في رحاب الذكرى الثانية عشرة لثورة 14 فبراير المحكمة العليا البريطانيا توجه صفعة موجعة للحكم الخليفي
يستعد الشعب البحراني وقواه السياسية والحقوقية للاحتفاء بالذكرى الثانية عشرة لثورة 14 فبراير المظفرة بإذن الله تعالى. وفيما بدأ الثوار وضع خطط التحرك الميداني ضد العصابة المحتلة، قام المعارضون خارج الحدود بفعاليات عديدة لدعم التحرك الشعبي من جهة وبث ظلامة الشعب للعالم من جهة أخرى، وتكثيف الضغوط على العصابة الحاكمة ثالثا. وبدا واضحا ان الحماس للذكرى كان كبيرا وواسعا ومتعدد الوجوه. ويبقى الشهداء على قمة الاهتمام المحلي خصوصا من عائلاتهم ومن الجهات الحقوقية المهتمة بمتابعة ملفات الاضطهاد والقمع والتنكيل. في هذه الأثناء تبدو الذكرى حدثا كبيرا يفرض نفسه على الجميع، ويدفعهم لاستعادة ذكريات الربيع العربي ودوار اللؤلؤة والوجوه الأخرى للثورة. هذه جميعا تدفع الشباب الثائر لاستعادة الشعور بالرفعة والسمو والحرية، كما تدفع البعض لاعادة فتح الملفات السوداء ا لتي ارتبطت بأجواء الثورة كالاعتداءات ا لخليفية المسلحة على ا لمتظاهرين في دوار اللؤلؤة، واستشهاد العديد منهم، والاعتقالات الجماعية والتعذيب حتى الموت، واستقدام قوات الاحتلال السعودية والاماراتية، واعتقال الرموز وهدم المساجد وفرض الاحكام العرفية وحالة الطواريء واحتلال مستشفى السلمانية واعتقال الطواقم الطبية. وجميعا جرائم يندى لها جبين الا نسانية.
لذلك يعتبر الاحتفاء بالذكرى تجديد عهد لتعاهد بين الأطراف الثورية التي ساهمت في ترسيخ الثورة كظاهرة ارتبطت بتاريخ البحرين المعاصر، ويتوقع استمرار ذلك في السنوات المقبلة. كما يؤكد هذه الاحتفاء بقاء القضية ساخنة في نفوس الكثيرين برغم القمع والاضطهاد واستقدام الاجانب للاستعانة بهم على أبناء البحرين. إنها فرصة تاريخية للأحرار من أبناء الشعب لإظهار قدر من الارتباط بهذا التاريخ الوطني القريب واعتبارة ممثلا عن الوطن والشعب وضرورة اقتضتها مهمة التمييز بين الخبيث والطيب، ليظهر الخبثاء على حقيقتهم ويستمر المناضلون الطيبيون في طريق ثورتهم بوضوح. ويتوقع توسع الاهتمام بالمناسبة خصوصا مع اقترابها وشعور الكثيرين بضرورة إعلان الانتماء إليها من قبل المواطنين. فقد كانت ثورة البحرين تجليا لمواقف وطنية وإنسانية ومبدئية غير مسبوقة، خصوصا في جانب الالتفاف الوطني الذي سبق انطلاقتها واستمر شهرا كاملا تخندق المشاركون خلاله في دوار اللؤلؤة. ويكفي للتدليل على أهمية ذلك التجمع إقدام العصابة الخليفية على هدم نصب اللؤلؤة الذي كان يمثل الدول الست بمجلس التعاون الخليجي. فقد كان التجمع وما تخلله من فعاليات شارك فيها الآلاف من المواطنين استفتاء شعبيا شاملا ضد الحكم الخليفي أدخل في نفوس الطاغية وعصابته الغضب والحقد ودفعهم للانتقام من الشعب على أوسع نطاق. مع ذلك ما تزال مشاهد التجمعات والتظاهرات التي حدثت ماثلة في الأذهان لن تُمحى من الذاكرة أبدا.
في هذه الأثناء وجهت صفعة قوية جديدة للعصابة الخليفية هذا الأسبوع بصدور قرار قضائي أماط لثام “الحصانة الدبلوماسية” عنها بشكل فاضح. فلم تعد قادرة على الاستمرار في عدوانها الإجرامي على اللاجئين البحرانيين في الخارج. فبعد سنوات من رفع قضية قضائية ضدها من قبل معارضين معروفين بعد ان تجسست على اجهزة الكومبيوتر التابعة لعدد منهم، أصدرت المحكمة العليا البريطانية قرارا برفض الطلب الخليفي منح افراد تلك العصابة وعملائهم “حصانة دبلوماسية”. ففي العام 2014 رفع الناشطان موسى عبد علي و د. سعيد الشهابي قضية ضد حكومة البحرين بعد ان ثبت ضلوعها في اختراق جهازيهما. جاء ذلك بعد ان استطاع خبير الكتروني الحصول على 60 وثيقة تؤكد استخدام عناصر الأمن الخليفي نظام تجسس يطلق عليه “فين فيشر” طورته شركة “جاما” الألمانية. ونشرت منظمة “الشفافية الدولية” تقريرا أكد ذلك بشكل قاطع. وشجع نشطاء حقوقيون دوليون ضحايا الاختراق الخليفي على رفع قضية ضد الخليفيين امام المحاكم البريطانيين، ففعلا ذلك. وقبل عامين جرت المرافعات في اروقة المحكمة العليا بمنطقة “هولبورن” حضرها عدد من النشطاء والاعلاميين. ومنذ انتهاء المرافعات كان الضحيتان ينتظران قرار المحكمة. وأخيرا أصدرت المحكمة قرارها هذا الأسبوع.
القرار القضائي رفض المرافعات الخليفية التي كلفت الشعب البحراني أموالا هائلة نهبها الطاغية وعصابته لهدف قذر: إضفاء شرعية قضائية على جرائمه التي يرتكبها يوميا ضد البحرانيين. فما أكثر أجهزة الكومبيوتر والهواتف الذكية التي وضعها تحت رحمة الجواسيس والعملاء لهتك ستر المواطنين الأبرياء، وما أكثر الذين تعرّضوا للاعتقال والتعذيب والاحكام القاسية نتيجة تلك الأساليب القذرة. وطوال هذه الفترة اعتقد الخليفيون أن بإمكانهم تضليل القضاء البريطاني بمقولاتهم التافهة، ولكن هذه المحاكم صفعتهم بقوة ورفضت تبريراتهم.
اعتمد الخليفيون على مقولتين لرفض الشكوى التي قدمها اللاجئان البحرانيان. الأولى ان لدى كيانهم “حصانة دبلوماسية” تحميهم من المقاضاة والثانية أن الضحايا لم يصابوا بأضرار جسدية. وقد تعرض الإدعاء العام لتفنيد تلك الدعاوى. وفي النهاية أصدر القاضي “السيد نولز” قراره الذي رفض فيه قبول الحصانة الدبلوماسية سببا لرفض الشكوى ضدهم. وقال: صحيح ان الخليفيين قاموا بالتجسس من أرض البحرين، ولكن الضحايا مواطنون بريطانيون، وان نتائج ما فعلوه حدثت في الأرض البريطانية، وفي ذلك تعدٍّ على السيادة البريطانية. وهنا يسقط مبدأ الحصانة الدبلوماسية. والذريعة الثانية التي قدمها الخليفيون أن الأضرار كانت “نفسية” وليست جسدية، وبالتالي فهي ليست أضرارا واضحة. وهنا قدم القاضي تقارير الأطباء النفسيين المتخصصين ليؤكد عدم وجود فرق بين الضرر المادي والنفسي، فالضحية تعرض لأضرار، وان القيام بها انتهاك للقانون. ويتوقع ان يواصل الخليفيون سلبهم المزيد من أموال الشعب لدفع تكاليف الاستئناف التي قالوا انهم سيقومون بها. وما لم يحدث تدخل سياسي للضغط على نظام القضاء (وهذا مستبعد جدا) فسيكون الفشل حليف العصابة الخليفية انشاء الله، وسيكون في ذلك عبرة لمن ينوي الشر للبحرانيين المظلومين. وسيشجع ذلك الكثير من الضحايا على مقاضاة مرتكبي جرائم الاختراق والتجسس غير المشروع على المواطنين.
هناك دروس كثيرة من هذه القضية سيسعى النشطاء لاستيعابها لتعينهم على التصدي للجرائم الخليفية في المجال الالكتروني. ومن هذه الدروس ما يلي: اولا: أن هناك حدودا للقوة الخليفية والنفوذ، وأن ذراعهم مهما امتدت فإن الذراع الإلهية أطول وأقوى (والله أشد بأسا وأشد تنكيلا). ثانيا: أن استهداف المعارضين بالتجسس سياسة ثابتة في السياسات الخليفية منذ زمن. فقد سعوا كثيرا للضغط على الدول التي تمنح البحرانيين حق اللجوء السياسي وحاولوا شراء مواقف حكوماتها بالمال النفطي الذي توفره الامارات والسعودية وينهب الخليفيون بعضه من أموال الشعب. وقد قام بعض هذه الدول بتسليم مواطنين بحرانيين في مقابل المال. ثالثا: أن قرار المحكمة أظهر حدود القدرات الخليفية برغم الدعم الخارجي غير المحدود، وستبقى معوّقا للأطماع السياسية لدى الحكومات الاستبدادية. رابعا: أن بإمكان أي مواطن تعرض لضرر مادي او نفسي على أيدي الحكومة الجائرة يستطيع رفع قضايا ضدها أمام القضاء الدولي وسيكون لديه نصيب كبير من النجاح خصوصا اذا كانت القضايا ذات طابع حقوقي او جنائي.
لقد جاء قرار المحكمة متزامنا مع بدء فعاليات الاحتفاء بذكرى الثورة ليزيدها حماسا وليؤكد للشعب أن ذلك بداية النصر الحاسم على الحكم المارق الذي فقد شرعيته وأصبح عليه ان يسلم السلطة للشعب. سيتحقق ذلك بعون الله وإن تأخر، وسيحتفي الوطن والشعب بذلك وتقر عيون الشهداء والقادة المغيبين وراء القضبان، وسيكون ذلك عطاء إلهيا وتنفيذا صادقا لوعد الله: “ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين، إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون”.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
10 فبراير 2023