دماء الشهداء تشعل انوار الحرية في طريق الثوار
الطرق الالهية لنصرة المظلومين كثيرة وعادة ما تكون مفاجئة وغير مباشرة، وعادة ما تكون موجعة للظالمين “وكذلك أخذ ربك اذا اخذ القرى وهي ظالمة، ان اخذه أليم شديد”. هذه حقيقة لا يعيها الا المؤمن الصادق في ايمانه الذي لم يخالط قلبه شرك او شك في الوعد الالهي ونفاذ السنن الكونية. الظالم يسعى للانتقام من الابرياء بوسائله المباشرة: يسجن، يعذب، يحكم بالاعدام، يسلط وسائل إعلامه للنيل من ضحاياه، ويوجه لهم الاتهامات بالجرائم التي يمارسها النظام نفسه، يتصرف كأنه إله، فيسحب جنسية المواطن المظلوم بجرة قلم، ويوقع قرار الاعدام. وحيث انه قد صادر اموال الامة ووضع يده على مقدراتها وثرواتها، فبامكانه استئجار المرتزقة بكافة انواعهم، فمنهم من يحمل السلاح ليقتل الابرياء، ومنهم من يسلط لسانه وقلمه على المظلومين، ومنهم من يصدر الفتاوى لتكفير الضحايا. يحدث هذا او بعضه او كله، ويعتقد النظام الحاكم انه تغلب على مناوئيه ودك حصونهم، وانه على وشك خنق انفاسهم الى الابد. بعض هؤلاء الطغاة يطاردون معارضيهم في اقاصي الارض، كما قالت السيدة زينب عليها السلام مخاطبة الطاغية الاموي: أظننت يا يزيد حيث اخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، ان بنا على الله هوانا، وبك عليه كرامة، ان بنا على الله هوانا، وبك عليه كرامة، وان ذلك لعظم خطرك عنده، فشمخت بانفك ونظرت في عطفك، جذلان مسرورا، حيث رأيت الدنيا لك مستوسرة والامور متسرة”. وهذا ما يفعله الطغاة المعاصرون.
في الاسبوع المقبل تحل الذكرى الثلاثون لاستشهاد السيد مهدي الحكيم الذي اغتاله عناصر صدام حسين عندما كان في زيارة للخرطوم. كان ذلك في 17 يناير 1988، في ذروة الحرب العراقية – الايرانية. كان السيد مهدي يسعى لوقفها بالتواصل مع الصادق المهدي، رئيس وزراء السودان آنذاك. فكانت الشهادة تنتظره عندما انبرى احد اشقياء ديكتاتور العراق برصاصات قتلته فورا وجرحت ابن عمه الدكتور عبد الوهاب الحكيم، في صالة فندق هيلتون الخرطوم. ما النتيجة؟ لم يهنأ صدام بعد ذلك طويلا، وما هي الا ثلاثة اعوام حتى حاصره العالم وطارده حتى اسقطه في العام 2003. اما السيد مهدي الحكيم فقد صعد الى ذروة المجد شهيدا مضرجا بدمائه في ارض قاصية، وبقي ذكره يسطر تاريخا من الجهاد والتضحية والفداء. وهكذا يخلد الشهداء في ضميرالامة ويحتلون موقعا متقدما في وجدانها. وقد استحضر الشعب الذكرى الثانية لاستشهاد الشيخ نمر النمر على ايدي آل سعود لانه طالب بالاصلاح مستخدما كلمة لسانه وسيلة لايصال مطالبه. لم يفعل الشيخ النمر ما يجعله مستحقا للاعدام، ولكن في زمن هيمنة المال النفطي على السياسة الغربية وضمائر الساسة فان فجور السعوديين والخليفيين في الخصومة لا يجعلهم موضع تساؤل او استياء لدى حكومات الغرب “الديمقراطي”. انها واحدة من محن عالم اليوم، وهي محنة متواصلة يدفع الابرياء اثمانها مضاعفة، ولا يستفيد منها المواطن الغربي العادي. الفائدة الكبرى تذهب لجيوب المرتزقة من سياسيين واعلاميين وموظفين بشركات العلاقات العامة. هذا هو الفساد الذي تتطلب العدالة والقيم الانسانية التصدي له لان ثمنه الانساني باهض، وانعكاساته على قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ليس لها حدود.
ولم يسلم البحرانيون من اساليب المطاردة والتعقب من قبل نظام البغي الخليفي الذي جثا على صدور العباد والبلاد وعاث فسادا وظلما وتعذيبا وتقتيلا وتشريدا واضطهادا للعلم والعلماء والقيم الاسلامية والانسانية. اصبح الطاغية الخليفي يتباهى بالتطبيع مع الكيان الصهيوني في مقابل الاستفادة من خبراته في قمع اطفال الحجارة وابطال الساحات ورواد ميادين الثورة. وتشير المعطيات لدور فرق الموت الخليفية في اغتيال الشخصية المصرفية الشهيرة، حسين نجادي، في ماليزيا قبل ثلاثة اعوام. كما تشير الى دور النظام الخليفي في الاعتداءات المتكررة على المعارضين البحرانيين في لندن ابتداء من العام 2009 عندما تعرض اثنان منهم للاعتداء الجسدي في احد الازقة، وتعرض بيث الثالث لحريق في الساعات الاولى من الصباح، استطاع اهله إطفاءه قبل ان ينتشر. وفي العام الماضي تعرض بعض اللاجئين البحرانيين لعدوان وحشي من قبل احد العناصر الخليفية الذي بث فيديو الاعتداء وهو يمارس مهاراته الجسدية في الركل والضرب، ويهدد بالمزيد. وانتقاما من النشطاء تعرضت عائلات العديد من النشطاء للاعتداء والتنكيل وواجه بعضها تهما ملفقة وما يزال العديد من اولئك يرزحون وراء القضبان ظلما وعدوانا. وقبل شهور معدودة قام عناصر اجهزة الامن والتعذيب الخليفية بمطارة اللاجئين البحرانيين في شوارع العاصمة البريطانية بعد عودتهم من احتجاج سلمي بمضمار سباق الخيل بمنطقة وينزور الذي حضره الديكتاتور السفاح.
ان سياسة الانتقام هذه تؤكد طبيعة نظام الحكم الخليفي الذي دخل حربا مفتوحة مع البحرانيين، وعمق اعتماده على المرتزقة الاجانب وضحى بالوطن والسيادة والشعب من اجل بقاء حفنة احتلت البلاد في حقبة سوداء من الزمن. المحتلون لا يستطيعون التطبع باطباع اهل الارض مهما تصنعوا ذلك, الخليفيون لا يمكنهم ان يتحلوا بطبائع اهل البحرين الاصليين (شيعة وسنة)، الذين يتحلون بالايمان والهدوء والحب وحسن الضيافة ويكرهون العنف والقتل، ولم يسجل عنهم سوى تلك الطباع الطيبة. وبرغم الاتهامات الفارغة التي يوجهها الطاغية وعصابته للابرياء بالضلوع في اعمال الارهاب الا ان الحقائق تفند ذلك. فعلى مدى اكثر من مائتي عام لم تسجل حالة اعتداء حقيقية واحدة على افراد العصابة الخليفية، بينما قتل حكام هذه العصابة المئات من المواطنين واعتقلوا عشرات الآلاف وعذبوا اغلبهم وشردوا اهل البلاد الاصليين بعد سحب جنسياتهم. فمن هو الارهابي؟ من الذي مزق اشلاء البحرانيين طوال هذه الحقبة السوداء؟ من الذي وقع عرائض الشكوى قبل مائة عام للاستغاثة بالميجر ديلي للتدخل لوقف العدوان الخليفي المتواصل على الشعب بدون توقف؟ من الذي استغاث في الخمسينات والستينات حتى الآن بالضمير الانساني للتدخل لوقع العنف ضد السكان الاصليين؟ من الذي لا يخلو تقويمه السنوي من ذكريات شهدائه حتى اصبح شعار “كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء” متطابقا تماما مع نمط حياته واهتماماته؟
ازاء هذه الحقائق لم يعد امام الشعب البحراني سوى الصمود والاصرار على تحقيق مطالبه في التحول السلمي نحو الديمقراطية وانهاء الحقبة السوداء التي ما فتئت تحصد ارواح البشر وتعرض البلاد وسيادتها للاضطراب والتشوش. وفيما يستعد شعب البحرين للاحتفاء بالذكرى السابعة لانطلاق ثورته المظفرة باذن الله، فانه اصبح اكثر صمودا وثباتا على طريق الثورة والتمسك بالمطالب العادلة. وكلما بالغ الطاغية في العقوبة والتنكيل ازدادت عقيدة الشعب رسوخا بضرورة التخلص من هذه الحقبة السوداء التي احالت نهار البلاد ليلا وحولت السنوات الاخيرة الى واحدة من ابشع الحقب في تاريخ البلاد المعاصر. “يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم ترحمون”.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار واجعل لهم قدم صدق عندك، وفد قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الاسلامية
12 يناير 2018