تقبّل الله صومكم وصلاتكم ودعاءكم وعبادكم في هذا الشهر الفضيل الذي تصرّمت أيامه، ونعزيكم باستشهاد إمام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام، رمز الجهاد والكفاح والحرية. وهنيئا لكم السير على طريقه والاهتداء بنهجه عليه السلام.
أصبح واضحا أن العصابة الحاكمة في البحرين تمر بواحدة من أسوأ الفترات من حيث الخيارات السياسية المتاحة. وما اللقاءات العديدة مع السفراء الغربيين والتصريحات التي يطلقها زعماء القبيلة المحتلة، والإجراءات التي تتداخل دوافعها إلا بعض تجليات أزمة الحكم الخليفي في بلد لم يستطيعوا التعايش مع أهله. ولكي تتضح حالة التداخل والاضطراب في المشهد الخليفي يمكن عرض الوقائع التالية:
أولا: حدثت في الأيام الماضية لقاءات عديدة مع مسؤولين أجانب، خصوصا السفير الأمريكي، لم يفصح الخليفيون عما دار فيها، ويتوقع ان تكون ضمن محاولات واشنطن حلحلة الوضع السياسي والأمني المتوتر منذ عقود من جهة، ومناقشة خيارات الطغمة الحاكمة إزاء العلاقات مع الجمهورية الإسلامية. هذه اللقاءات جاءت بعد زيارة وفد أمني أمريكي رفيع المستوى أحيط بالسرّيّة ولم يرشح ما يشير الى منحى المحادثات وما الذي تعرض له الخليفيون من ضغوط وما الذي وجّه إليهم من أوامر. ومن الواضح أيضا ان الخليفيين مأزومون جدا ولا يستطيعون إلا أن يأتمروا بالأوامر الأمريكية بعد ان أدركوا ضعف موقفهم الداخلي نتيجة صراعهم مع الشعب. ذلك الصراع نجم عنه جرائم ضد الإنسانية كثيرة من الجانب الخليفي بحق البحرانيين، وهو أمر حسم العلاقات بين الطرفين إلى الأبد. هناك حقيقة ذات شقين: أولهما ان الأمريكيين لم يعرف عنهم حماية حقوق الإنسان او دعم جهود التحول الديمقراطي، بل أن مصالحهم تحظى بالأهمية القصوى. فهم يؤسسون سياساتهم على المصالح وليس المباديء. ويكفي الإشارة الى موقف الرئيس الحالي، جو بايدن، من قضية المرحوم جمال خاشقجي وكيف تخلى تماما عن التصريحات التي كان قد أدلى بها قبل وصوله الى البيت الأبيض متعهدا بعدم التواصل مع محمد بن سلمان. ثانيهما: أن الخليفيين يستحيل ان يقيموا دولة حديثة مؤسسة على حكم القانون واحترام حقوق الإنسان والسماح بممارسة ديمقراطية، فهذه المباديء كلها تلغي حكم العائلة التوارثي وتؤدي إلى حكم يختاره الشعب وفق دستور يكتبه بحريته وممارسة انتخابية تفضي الى حكومة منتخبة. وهذا مرفوض من قبل الخليفيين جملة وتفصيلا.
ثانيا: بموازاة ذلك تعددت الأخبار وتكررت عن زيارة وفود من الجانب الخليفي ومن الحكومة الإيرانية لفحص السفارات، والإيحاء بأن العلاقات بين البلدين باتت وشيكة. بينما يتردد ان زيارة الوفد الإيراني كان ضروريا للتعاطي مع إشكالات حول الأرض التي شيدت السفارة عليها، وأنها تابعة للأوقاف الجعفرية التي طلبت إعادة التفاوض حول شروط التعاقد. أما الإيحاء بأن تبادل الوفود مؤشر لقرب إعادة العلاقات بين الحكومتين فليس أكيدا أو واضحا. فالأزمة بين طهران والرفاع مرتبطة بأمور لا يمكن تجاوزها أهمها تاريخ تلك العلاقات على مدى الاثني عشر عاما الماضية التي هي عمر الثورة البحرانية ضد حكم الطغمة الخليفية، والسعي الخليفي المتوةاصل لاتهام أيران بدعمها، ومحاولة التقليل من حماس الشعب البحراني لتحرير أرضه من الاستعمار الخليفي والإسرائيلي. كما أن طهران مستاءة جدا من التطبيع الذي قام به الخليفيون مع محتلي فلسطين، والذي اعتبرته إيران تهديدا لأمنها القومي لانه جاء بالصهاينة الى المنطقة وجعلهم على حدود إيران الجنوبية. وهذا وحده يكفي للعصف بأية محاولات لرأب الصدع. وفيما يستعد الشعب البحراني للاحتفاء بيوم القدس العالمي في الأيام المقبلة، هناك ترقب لما قد يترتب على ذلك من قمع خليفي. وقد بدأ ذلك القمع باعتقال العديد من البحرانيين الأحرار، كل ذلك استباقا للتظاهرات ضد الاحتلال الاسرائيلي الذي أصبح الخليفيون متحالفين معه. وترتبط تلك الاعتقالات تارة بالمشاركة في الاعتصامات والتظاهرات الليلية التي تحدث في مناطق البحرين، وأخرى بالتصريحات التي لا يتحمّلها رموز الحكم الخليفي، وثالثة لإبقاء أجهزة أمنها في شغل شاغل لكي لا تفقد “مهارات” التعذيب والتنكيل ولكي لا تنسى العداء التاريخي للبحرانيين.
ثالثا: حالة الضعف السياسي والمعنوي والأخلاقي التي عصفت بالعصابة الخليفية نتيجة التركيز الوطني على المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين بدون قيد او شرط. وجاءت الإفراجات الأخيرة نتيجة ذلك الضغط الذي فضح الخليفيين على مستوى العالم حيث أظهرهم منفردين بسياساتهم الأمنية عن بقية دول مجلس التعاون، وكشف ملفاتهم في الاضطهاد والتعذيب والقتل وارتكاب جرائم ضد الإنسانية. هذه الإفراجات سعى الطاغية وعصابته لتسويقها أنها ضمن “العقوبات البديلة” التي يسعى من خلالها لضمان تعهد سجناء الرأي بعدم المشاركة في أي حراك سياسي مستقبلي. هذه الصيغة من التعامل لا يمكن ان تنجح مع شعب نشأت أجياله من رحم النضال، وأن اندلاع ثورة قادمة أوسع من سابقاتها لن يعيقه توقيع بضع المعتقلين السياسيين على تعهدات بعدم المشاركة في الاحتجاجات مستقبلا. فقد نشأ جيل كامل خلال الاثني عشر عاما الماضية، يشعر بالظلامة والغضب من استمرار اعتقال أقربائه وأصدقائه وتعذيبهم. هذا يجعل مشروع الثورة المقبلة جاهزا من الآن، وأن العقوبات البديلة التي فرضها الطاغية على المواطنين لن تكون ذات شأن ولن تمنع التحاق الاجيال الجديدة بثورة مقبلة لن تتأخر طويلا. وقد أثبت شعب البحرين من خلال تاريخه النضالي الطويل أنه يستعصي على التطويع من جهة، وأنه أصبح رافضا الحكم الخليفي لاستحالة التعايش معه، وأن لديه قدرة متميزة على مواصلة الحراك الثوري حتى في أحلك الظروف. ولا تغيب عن ذاكرته فرض الأحكام العرفية في مثل هذه الأيام قبل اثني عشر عاما في إثر دخول القوات السعودية والإماراتية لقمع الثورة. يومها كانت التظاهرات والاحتجاجات خطا أحمر سواء لدى الخليفيين ام لدى قوات الاحتلال المذكورة. مع ذلك لم تتوقف الاحتجاجات والتظاهرات، برغم سقوط الشهداء تباعا بأبشع أساليب التوحش كما حدث للشهيد السيد حميد السيد محفوظ (من منطقة سار) وعبد الرسول الحجيري وآخرين. في ذروة ذلك القمع لم يتراجع البحرانيون عن ثورتهم ضد الاحتلال الخليفي البغيض، ولا يتوقع ان يتراجعوا عن ذلك بعد أن تأكد لهم ان وجود هذه العصابة في الحكم يعني المزيد من القمع والاضطهاد والسجن والتعذيب، وأن الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين اليوم لا يعني عدم إعادة اعتقالهم غدا.
رابعا: في محاولة يائسة لتغيير صورة النظام الخليفي خارجيا، أعلن ولي العهد الخليفي الذي يعتبر شريكا في الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت طوال العقود السابقة والتي كان على علم بها بشكل كامل، عن مشروع أسماه “الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان”. فما الجديد في ذلك؟ ومن الذي يحاول هذا الخليفي خداعه بهذا القرار؟ وأين هي الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان التي أنشأها أبوه قبل بضع سنوات؟ المشكلة ليس في وجود منظمات حكومية تستخدم مصطلحات عصرية لإيهام العالم، بل في ممارسة مسؤولي العصابة المجرمة وسياساتهم وتوحشهم. لو كان هذا الخليفي المجرم صادقا في توجهه لاحترام حقوق الانسان لسمح بزيارة المقررين الخاصين التابعين للأمم المتحدة خصوصا المقرر الخاص حول التعذيب. لماذا أمر هذا الطاغية بسحب تأشيرات منظمة هيومن رايتس ووج قبل شهرين لحضور مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي؟ لم يمر على ذلك سوى بضعة أسابيع، فما مغزى التصريح المذكور؟ وما عساه أن يحقق؟ قد يحاول هذا الرمز القبيح تضليل العالم بشأن حقوق الإنسان والتشويش على الصورة الكالحة للحكم الخليفي، ولكن هل يتوقع أن يضلّل شعب البحرين الذي يختزن كمًّا متراكما من الخبرات العملية والمعاناة الشديدة من الويلات التي ألحقها به هذا الحكم الفاسد. فما تزال سجونهم مكتظة بالبحرانيين خصوصا الرموز الأبطال الذين صمدوا اثني عشر عاما في تلك الطوامير. عار عليك أيها الخليفي المجرم لاستمرارك في اساليب التضليل والتشويش والنفاق، ولتعلم أنك تواجه أبطالا أشاوس ضحّوا بالغالي والنفيس من أجل التحرر من الاحتلال الخليفي وما ممارسه من ظلم واستعباد وتنكيل وجرائم.
اللهم ارحم شهداءنا الابرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
13 أبريل 2023