استشهاد خضر عدنان تتردد أصداؤه في البحرين
اصبح واضحا ان موضوع السجناء السياسيين في البحرين يزداد تعقيدا خصوصا بعد مرور أكثر من اثني عشر عاما على سجنهم ومحاكمتهم وفق قوانين وإجراءات جائرة لا تمت للعدالة او المواثيق الدولية بصلة. لقد أصبح محرجا لولي العهد الخليفي الذي كان يسوّق نفسه كتقدمي وليبرالي ومنفتح، ولكن سرعان ما فاق أسلافه في الظلم والإجرام والنهب والتصهين. مشكلة الخليفيين أن موضوع السجناء السياسيين لا ينفك عن المسألة السياسية التي كانت هي السبب الأساس لانطلاق ثورة 14 فبراير، ومنذ ذلك الوقت أصبح الشعب أكثر وعيا بضرورة التغيير السياسي الجذري لعلمه أن الحكم الخليفي فشل طوال وجوده في احترام حقوق الإنسان أو حمايتها، وأن وقف ذلك يتطلب تغييرا جوهريا يزيل عقلية الإجرام والسادية والعداء المستحكم للسكان الأصليين (شيعة وسنة) من أي حاكم يتربع على ذروة السلطة. كما يعلم داعمو الحكم الاستبدادي خصوصا البريطانيين باستحالة أمرين متوازيين: أولهما تغير الحكم من الاستبداد إلى الديمقراطية او حتى القيام بإصلاح سياسي ذي معنى. ثانيهما استحالة حماية حقوق الإنسان او احترامها من قبل هذه العائلة التي لا تستطيع استيعاب معاني الدولة الحديثة ومستلزماتها وقيم العدل والإنصاف والحقوق الإنسانية الطبيعية. برغم ذلك فقد أحجم البريطانيون عن القيام بدور إيجابي منصف يحمي حقوق البحرانيين الإنسانية والسياسية ويكف أيدي الخليفيين عن الإجرام والاستبداد. وعلى العكس من ذلك يعتبر البريطانيون وجود الخليفيين عاملا جوهريا لحماية مصالحهم وتوفير التسهيلات العسكرية بما فيها القواعد القديمة والجديدة.
في خضم هذا التداخل المعقد بين الموجود والمطلوب، بين المصالح والمباديء، بين العدل والظلم وبين الحق والباطل تستمر معاناة الشعب ويجبرون على دفع ثمن هذا التداخل من جهة والتدخل الخارجي الداعم للخليفيين من جهة أخرى. في ضوء هذه الحقائق فقد ترك المعتقلون السياسيون يرزحون في طوامير التعذيب بدون رحمة او شفقة لا من الخليفيين ولا من البريطانيين او السعوديين او الإماراتيين. مع ذلك صمدوا ولم يتراجعوا شعرة عن مواقفهم المبدئية المشرفة تجاه وطنهم وسيادته واستقلاله وكذلك تجاه قضايا امتهم الكبرى وعلى رأسها قضية الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين. ففي ساحات السجن وقف الأحرار هاتفين من أجل فلسطين كما فعل عبد الهادي الخواجة، وأصدر المعتقلون السياسيون بيانهم التاريخي بمناسبة يوم القدس العالمي، وتصدّر مرجعهم الديني الموقف الداعم لقضية فلسطين بدون تردد، وخرج شبابهم في المسيرات الحاشدة الهاتفة ضد الاحتلال. أنه طريق شعب البحرين منذ عقود، فقبل 40 عاما استشهد الشاب مزاحم الشتر وهو واقف بجانب الفلسطينيين خلال الاجتياح العسكري الاسرائيلي لبيروت في العام 1982. وبعد عقدين من ذلك ارتقى الشهيد محمد جمعة الشاخوري الى ربه وهو يهتف لفلسطين بعد استشهاد محمد الدّرّة. ويسجل تاريخ هذا الشعب هرولة ابنائه نحو فلسطين في العام 1948 عندما تعرض شعبها للاحتلال والحرب.
اليوم يقف البحرانيون هاتفين من أجل فلسطين مرة اخرى .هذه المرة كان استشهاد خضر عدنان في سجون الاحتلال الصاعق الذي فجّر الغضب في الكثير من الدول العربية، واستقبل البحرانيون الخبر بغضب شديد خصوصا أنه لامس معاناة معتقليهم في ظل العدوان الخليفي المتواصل خصوصا على سجناء الرأي الذين كان لهم نصيب الأسد من التنكيل والتعذيب. وقف الشهيد خضر عدنان صامدا بوجه الاحتلال، وتردد على السجون مرات كثيرة وجسّد بصموده عنفوان هذه الأمة وأصبح باستشهاده شاهدا على ظلامة شعب واستضعاف أمة وتخاذل حكام شربوا نخب العمالة حتى الثمالة. وقف شعب البحرين متضامنا مع ذلك الشاب الفلسطيني الذي قرر مواجهة الاحتلال بالأمعاء الخاوية ومحاربتهم بالجوع. إنه موقف الأبطال الذين يخلدهم التاريخ لأن وفاتهم جياعا في سجون أعداء الإنسانية تمثل ذروة التضحية والفداء من أجل الحق السليب. البحرانيون تتردد أنباء استشهاد خضر عدنان في آذانهم، فيزدادون قلقا من جهة وتألقا من جهة أخرى. فلديهم من المعتقلين السياسيين من قرر محاربة الاحتلال الخليفي بالجوع، كما يفعل الدكتور السنكيس ومحمد حسن الرمل. وسبقهم عبد الهادي الخواجة باستخدام الإضراب عن الطعام سلاحا ضد الظلم والاستبداد. فحين يتخاذل العالم ويتراجع عن مواقفه ويرفض نصرة المظلوم، لا يبقى أمام المظلومين سوى ما يملكون من أدوات، وهنا تبدأ التضحية بالراحة والأمن حتى تصل الى التضحية بالنفس. فالتاريخ لا يسجل في صفحاته البيضاء إلا المناضلين والأحرار والمضحّين، وما أكثرهم ماضيا وحاضرا. أما الذين يستجيبون لتوجيهات الشيطان ويخلدون إلى الراحة بعيدا عن العطاء والمعاناة والتضحية فيعيشون على هامش المجد والخلود، ويقضون أعمارهم في لذات زائلة ويخسرون بذلك ما أعده الله لمن يضحّي من أجل الله والحق والقيم والمظلومين.
يشعر البحرانيون، خصوصا المعتقلين السياسيين، بانهم طلاب حق فيقول قائلهم: “لنا حقٌّ فإن أعطيناه وإلا ركبنا أعجاز الإبل، وإن طال السرى”. هؤلاء يتصدّرن صفوف المضحّين ولا يبخلون بأعز ما يملكون، فيسجنون ويعذّبون ويزلزلون وقد يفقدون حياتهم في ميادين الكفاح. هؤلاء هم الخالدون حقا. فقد امتطوا صهوة المجد وبلغوا من العلى ذروته. ما أكثر هؤلاء في فلسطين والبحرين، فقد صمدوا بوجه المحتلين وحرموهم لذة العيش الآمن ووقف أحرار العالم معهم، صحيح ان قوى الاحتلال والاستعمار والشيطان تدعمهم ولكن بيوت هؤلاء خائرة ولن تدوم طويلا. وعلى سبيل المثال، استمر نضال الشعب الفلسطيني ثلاثة أرباع القرن، وما يزال المحتلون فاقدين الأمن، ومتهمين بالظلم والقمع والاضطهاد، وما يزالون في نظر أحرار العالم قمعيين وظالمين ومعتدين. ولا يزال الدعم الغربي غير المحدود لجرائمهم عاجزا عن إضفاء الشرعية لاحتلالهم. وكذلك الأمر بالنسبة للبحرين. فالخليفيون مدعومون من قبل القوى الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، مع ذلك يعرف العالم أنهم بلا شرعية وأنهم يواجهون السكان الأصليين (شيعة وسنة) بقوة السلاح فحسب وليس بالقانون او منطق العدل او الإنسانية. وطوال الاحتلال الخليفي للبحرين لم تتغير عقلية رموزهم، بل يتشدقون بأنهم استخدموا القوة والعنف دائما. وها هو زعيمهم الحالي الذي يعتبر أسوأ رموزهم منذ بدء العدوان، يسعى لمحو تاريخ البلاد جملة وتفصيلا، ويصر على فصلها عن تاريخها المجيد المرتبط بالإسلام والعروبة. ويؤكد في مقطع مصوّر بان تاريخ البحرين بدأ مع العدوان الخليفي في العام 1783، وليس قبله. فهو ينفي وجود العلم والعلماء امثال الشيخ ميثم البحراني الذي أنجبته البحرين قبل ثمانية قرون، والشيخ يوسف البحراني قبل اربعة قرون والسيد هاشم التوبلاني وسواهم. أن محاولاتهم اليائسة لـ “خلفنة” البحرين تشبه إلى حد كبير المحاولات الصهيونية لتهويد القدس ومحو آثار فلسطين. وكلا الاحتلالين يسعيان لاستبداد السكان الاصليين بمجنسين ومستوطنين من خارج البلاد لانهم لا يعترفون بالسكان الأصليين ولا يعترفون بهم. وها هو الطاغية يسعى لتغيير الأسماء التاريخية لمدن البحرين وقراها: إن فرعون طغى في الأرض وجعل أهلها شيعا، يستضعف طائفة منهم.
لقد فشل فرعون في مسعاه، وفشل بعده زعماء القبائل التي تصدت لرسول الله ودعوته، وهزم المحتلون أينما كانوا وبقيت الشعوب ناهضة وصابرة ومقاومة حتى تحقق لها النصر، وما ذلك على الله بعزيز. فلن يكون الخليفيون بعد ان طغوا وتجبّروا أفضل من حال الطغاة السابقين الذين كانوا يعتقدون ان تفوقهم المادي والعسكري سيحميهم وينصرهم على المظلومين: “وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين”. لقد ارتكبوا ظلما فظيعا بحق أنفسهم فحلّ عليهم غضب الله: “وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ۖ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ”.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
5 مايو 2023