الفجر آت مهما ادلهم الليل، فذلك وعد الله
يصعب الاعتقاد بإمكان أنظمة الاستبداد والقمع البقاء في ما لو تكن مدعومة من القوى الطامعة في الهيمنة والاستغلال. بل يمكن القول ان هذه الانظمة مطلوبة من قبل تلك القوى التي لا ترغب بحدوث تغيير سياسي جوهري في العالمين العربي والاسلامي. ويلاحظ هنا ان الغربيين تقاسموا الأدوار لتخفيف الانتقاد والاتهام من قبل القوى الوطنية المطالبة بالتغيير والتحول الديمقراطي. فمن جهة هناك مؤسسات المجتمع المدني او المنظمات غير الحكومية التي سمح لها بالتعاطي مع قضايا الاضطهاد والقمع والانتهاكات الحقوقية، بما يبدو انه دعم لقوى التغيير. وما أكثر التقارير والبيانات والمواقف التي تصدرها هذه الجهات، كمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووج وفرونت لاين وسواها. حتى ليتساءل البعض أحيانا عن دوافع هذه المنظمات للقيام بذلك. والجهة الثانية تتمثل بوسائل الإعلام التي تبدو أكثر استقلالا في شجب الانظمة الاستبدادية، بناء على الدوائر الواسعة المرسومة لها. اما الطرف الثالث في الدوائر الغربية فيتمثل بالحكومات التي لا تتعاطى مع قضايا شعوب عالمنا إلا ضمن ما تمليه مصالحها. هذه الحكومات لها مواقف واضحة: التعامل الكامل مع الانظمة بدون تحفظ او تردد او شجب. وحتى في أحلك الظروف عندما تتصاعد جرائمها، لا يتجاوز الشجب بضعة تصريحات مؤقتة لا تلبث حتى تختفي.
هنا يجب ملاحظة ان الطرف المؤثر فعلا هو الحكومات. وفي السابق كانت حكومات المنطقة تتأثر بالصور السلبية التي تلتصق بها نتيجة صدور التقارير الحقوقية والاعلامية السلبية. ولكن مع تغول هذه الانظمة وازدياد قمعها ومأسسة وسائل التنكيل والتعذيب والقمع، وتوسع دوائر ا لمعارضة أصبحت أقل اهتماما بما يقال عنها. وهذا لم ينجم عن فراغ، بل الأرجح انه توجيه من أصحاب القرار في الحكومات الغربية: سنحميكم في كل الظروف ولا يهمنا ما يقال عنكم حقوقيا إو إعلاميا. ومع تراجع الدور الغربي على المستوى الدولي، تصاعد دور أنظمة القمع، وأصبحت طموحات بعضها يتجاوز ححم الكيان السياسي للبلدان. فالإمارات مثلا تمارس ادوارا سياسية وتوسعية تفوق حجمها البشري والعسكري. فلديها من المال ما يساعدها على شراء ا لموقف وتوسيع دوائر النفوذ حتى اصبحت تدير عددا من الموانيء عند منطقة باب المندب، بل اصبحت الامارات تتحكم في مصر، الدولة العربية الكبرى التي كانت لولب العمل السياسي العربي قبل ظهور عصر الفساد والسقوط السياسي. ومع تراجع الحظوظ الاقتصادية للغربيين، أصبح للدول النفطية مجال أوسع للتأثير عليها. صحيح ان المحصلة النهائية للتوازن السياسي لا يمكن ان يكون لصالح الانظمة الصغيرة، ولكن الغربيين يرون في ما يجري أمرا مناسبا لاستراتيجياتهم. فأخطر ما يخشونه إمساك الشعوب بزمام الأمور من خلال ا صناديق الاقتراع في ظل انظمة حرة وديمقراطية. وإذا أضيف البعد الاسرائيلي للمعادلة يتضح المشهد بشكل أكبر. هنا تم فرض الكيان الصهيوني كلاعب سياسي أساسي في المنطقة، وبشكل تدريجي تم شيطنة إيران بمستوى غير مسبوق.
هذه الفرضية لتوصيف السياسة الغربية تجاه المنطقة خصوصا في إطار التحول الديمقراطي، يمكن تعميمها لتشمل الاتحاد ا لاوروبي أيضا. هنا أعطي البرلمان الأوروبي صلاحيات واسعة في الشجب والتنديد والاستهداف الكلامي لانظمة الاستبداد، وأصبح يصدر البيانات الشديدة ضد ممارسات تلك الانظمة، حتى ليخيّل للمراقب الذي لا يستوعب حقيقة الأمر ان أوروبا ستقوم بإسقاط النظام السياسي في هذا البلد او تلك وذلك من خلال لغة الشجب والتنديد القوية لبيانات البرلمان الأوروبي. لكن هذا البرلمان، كما هي المنظمات الحقوقية والاعلامية لا تملك آليات مناسبة لتنفيذ قراراته. فقد أصدر قبل شهرين مثلا بيانا شديد اللهجة ضد الخليفيين وطالبهم بالافراج الفوري وغير المشروط عن الناشط الحقوقي والمناضل السياسي عبد الهادي الخواجة. هذا الإنسان البطل يحمل جنسية دنماركية بجانب جنسيته البحرانية. هذا البيان لم يؤثر شعرة واحدة في السياسة الخليفية، بل ان العصابة الحاكمة في البحرين صعّدت الموقف ضد الخواجة وأصدرت أحكاما بالسجن إضافية، بدلا من إسقاط القضايا ضده وكلها مرتبطة بحرية التعبير والموقف. وبموازاة البرلمان الاوروبي الذي ترأسه المفوضية الاوروبية، وهي كيان شبه حكومي لكنه عديم الصلاحيات على ارض الواقع، وينحصر دوره بإظهار توحد دول الاتحاد وديمومة المنظومة الاوروبية. اما السلطة الحقيقية القادرة على اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات فهي حكومات دول الاتحاد الاوروبي، فهي التي تملك كافة وسائل الدولة وامكاناتها. هذه الدول تمارس دورها السياسي والدبلوماسي وفق مقولات الدبلوماسية الدولية ولا تخرج عن الأطر التقليدية للتعامل بين الدول.
في هذه الفسيفساء السياسية والفكرية والقيمية، يتحرك القادة الغربيون في تعاملهم مع انظمة المنطقة بحرية مطلقة وبدون الخشية من محاسبة سياسية او قيمية لعلاقاتها مع اشد الانظمة قمعا. فتفتح السفارات ويتم تبادل السفراء وتجرى اللقاءات الثنائية والجماعية مع تلك الانظمة. بل ان لدى الاتحاد الاوربي لقاءات منتظمة مع حكومات مجلس التعاون الخليجي تناقش اوجه ا لتعاون السياسي والاقتصادي، وحتى الحقوقي. لكن هذا الجانب لا يحظى بأهمية حقيقية في سلم أولويات تلك الحكومات. بل ان بعض هذه الدول قام بتسليم بعض المعارضين ا لبحرانيين اللاجئين إلى عناصر التعذيب الخليفية، هذا ما فعلته حكومتا هولندا وجمهورية الصرب. فقد سلمت صربيا المعارض البحراني أحمد جعفر الذي لجأ الى اراضيها. وما أن حطت قدماه ارض البحرين حتى اعتقل وعذب بوحشية، وما يزال في الزنزانة يقضي عقوبة جائرة بالسجن مدى الحياة. المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أصدرت حكما بعدم قانونية التسليم، ولكن السلطات الصربية لم تلتفت لذلك. ومن المرجح ان التسليم كان في مقابل أموال إماراتية ووعود بصفقات اقتصادية كبرى. كما ان المحكمة الأوروبية، كغيرها من مؤسسات الاتحاد الاوروبي، لا تملك آليات فاعلة لتنفيذ قراراتها. فليس لدى دول الخليج سوى النفط والمال، وهي تستخدم ذلك بشكل متزايد لتمرير سياساتها وتقوية مواقعها التفاوضية مع دول الغرب. يضاف الى ذلك ان أغلب النخب الحاكمة لا تقف على أرضية أخلاقية عالية، وليس لديها رؤية استراتيجية مؤسسة على المباديء والقيم والأخلاق. وإلا ماذا يعني إصرار الملك البريطاني، تشارلز، على استمرار مؤسسته الخيرية في العمل مع العصابة الخليفية في البحرين؟ فما تملكه العائلة المالكة من الممتلكات ثروة عملاقة، وليست بحاجة للمال الذي يتوفر من خلال علاقات مع الخليفيين الذين ولغوا في دماء أهل البحرين، والذين تراكمت التقارير الدولية التي تؤكد ممارساتهم غير الانسانية.
هذه الوقائع مؤشر لطبيعة السياسات الغربية التي لا تراعي الشعوب او تتطلع لحمايتها، وليست مخلصة حتى لمشروعها الذي تروّج أنه مرتبط بالديمقراطية وحقوق الانسان. إن هذه السياسات تتناقض مع الرغبة في إشاعة أمن العالم واستقراره، ودعم الأمن والسلم الدوليين. وهل عانى العالم في قرنه الأخير إلا من أنظمة الاستبداد والديكتاتورية؟ هذه الأنظمة تخضع لإرادة فرد او عائلة او حزب ولا مكان فيها لإرادة الشعوب وتطلعاتها. لذلك يستمر اضطهاد هذه الشعوب، وتبقى سجونها مكتظة بمعتقلي الرأي، وتلوذ دول الغرب بالصمت في أفضل الأحوال، بل قد تمارس سياسات تدعم “الأنظمة الصديقة”. هذا لا يعني نهاية المطاف لحركة التاريخ التي طالما شهدت سقوط مثل هذه الأنظمة. وإذا كان الغرب قد تخلى عن موقفه الإنساني بشكل مخجل في مثل هذه الأيام قبل 11 عاما، عندما كانت ثورات الربيع العربي في أوجها، فإنه قد أسس لواقع مرير لن تنحصر شرورة بالشعوب المضطهدة، بل سيعاني العالم من تبعات ذلك. وما المخاضات التي تشهدها المنطقة من خلال الانتفاضات داخل السجون وارتفاع صرخات الاستغاثة من أمهات الضحايا القتلي والمسجونين إلا تأسيس لحركات شعبية مقبلة سيطال غضبها كل المشاركين في الاضطهاد والقمع والاستبداد. ومن المؤكد، طبقا للوعد الإلهي، حدوث تغيير جوهري في البحرين في وقت غير بعيد بعد ان بلغ السيل الزبى وطفح الكيل وبلغت القلوب الحناجر. هذا الوضع المأساوي مقدمة للفرج الإلهي بعون الله تعالى: حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا، أتاهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
27 يناير 2023