رسائل إيجابية من صمود الثائرين ومن انتصار المؤمنين في بدر
يمكن القول بقدر من الثقة أنه ليس هناك نظام عربي مأزوم كما هو عليه الحكم الخليفي. فهو مأزوم سياسيا وشعبيا ودستوريا وأخلاقيا، ولكن تشبث القوى الخارجية ببقائه بسبب عبوديته وطاعته المطلقة لهم، يدفعه لممارسة أبشع أصناف التنكيل بالشعب الذي لا يستطيع التعايش معه. وشعوره بالرفض الداخلي يضاعف غضبه، فيمارس بشاعات أكبر بالمواطنين. وما استمرار السجون مكتظة بالبحرانيين إلا أحد وجوه هذا التنكيل. لكنه هذه المرة يواجه حالة جديدة تضاعف شعوره بضغوط الأزمة. فبعد اتفاق السعودية مع إيران وجد نفسه في ورطة حقيقية لا يستطيع الخروج منها إلا باراقة ماء وجهه برغم تظاهره بالتماسك. فلا يستطيع البقاء خارج التوازن الجديد الناجم عن ذلك الاتفاق، وعليه ان يلحق به برغم أن رموزه يتمزقون في داخلهم من الغيظ وهم يرون أنفسهم مجبرين على شرب ما يعتبرونه “كاس السم”. فما أشد استهدافهم للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وما أبشع هجمات أبواقهم عليها. فعلى مدى أكثر من عقد وهذه الأبواق تنال منها ومن الشعب البحراني الذي اتهموا رموزه بالعمالة واستلام الاوامر من طهران. وقد صبوا غضبهم على أولئك الرموز بالتنكيل بهم بدون هوادة. فقد استعانوا بالأجانب للانتقام من البحرانيين خصوصا بعد انطلاق ثورتهم المظفرة التي أوصلت العلاقة معهم الى حالة الطلاق الأبدي. وقرر الخليفيون الانتقام من الشعب بالقتل الجماعي بلا هوادة او رحمة، والسجن الذي طال أكثر من عشرين ألفا من المواطنين والتعذيب الذي لم يوفر شيخا أو شابا او طفلا او امرأة. وأسسوا سياساتهم الجديدة بعد تطبيعهم مع الاحتلال الصهيوني على إبقاء رموز الشعب والوطن في طوامير التعذيب حتى الموت. فما أكثر المحكومين بالإعدام والمؤبد، وما اكثر عدد الذين تركوا بدون علاج حتى فتكت بهم الأمراض وابتلوا بالعاهات.
بعد كل هذا يحاول رموز العصابة المجرمة التظاهر بالرأفة خلال الشهر الفضيل ويطرحون مقولة “السجون المفتوحة” لتبرير بعض الإفراجات التي وجدوا أنفسهم مرغمين للقيام بها إذا أرادوا استرضاء الحكومة الإيرانية. فلم تعد أساليبهم الماكرة تخفى على المواطنين، ولذلك لم تعد التظاهرات التي تخرج يوميا في مناطق عديدة من الوطن تحصر مطالبتها بالافراج عن الأسرى المرتهنين في طوامير التعذيب الخليفية، بل أصبحوا يطالبون بشكل علني بالتحول السياسي الجذري كذلك. يعلم الجميع انه ما لم يحدث هذا التغيير فلا جدوى من الإفراجات التي تحدث لأن السجين البحراني المفرج عنه سوف يعتقل بعد عام او عامين. فكم من الأسرى البحرانيين تكرر دخوله السجن خلال نصف القرن الماضي؟ الاستاذ حسن مشيمع اعتقل في الثمانينات (لفترة وجيزة) ثم في التسعينات (لأكثر من ستة اعوام) ثم في العام 2011. فما جدوى الإفراج عنه في العام 2001؟ لقد أعيد اعتقاله بتنكيل وتعذيب أشد. لذلك أصبح يرفض الخروج من السجن بالشروط الخليفية، بل أنه ورفاقه الأبطال، كالدكتور السنكيس والاستاذ عبد الوهاب حسين والشيخ علي سلمان والمقدادين والنوري وحميد البصري، يرفضون حصر المطالب بتبييض السجون، لانها سرعان ما تكتظ مرة أخرى، لأن الخليفيين أعداء تاريخيون للشعب البحراني، فلا جدوى من مطالبتهم بشيء بعد ان فقد الشعب ثقته فيهم وسحب الشرعية عن حكمهم وأصبح يطالب بدستور جديد يؤسس لحياة سياسية ذات معنى لشعب اضطهد عقودا ودفع الكثير باحثا عن حريته وكرامته وحقوقه.
مشكلة المشروع الحقوقي أنه يتعاطى مع الانتهاكات وكأنها منفصلة عن الوضع السياسي. ويعلم العقلاء استحالة حماية الحقوق في ظل الاستبداد. فالحاكم الديكتاتور لا يمكن ان يحترم حقوق الآخرين فيسمح لهم بالحريات العامة في التعبير والتجمع والتمثيل السياسي. فما أن يطرحوها حتى يعتقلهم. فلا جدوى من المطالبة باحترام الحقوق في غياب التغيير السياسي. وبعد تجارب استمرت عقودا عديدة استوعب أحرار البحرين الوضع على حقيقته ورفضوا حصر المطالب بالجانب الحقوقي وأصبحوا يصرون على التحول الديمقراطي وإقامة حكم القانون وإنهاء سياسة المكرمات والمنح والعطاءات التي “يتفضل” بها زعيم العصابة على الناس. وقد جاءت دعوة مقوضية حقوق الإنسان هذا الأسبوع للإفراج عن الحقوقي المعروف عبد الهادي الخواجة لتثير مجددا الحديث عن ضرورة التغيير السياسي. فالاستاذ الخواجة الذي احتفت عائلته قبل يومين بعيد ميلاده الثاني والستين قضى حتى الآن اثني عشر عاما وراء القضبان، ويصر الخليفيون على إبقائه وبقية سجناء الرأي في المعتقلات. بينما أصبح هؤلاء الأبطال واعين لقضية التحول السياسي الذي يقيم القانون ويحترم الشعب ويمنحه حقوقه. لذلك أصبحوا يرفضون التخلي عن مشروعهم السياسي الذي اعتقلوا من أجله. الخليفيون يراهنون على إرهاق رموز الشعب بالسجن وإيصالهم إلى حالة اليأس والإحباط التي تدفعهم للتخلي عن المشروع السياسي او البقاء في السجن حتى يتوفاهم الله. ولذلك يمعن الطاغية وعصابته في حرمانهم من العلاج والدواء المناسبين برغم تقدمهم في العمر واستشراء الأمراض في أجسادهم. لكنه فوجيء بصلابتهم وإصرارهم. فقد فشل في إقناعهم بمشروعه الفاشل الذي اسماه “العقوبات البديلة” واستبدله بما اطلق عليه “السجون المفتوحة” ولا يتوقع نجاحه كذلك. فالشعب يعلم أن الخليفيين مرغمون على تحسين العلاقة مع إيران التي تشترط عليهم التصالح مع الشعب. ومن أهم ملامح “التصالح” تبييض السجون. وليس أمامهم سوى الانصياع للشروط الإيرانية خاضعين مهزومين، حتى لو غلّفوا ذلك بمقولات أخرى. هذه المرة هناك تدخل إلهي واضح لصالح المظلومين، وسوف يحقق الله لهم النصر على هذا العدو الغاشم الذي فشل في تحالفاته حتى مع الصهاينة.
لقد قال سماحة القائد الشيخ عيسى قاسم “ستعجزون ولن نعجز”، وقد اتضحت مقولته عمليا، فالاحتجاجات والتظاهرات والوقفات اليومية متواصلة. وبرغم تغييب القيادات الميدانية اما بالسجن او الإبعاد، فقد وفق الله آباء الشهداء للتصدي لتلك المهمة، فأصبحوا حاضرين بشكل فاعل في الميدان. فتارة يزورون المحرّرين من الأسر الخليفي، وأخرى يزرون عائلات المعتقلين خصوصا الرموز في المناسبات، وثالثة يتجمعون حول قبور الشهداء للترحم عليهم وتلاوة القرآن. حتى ضج الطاغية وتمزق غيظا في داخله وهو يرى هؤلاء الآباء الذين باغتتهم الشيخوخة واشتعلت رؤوسهم شيبا، بهمم عالية وهم يجلسون حول القبور. فما كان منه إلا استدعاؤهم الاسبوع الماضي للتحقيق والتهديد والتنكيل. وقال جلادوه لهم: لماذا تقرأون القرآن عند القبور؟ وكأن ذلك جريمة. حقا أصبح الانتماء للإسلام وقيم السماء وكتاب الله في قاموس النظام الخليفي جريمة بعد ان تحالف مع محتلي فلسطين. هذا الطاغية الذي يحاول منع قراءة القرآن عند قبور الشهداء لا يجد غضاضة من الصمت إزاء الجرائم الصهيونية بالاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى وقطع صلاتهم بالقوة في هذا الشهر الفضيل. هذا القن الخليفي الساقط لم يجد ضرورة لاستدعاء سفيره لدى الاحتلال، كما لم يكلف نفسه عناء توبيخ سفير الاحتلال لدى قصر الرفاع. فما أبشعه من حكم يزداد قبحه كل يوم.
في هذه الأيام المباركة، وقد انقضى نصف أيام الشهر، يستذكر الشعب ذكرى غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها رسول الله والثلة القليلة التي كانت معه على التحالف القبلي الشرير الذي ما فتيء يخطط ضد الرسالة وينكل بأتباعها: ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة. حين يشعر المؤمنون بالضيق وقلة العدد والعدة، ويصبرون بإيمان عميق يأتيهم النصر الإلهي بأشكال شتى: بلى إن تصبروتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة ألاف من الملائمة مسومين. شعبنا سينصره الله بالملائكة المسوّمين لانه صبر واتقى ورفض الذين نصّبوا أنفسهم ألهة من دون الله، فحق لهم النصر الإلهي الذي لن يتأخر بعون الله تعالى. طوبى لكم أيها الصائمون الصابرون الثائرون المرابطون الأحرار
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار واجعل لهم قدم صدق عندك وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
7 أبريل 2023