صمود الشعب والوطن هزم الاستبداد والغزو
أكدت حوادث الشهر الماضي وتطوراته عمق الوعي الشعبي البحراني من جهة، وإصرار الجماهير على الاستمرار في طريق الثورة حتى النصر من جهة ثانية، وعمق الوعي الشعبي إزاء أساليب التضليل والتشويش التي تمارسها العصابة الحاكمة ثالثا. فقد جدد المواطنون عهدهم بثورة 14 فبراير، واستحضروا أيام النهضة في دوار اللؤلؤة والاعتداءات الدامية التي تعرضوا لها تارة بأيدي القوات الخليفية وأخرى بدعم قوات الاحتلال السعودية والاماراتية. ضمن هذه المشاعر المفعمة بالإيمان والإباء، تعددت فعاليات البحرانيين في الداخل والخارج. فكانت هناك المسيرات التي لم تتوقف على مدار أسبوع والتي انتشرت في أكثر من عشرين مدينة وقرية. كان الهم واحدا، والشعار ثابتا: الشعب يريد إسقاط النظام. عجيب أمر هؤلاء البشر الذين لم يزدهم القمع الخليفي إلا إصرارا وصمودا واستبسالا. لقد استحضروا صور البطولة التي سجلها شهداؤهم الأبطال ابتداء بشهيد الثورة الأول، علي عبد الهادي مشيمع مرورا بشهداء الدوار مثل علي المؤمن وصولا الى الذين استقبلوا رصاص الغدر الخليفي بصدورهم العارية كما فعل الشهيد عبد الرضا بوحميّد. هذه الذكريات عمّقت في النفوس كراهية الحكم الخليفي الذي أكد عداءه لكل ما هو بحراني ووطني، وأصبح أكثر التصاقا بالخارج وأعمق ولاء لمحتلي فلسطين. هذه المشاعر ساهمت في بلورة برنامج حافل بالفعاليات لإحياء الذكرى الثانية عشرة لثورة 14 فبراير. فلم يكن الخوف معوّقا للشباب او النساء الذين خرجوا يوميا رافعين لافتاتهم وهاتفين بشعاراتهم. كما لم يكن الخوف يدخل في نفوس الذين زاروا قبور الشهداء وقرأوا القرآن عندها، وجددوا العهد معهم على الاستمرار في طريق الثورة حتى يتحقق التغيير المنشود.
إن الإيمان المختزن في نفوس البحرانيين يفوق تصور أعدائهم الذين ما فتئوا يظنون أن بإمكانهم بث الرعب في النفوس وردع الأبطال عن مواصلة درب الثورة والتمرد. وزير الداخلية الخليفي أصبح اليوم مستهدفا من قبل ضجاياه الذين يصرون على مقاضاته ولو نزل الى السماء السابعة، لان دماء أكثر من 250 شهيدا مزقهم الحقد الخليفي بأوامرة ليست رخيصة، بل تحولت الى مصدر زخم دائم يدفع الشباب الى النهوض. والملاحظ هنا ان الكثيرين ممن شاركوا في الاحتجاجات الاخيرة كانوا أطفالا صغارا عندما اتطلقت الثورة قبل انثي عشر عاما، وبعضهم لم يتجاوز الخامسة آنذاك. هذا يعني ان روح الثورة قد انتقلت عبر الأجيال وصاغت عقليات جديدة ترفض بشكل مطلق القبول بالحكم الخليفي الدموي الذي لا يضاهيه حكم خليجي آخر من حيث توحشه وحقده وساديته. كما ان مشاعر الإباء والشهامة والكرامة كانت من بين دوافع الكثيرين للمشاركة بعد ان تم توثيق جرائم أخلاقية وجنسية ارتكبها الخليفيون بدون خجل او إنسانية. كما تعمّق إيمانهم باستحالة إصلاح البيت الخليفي بعد ان رأوا ان سياسات رئيس الوزراء الحالي الذي يعتبره الخليفيون ولي عهدهم، لا تختلف في قمعها وتوحشها عن سياسات حكومة المقبور خليفة بن سلمان، فهل يمكن التعويل على إصلاح الحكم الخليفي يوما؟
الأمر الثابت ان دور المراة البحرانية في الحراك الثوري فاق التصور من حيث البطولة والإباء والإصرار والتحمّل. فلا تمر ليلة إلا وتقف النساء على الشوارع العامة رافعة صور السجناء السياسيين ومطالبة بالإفراج الفوري وغير المشروط عنهم. هذا موقف لا يمكن التقليل منه لانه يحدث في ظل حكم لا يؤمن إلا بالرصاص والقتل والإعدام. وهكذا جدد المواطنون عهدهم بثورتهم المظفرة وشهدائهم الخالدين ورموزهم المعتقلين. فقثد كانت صور الاستاذين حسن مشيمع وعبد الوهاب حسين والدكتور السنكيس ترفع في الاحتجاجات، ومعها صور سماحة الشيخ علي سلمان. لقد ألّفت المحنة بين هؤلاء الأبطال الأشاوس وأضعفت بريق الحكم الخليفي،
وعمّقت صورته كعدو تاريخي للبحرانيين الأصليين (شيعة وسنة). إنها واحدة من الفرص التاريخية التي تزيل الغموض عن الموقف وتكشف الحقيقة بوضوح، وتفشل مشاريع التضليل الخليفية. لقد انتفض المارد البحراني مجددا، مدفوعا هذه المرة، كما في المرات السابقة، بالإيمان والثقة بالنفس والتوكل على الله وأن الله لا يضيع عمل المؤمنين وأنه ناصر المستضعفين وقاصم الجبارين.
وللشعب موعد آخر هذا الشهر، مع ذكرى الاحتلال السعودي – الإماراتي الغاشم. بدأ هذا الاحتلال بعد شهر واحد من انطلاق ثورة 14 فبراير، باجتياح عسكري غاشم اقتحم البلاد عبر الجسر بين البحرين والجزيرة العربية، وعاث في الأرض فسادا وقتلا وتهديما. فبعد يومين فحسب من ذلك الاحتلال تم الاعتداء على المرابطين بدوار اللؤلؤة، وقتل العديد من المواطنين في تلك الليلة السوداء. وشاركت قوات الاحتلال في استهداف المتظاهرين، وبقيت هامة الشهيد أحمد فرحان المفضوخة علامة بارزة للاحتلال وشهادة دامغة على توحش المعتدين. وبعد أيام فحسب وفرت قوات الاحتلال الدعم العسكري والأمني لتسهيل جريمة اعتقال الرموز، وبقي هؤلاء الأبطال وراء القضبان حتى اليوم، وما أشنعها من جريمة قبيحة. هذا الاحتلال العسكري دفع لإعلان أحكام الطواريء على البلاد التي وفرت فرصة للخليفيين وداعميهم لارتكاب البشاعات بحق البلد وأهله. فبدأ هدم المساجد بحقد وإجرام. فتم هدم حوالي 40 مسجدا ومبنى دينيا في اكبر عدوان خليفي على الشعب ومقدساته وهويته. وبموازاة ذلك أقيمت المحاكم العسكرية لتصدر أحكامها التعسفية بحق المئات من الأحرار في خطوة فاشلة سرعان ما أرغم الطاغية على شرب سم إلغائها بعد ان كادت تسقط حكمه المتصدع. هذا الاحتلال العسكري الغاشم لم ينته بعد، بل أصبح عنوانا للشرور التي ارتكبت بحق البحرانيين طوال الاثني عشر عاما الأخيرة، وستظل وصمة عار في جبين المحتلين.
بعد اثني عشر عاما من الثورة والاحتلال كيف تبدو الصورة في بلد اعتاد شعبه الثورات منذ مائة عام؟ كيف ينظر الثوار والرموز المعتقلون والنشطاء خارج الحدود لآفاق التغيير وسط عالم يتجهم للحرية والحقوق بعد ان أصبح اكثر اهتماما بالمصالح وليس المباديء؟ وإلى أين تتجه سفينة التغيير في منطقة الخليج التي استعصت على التغيير والتطوير وتصر على البقاء في حالة تخلف سياسي مستمر؟ وإلى أين تسير سفينة التطبيع مع محتلي فلسطين خصوصا في البحرين التي يرفض سكانها الاستسلام للخيانة الخليفية الخبيثة؟ هذه أسئلة مشروعة تحظى باهتمام العناصر القيادية في الحراكات الشعبية في البحرين وبقية دول مجلس التعاون الخليجي. الأمر المؤكد ان سياسا ت القمع والإلهاء والإفساد أصبحت معوّقا امام التغيير ولكنها ليست حاسمة. بل من المتوقع ان تتجدد الإرادة الشعبية لوقف التداعي السياسي والتراجع الأخلاقي في المنطقة، ولن تسمح للعابثين بهويتها فرض أجندتهم التخريبية على المواطنين. وهنا مطلوب من النخب الثقافية والمرجعيات الدينية والفعاليات الشعبية العودة للتركيز على القضايا الإنسانية والدينية كأسلوب لأعادة الاهتمام بالوعي والحفاظ على الهوية التي كانت دائما من أسباب الوعي والدافع للحراك. لقد فشلت سياسات القمع الخليفية في كسر شوكة الشعب وإرادته، ولم تنجح سياسة التدخل العسكري من قبل السعودية والإمارات، بل انتقلت عدوى الحراك الشعبي ألى تلك البلدان. ويوما بعد آخر يزداد الوضع توترا بسبب إصرار الانظمة الاستبدادية على القمع والعمالة والتطبيع كوسائل تستعين بها من أجل تركيع المواطنين. وتصر هذه الانظمة على بث ثقافة الاستهلاك بين المواطنين لإشغال الناس بالتسابق على المغريات المادية وتهميش التوجهات نحو التغيير. مطلوب من الميدانيين كذلك مواصلة طريق النضال السلمي بالحضور المتواصل في الساحات لإبقاء جذوة الثورة مشتعلة.
أيها الثائرون: استبعينوا بالصبر والصلاة، وتوكلوا على الله، وابتغوا إليه الوسيلة، واعلموا ان الله ينصر عباده المؤمنين ويقصم الجبارين وينتقم من الظالمين، ولن يتخلى عن المظلومين لحظة طالما تواجدوا في الميادين ورفضوا الخنوع والاستسلام للطغاة والظالمين والعملاء.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
24 فبراير 2023