ما سيجري لأبنائه الثلاثة الذين افتقدوا الأمن والأمان على تراب ارضهم، فهرعوا باحثين عن ملاذ آمن، بعيدا عن بطش الجلاد الخليفي وعصابته. كانت عيون الرادارات الامريكية التي اتخذت من البلاد قاعدة لأسطولها الخامس، تبحث عن الفارّين بنفوسهم من آلة القتل الخليفية. فقد رهن الخليفيون البلاد للأجانب الذين حوّلوها الى قواعد عسكرية لمواجهة شعوب المنطقة. وكان من الصعب الإفلات من تلك القوة الغاشمة التي عرفت بدعمها الدائم لعصابات الاستبداد والحكم الجماعي، بعيدا عن إجرامها وتضييع حقوق المواطن البحراني الذي يتعرض هو الآخر للتجويع والحصار والتنكيل والقتل. وعلى سطح الماء رسمت صورة جمالية رائعة بدا فيها الأبطال البحرانيون الثلاثة: رضا الغسرة وسامي مشيمع وعلي السنكيس على موعد مع القدر لتصعد أرواحهم مضرجة بدماء الأجساد الى بائها، ولتشكو اليه جور الخليفيين وصلافتهم وتعنتهم كان هدوء تلك الليلة الشتوية يصم الآذان، وفجأة انطلقت زخات الرصاص الهائج مصوّبة إلى رؤوس الأبطال، لتقتلهم بدون رحمة وسط ذلك البحر الذي احتفظ بتفصيلات ذلك العدوان الخليفي حتى اليوم.
أمران واضحان جسدتهما الوقائع المذكورة. أولها ان سجون الخليفيين لا تطاق من حيث التوحش وانعدام الإنسانية وتسليط الأشرار على الأخيار، واستخدام الوحوش البشرية لنهش أجساد الآدميين. ثانيها: اضطرار بعض السجناء السياسيين لمحاولات الفرار من السجن بأية وسيلة بدافع فطرة حب الحياة وكراهية الظلم والإهانة. ثالثها: أن الخليفيين طالما استرخصوا أرواح البحرانيين فقتلوهم تارة بالتعذيب، وأخرى بالرصاص الحي وثالثة بالإعدام. هذا جانب من مسيرة النضال الوطني الطويلة الممتدة على مدى مائة عام والمرشحة للاستمرار ردحا أطول حتى يحكم الله بين الطرفين وهو أحكم الحاكمين. الأمر المؤكد ان العلاقة بين الطرفين، البحرانيين والخليفيين لن تتحسن يوما، بل ستزدد توترا بعد أن مزجها الخليفيون بالدم. وعندما يحتفي المواطنون بذكريات الشهداء سواء الذين قتلهم الخليفيون في البر ام البحر فستتعمق مشاعر كراهية الحكم الخليفي. هذه الكراهية يسعى الخليفيون للادعاء بأنها “نتيجة التحريض” الذي تنسبه للنشطاء والواعين والرموز وكل معتقل سياسي يمارس دورا ضد الاستبداد. ويحاول الخليفيون ومعهم داعموهم من الطامعين والانتهازيين تكرار مقولاتهم حول أسباب كراهية نظام الحكم الخليفي. ويتجاهل هؤلاء أن كل طلقة نارية يوجهها السفاحون الخليفيون إلى صدور البحرانيين تتحول الى مصدر غيظ وغضب وكره للعصابة التي لم تعرف طوال تاريخها سوى القتل والتعذيب والإعدام. لقد كان بإمكانهم الاكتفاء بسجن الكوكبة الأولى من معتقلي الرأي الذين أمر الطاغية بإعدامهم ولكنه فضّل أن يشفي غليله بأن يرى الرصاصات الأربع التي أطلقت على كل منهم قد خرقت أجسادهم وخرجت من الخلف. إنه مخلوق سادي لا يرقى لقسوته أكثر الحيوانات توحشا. كان بإمكان الخليفيين وداعميهم إلقاء القبض على الشباب الفارّين بأرواحهم في المياه الدولية. ولكنهم استخدموا المعلومات التي حصلوها من القوات الأمريكية لاستهداف الثلاثة وقتلهم وهم: رضا الغسرة ومحمود يوسف ومصطف يوسف.
اللهم يا من لا شيء يحجب دعوات المظلومين عنه، استجب لاستغاثات أمهات هؤلاء الشهداء ليلا ونهارا وامحق هؤلاء الطغاة، وخذهم أخذ عزيز مقتدر. اللهم فرّقهم تفريقا، ومزّقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
13 يناير 2023