صمود الوطن والشعب بعد 12 عاما على الاحتلال السعودي – الإماراتي
ما المكسب الذي حققه الخليفيون من الدورة الأخيرة لسباق السيارات التي نظمتها مؤسسة “فورمولا 1” في البحرين يومي السبت والأحد الماضيين؟ صحيح ان بعض المهتمين بالسباق ربط بين البحرين والسباق، وهو أمر إيجابي للطاغية، ولكن الإعلاميين الذين قاموا بتغطية الحدث كانوا مشدودين للوجه القبيح للخليفيين: الاضطهاد وانتهاك حقوق الانسان والتعذيب. ولم تقصّر المنظمات الحقوقية في القيام بدورها. فقالت منظمة هيومن رايتس ووج ان إدارة فورمولا 1 ساهمت في “الغسيل الرياضي” الذي سعى الطاغية وعصابته لتحقيقه، وذلك باستخدام الرياضة للتعتيم على الانتهاكات. وتحركت منظمة “بيرد” في هذا الاتجاه أيضا. كما ان ما فعله ضحايا الخليفيين لم يكن قليلا. فقد اعتصم أربعة أشخاص، امرأتان ورجلان، بالقرب من حلبة السباق وأحرجوا العصابة المجرمة التي قامت باعتقالهم وتهديدهم. وهكذا كثفوا الاتهامات لمنظمي السباق بالشراكة في الجرائم. وكان الطفل أحمد، نجل البحراني الأصلي محمد رمضان، المحكوم ظلما بالإعدام، نجما آخر في فضاء تعرية الحكم الأسود، وذلك بمخاطبته نجم السباق الدولي، لويس هاميلتون للتدخل لمنع إعدام والده. وهناك 25 آخرون مهددون بالإعدام، فجاءت هذه التحركات لترغم الطاغية على وقف تنفيذ تلك الأحكام الجائرة. وهكذا فما أن يحاول الطاغية وعصابته الإمعان في “الغسيل الرياضي” حتى يصابوا بخيبة أمل ستظل تلاحقهم حتى يسقط عهدهم الأسود. فالشعب الذي فجّر أكبر ثورة في تاريخه لن يهزمه الطغاة بهذه الألاعيب والأساليب الرخيصة.
لقد أصيب الخليفيون بصدمة كبيرة عندما استضافت دولة قطر دورة كأس العالم الأخيرة، وحققت لنفسها سمعة دولية إيجابية، ويسعى الخليفيون لمنافسة قطر باستضافة اجتماع الاتحاد البرلماني الدولي الاسبوع المقبل. ويسعى الطاغية لاستخدام ذلك الحدث كدليل على استقراره وحسن سمعته. ولكن ضحاياه كانوا واعين لذلك منذ فترة، وقد تواصلوا مع العديد من البرلمانات الدولية لإطلاعها على حقيقة الوضع في هذا البلد المبتلى بهذا النظام البشع. وقال أغلب البرلمانيين أنهم يحضرون المؤتمر لمناقشة القضايا الديمقراطية العامة وانما استخدمت البحرين للاستضافة فحسب. مع ذلك أكدت منظمات حقوقية دولية أنها ستتطرق بشكل واضح وصريح للوضع الحقوقي في البحرين، وستطالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين علنا، خصوصا رموز الثورة وفي مقدمتهم الاستاذان حسن مشيمع وعبد الوهاب حسين والشيخ علي سلمان والدكتور عبد الجليل السنكيس وعبد الهادي الخواجة والبقية. وقد عبّر الكثير من البرلمانيين عن شعوره بالحرج حيث يحضر مؤتمرا في بلد قامت حكومته باضطهاد مواطنيها وسحب الجنسية من برلمانيين منتخبين، وتمارس الاضطهاد ضد الحقوقيين ببشاعة. ويتوقع حدوث احتجاجات من بعض البرلمانيين ضد إقامة المؤتمر في البحرين، بعد الاطلاع على ملفات الاضطهاد والتنكيل والاستبداد.
وثمة بعد آخر للقضية البحرانية طرح على البرلمانيين الدوليين. يتمثل هذا البعد بانتهاك سيادة البحرين وشعبها على أيدي قوات الاحتلال السعودي – الإماراتي الذي حدث في مثل هذه الأيام قبل اثني عشر عاما. فقد سجل التاريخ في صفحاته السوداء الرابع عشر من مارس 2011 كيوم تجسد فيه عدوان فاضح على شعب يطالب بحريته وحقوقه وسيادته بأساليب سلمية متحضرة. في تلك الفترة كان البحرانيون قد حزموا أمرهم وتجمعوا بميدان اللؤلؤة ضمن ظاهرة “الربيع العربي” التي نشأت آنذاك. وعلى مدى شهر كامل توافد المواطنون من كافة الأطياف المذهبية والأيديولوجية على تلك البقعة وطرحوا مطالب التغيير والإصلاح السياسي مطالبين بإقامة منظومة ديمقراطية تنهي الهيمنة الخليفية على البلاد والعباد. فما بين 14 فبراير، وهو يوم انطلاق ثورة الشعب و 14 مارس شاهد العالم مدى تحضر البحرانيين من خلال تجمعهم في الدوار وتصريحات رموزهم الأبطال. يومها اضطر الطاغية الحالي للإفراج عن مجموعة كبيرة من النشطاء كانوا معتقلين منذ بضعة شهور. وكان لقرار الأستاذ حسن مشيمع الذي كان في رحلة علاج بالعاصمة البريطانية العودة للوطن للمشاركة في الثورة الدور الأساس لإرغام الطاغية على إصدار قرار الإفراج بعد ساعات من إقلاع طائرته، فقد كان ضمن المجموعة التي أمر الطاغية باعتقالها، وكانت عودته تحديا له، فإما اعتقال الاستاذ مشيمع او الإفراج عن كل المجموعة. وبسبب الظرف السياسي الثوري وظاهرة الحشد الشعبي غير المسبوق في الدوار، أمر البريطانيون الطاغية الخليفي بالإفراج عن المعتقلين لكي لا يزداد الوضع توترا.
استمر الحضور الشعبي في الدوار أقل من ثلاثة أسابيع بعد إطلاق سراح المعتقلين السياسيين آنذاك، وكان واضحا ان الشعب مستمر في حراكه الثوري بهدف التغيير الحقيقي ورفض أية محاولات لتمييع المطالب او الالتفاف عليها. كان ذلك أمرا صادما للخليفيين وداعميهم في تحالف قوى الثورة المضادة الذي كان يستعد للانقضاض على الجماهير العربية الثائرة. وفي ليلة سوداء كالحة، تحركت قوات الاحتلال السعودي – الإماراتي، بتنسيق مع الجانبين الأمريكي والبريطاني، وعبرت جسر البحرين – السعودية، واتخذت مواقعها في القواعد العسكرية استعدادا لشن عدوان كاسح على الشعب اذا استمرت ثورته. وهذا ما حدث. ففي غضون يومين من الاحتلال تدخلت تلك القوات المحتلة لفض تجمع الدوار وقتلت العديد من المواطنين المرابطين فيه، وشاركت في قمع التظاهرات في المناطق الأخرى، وكان لها دور في قتل العديد من الثوار، ومن بينهم الشهيد أحمد فرحان الذي أصبحت هامته المفضوخة دليلا صارخا على جرائم قوات الاحتلال المذكورة. وبعد فض تجمع الدوار اعتقل الرموز واقتيدوا الى طوامير التعذيب ليتعرضوا لأبشع أصناف التعذيب والتنكيل الذي شهدته البلاد. وأقيمت المحاكم العسكرية لمحاكمة الثوار وسيق الآلاف الى المعتقلات وطوامير التعذيب، حتى طفحت بالبحرانيين.
اليوم، بعد اثني عشر عاما، ما الذي حققه الاحتلال السعودي – الإماراتي؟ وما الذي جناه الخليفيون سوى بقائهم في الحكم عبيدا لذلك الاحتلال الغاشم. لقد فقد الطاغية وعصابته شرعيتهم جملة وتفصيلا، وأصبحوا في نظر البحرانيين عملاء للخارج وعناصر تنفيذ لسياسات الرياض وأبوظبي وواشنطن ولندن. اما الشعب فقد توسع خلافه مع الطاغية فاستمرت المظاهرات التي لم تتوقف رافعة شعار: الشعب يريد إسقاط النظام”، و “يسقط حمد”.. فليس هناك حاكم خليجي آخر يهتف شعبه كل يوم بسقوطه سوى القن الخليفي الذي قبل العبودية في مقابل البقاء على الكرسي. فما قيمة هذا البقاء في ظل استمرار احتقار الشعب ودعاء الأمهات عليه وهتاف الجماهير في كل فرصة مطالبة بسقوطه؟ لقد فقد الديكتاتور كرامته وأصبح صغيرا في نظر أصغر طفل يشارك في الاعتصامات والتظاهرات التي لم تتوقف. أنها واحدة من قصص مغامرات حكام الاستبداد المستعدين لبيع كرامتهم وإنسانيتهم بأي ثمن إذا اقتضى بقاؤهم في الحكم ذلك. اما المواطنون فيزدادون حماسا وثباتا على طريق الحرية، ويتغنون بالأمجاد التي سطروها منذ أيام الدوار، وهي أمجاد استهدفها الاحتلال، وسعى لمحوها بتدمير نصب اللؤلؤة من الميدان الذي شهد تجمعات البحرانيين شهرا كاملا، والذي سالت على ترابه دماء الشهداء الذين مزقتهم رصاصات الغدر الخليفي وقوات الاحتلال السعودي – الإماراتي. لقد عاش البحرانيون ملاحم عديدة بعد 14 فبراير، وبلغت اوجها في 14 مارس، وما يزالون يسطرون ملاحم البطولة والشجاعة والإباء في الذكريات الوطنية، ومنها ذكرى الاحتلال الغاشم. ولقد عاهدوا قادتهم وشهداءهم على مواصلة درب النضال بدون تردد او تراجع او مساومة حتى تتحرر البلاد من الاستبداد والاحتلال، مستعينين بالله وحده، متوكلين عليه، ولن يحيدوا عن ذلك لحظة. فهذا طريق الحرية والكرامة والإنسانية، المؤدي للبحرين الحرة والشعب القادر على التمتع بحقوقه الكاملة بعوون الله تعالى.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الإسلامية
10 مارس 2023