ضجة حول الضيف الثقيل في مراسم تنصيب الملك البريطاني
النظام الذي يتربع عليه الطاغية الحالية يترسخ فيه القمع ليصبح تجسيدا حقيقيا لـ “مملكة الصمت” التي لا تسمح لأحد حتى بالكلام فضلا عن المشاركة السياسية. فلا يكاد أحد يفتح فاه حتى يستلم من اجهزة التعذيب استدعاء للمثول أمام حثالة ساقطة انسلخت من أخلاقها وإنسانيتها. في تلك المؤسسات التي شُيّدت في السنوات العشر الآخيرة تُنحر إنسانية المواطن كل يوم. يبدا التحقيق معه حول أفكاره ومواقفه وتحركاته، مدعوما بأدلة مصورة التقطتها عدسات كاميرات المخبرين الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم. ولم يسلم ذوو الشهداء من هذا الظلم الذي فرضه الطاغية وأبناؤه الذين يتسابقون لارتكاب الجرائم بحق الوطن والشعب وإنفاق المال العام لتلبية نزواتهم الشيطانية. هذه الجرائم جعلت الطاغية الخليفي ضيفا ثقيلا على التاج البريطاني. فقد استغرب الإعلاميون والنشطاء السياسيون والحقوقيون عندما رأوا “موكب” الطاغية الخليفي وهو يتحرك من الطائرة العملاقة التي حطت بقاعدة “برايز نورتون” بمقاطعة أكسفوردشاير متوجها لقصره العملاق في تلك المنطقة. الطائرة ليست سوى واحدة من أسطول كامل للعصابة الحاكمة، وهي أكبر من أية طائرة تملكها شركة طيران الخليج، من نوع بوينج 747 التي كلفت خزينة الدولة أكثر من ربع مليار دولار. هذا في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من تلاشي الخدمات العامة خصوصا الطبية، فليس هناك سوى مستشفى السلمانية الذي مضى على بنائه أكثر من نصف قرن. البحرين كلها تقصد هذا المستشفى الذي يعاني من نقص الخدمات، بينما طائرة الديكتاتور تكفي لبناء ثلاثة مستشفيات على الأقل وتأهيلها. اما السيارة التي استخدمها الطاغية للتنقل منذ هبوط الطائرة المذكورة فهي من نوع رولز رويس، ويقد ثمنها بـأكثر من نصف مليون دولار. هذا هو الظلم الفاضح الذي يؤدي في النهاية إلى سقوط من يمارسه: ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار. إنها الثقة المؤسسة على إيمان المؤمن بعدل الله ونفاذ قوانينه، التي تثبّت أقدام العاملين المخلصين الذين رسخت ثقتهم بالله فلا يستطيع أحد أن يهزها. هذا الإيمان من أهم أسباب ثبات المؤمنين عند النزال حتى لو كانوا قلّة. أوليس إيمان هؤلاء الثلة الرازحين وراء القضبان هو الذي يثبّتهم ويهزم العدو الذي عتى في الأرض وطغى وتجبّر؟ ما الذي يملكه حمد بن عيسى وعصابته من مؤهلات الحكم سوى التوارث البغيض الذي يتحدى به الشعب ويرفض به منطق الدستور والقانون والحكم العادل الذي يتأسس عليهما ويشارك الشعب فيه.
لقد وضع الطاغية الخليفي نفسه بجانب ملوك الدول الكبرى التي تفوق البحرين حجما وثروة عشرات المرات. ويكفي الإشارة إلى ان الحكومة البريطانية لم تكن تملك طائرة خاصة بها حتى العام 2016 عندما اشترت طائرتين من نوع إيرباص 331 و 321 وهي صغيرة نسبيا. بينما خصص الطاغية من أموال هذا البلد الصغير مبالغ ضخمة لتوفير أسطول طائرات لعصابته تتمركز بمطار خاص ضمن قاعدة عيسى الجوية. وهكذا تعيش البحرين عالَمين متوازيين ومتناقضين: العالم الخليفي الذي يعيش البذخ المفرط والذي يقضم شطرا كبيرا من مدخولات البلاد، والعالم الشعبي الذي يعيش الحرمان بأبشع صوره. أما الصراع بينهما فمتواصل بدون توقف منذ أكثر من نصف قرن، وسيتواصل حقبة طويلة حتى يأذن الله بالتغيير الذي يغلق ملف الحقبة الخليفية السوداء إلى الأبد، ويؤسس حقبة الحرية والعدل والاستقلال على أنقاض العهد الخليفي الأسود. ومع استمرار النضال لتحقيق ذلك يستمر نزيف البلد والشعب بسبب القمع الخليفي المتواصل. فبالإضافة للسجون المكتظة بسجناء الرأي، يتم استدعاء أي عنصر نشط يمارس دورا نضاليا مكشوفا للحضور إلى مراكز التعذيب من أجل التحقيق والتنكيل والاضطهاد والإهانة. إنه صراع على الهوية والتاريخ، يمارسه رجال الوطن على مر التاريخ الحديث بدون خوف او خشية من بطش المتجبّرين الذين انسلخوا من إنسانيتهم وأصبحوا شياطين الإنس يوحي بعضهم لبعض زخرف القول غرورا. هذا الصراع هو الذي دفع العصابة الخليفية لتدشين آخر مشاريعها الهادفة لمحو هوية البحرين وتاريخها وثقافتها، وهو مشروع يهدف لأمور عديدة: أولها محو تاريخها الممتد من حضارة دلمون مرورا بالإسلام الذي احتنضه البحرانيون بإيمان وقناعة واعتبروه هوية ثابتة لن يتخلّوا عنها يوما، حتى لو سعى الخليفيون لفرض الصهينة بكل ما لديهم. ثانيها: التدخلات الأخرى التي كان للمواطنين خلالها مواقف مشرّفة انتهت جميعا بدحر المحتل الأجنبي، وهو تراث نضالي مشرق أكد انتماء البحرين للإسلام والعروبة بدون نقاش او جدال. ثالثها: محاولة الطاغية الحالي الإجهاز على ذلك التراث تارة بالبدء بتهويد العاصمة، وأخرى بإبعاد سكانها الأصليين عنها وإحلال الأجانب مكانهم، وثالثهم بتغيير الأسماء التاريخية للمناطق، وهو مشروع شيطاني استوعبه البحرانيون الأصليون (شيعة وسنة) ورفضوا الانصياع له. وكما صمد البحرانيون طوال العقود الماضية أمام الهجمة الخليفية البشعة، فسيصمدون بوجه محاولات طمس الهوية والتاريخ ورفض مقولة الطاغية بأن تاريخ البحرين لم يبدأ إلا بالاحتلال الخليفي. سيدحر الشعب هذا الاحتلال وسيعيد للبحرين نقاءها الإيماني وانتماءها الإسلامي وفخرها بعروبتها وانتسابها للقبائل العربية الأصيلة ومنها وائل وعبد القيس.
الحاكم هنا طاغية يشعر بخواء سياسي ودستوري وشعبي، ويلجأ لملء النقص بالهرولة لأية مناسبة تبعده عن الأرض التي تصك أسماعه يوميا هتافات المظلومين داعية لسقوطه وإنهاء حقبته السوداء. وحين يجلس بثوبه وعقاله بين الضيوف يظن متوهما أن ذلك الموقف يوفر له حماية من غضب الشعب الذي اضطهده وظلمه وسجن شبابه واعتدى على حرماته. وفاته أن أحدا من مضيّفيه لن ينقذه حين يهوي من كرسيه مرفوضا تلاحقه لعنات تاريخه الأسود ودعوات الثاكلات وأنات ضحايا التعذيب. من غياهب السجون تنطلق هذه الدعوات من الشباب الذي قضي أيام شبابه مغللا بالسلاسل والقيود. يظن هذا الطاغية أن إمعانه في التنكيل والإهانة سيصبح رادعا لأبناء الوطن عن الانخراط في مشروع التغيير. وفاته أن مشهد المعتقل السياسي الذي يسوقه الجلادون مغللا بالقيود من أهم دوافع كراهية الحكم الخليفي الذي تفوق على كافة الأنظمة السياسية العربية في حربه الظالمة على الأبرياء. حين يسعى لإهانة الأستاذ عبد الوهاب حسين لإجباره على لبس القيود فيرفضها الأستاذ شامخا صامدا، فإنه يضيف مزيدا من الجرائم للقائمة الطويلة من الجرائم التي ارتكبها بحق الوطن والشعب. لقد رفض الأستاذ حسن مشيمع والدكتور السنكيس التقييد بالسلاسل بشكل قاطع، فانتقم الطاغية منهما بحرمانهما من العلاج والدواء، ولكن ما النتيجة. لقد سطّر هؤلاء تاريخا من الإباء والشموخ بذلك الموقف، وأعلنا للطاغية وعصابته رفضهما الابتزاز واستعدادهما للاستمرار في تضحياتهما من أجل الحرية حتى يسقط نظام الاستعباد والإذلال والإهانة. هذا الصمود الأسطوري تحوّل إلى مدرسة في النضال من أجل الحرية والعدل والحق، وأصبح المعتقلون الشباب يفتخرون به ويسعون للسير على هديه. فهناك تراث من مشاعر العزة والكرامة والحرية لا يستطيع الخليفيون إلغاءها لانها متجذّرة في نفوس البحرانيين ومؤسسة على الإيمان والحرية والصدق والتضحية. لهذا سينتصر الحق البحراني على الظلم الخليفي البشع، وسيجعل الله بعد عُسرٍ يُسرا.
لقد حضر الطاغية وبطانته المتعجرفة حفل تنصيب الملك البريطاني، ولكن كان الضحايا له بالمرصاد منذ اللحظة الأولى التي هبطت فيها طائرته. ومرة أخرى كشفت أوراق العصابة الخليفية في مجال الظلم والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان. كما توسعت دائرة المطالبة بوقف دعمه سباق الخيل الذي يعقد بمدينة ويندسور البريطانية، بعد ان اتضح ان الاموال التي ينفقها إنما هي أموال شعب البحرين التي سرقها الطاغية الخليفي وراح ينفقها لترويج نفسه وتوسيع الدعاية لعصابته، واستمالة البيت الملكي البريطاني لكي يستمر دعم حكم الاستبداد الخليفي. إنها محاولات تؤكد يأس الطاغية وعصابته وتكشف حتمية وقوعهم في الهاوية بعد ان خانوا الله ورسوله والأمة والشعب وفلسطين. وما ذلك على الله بعزيز.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
12 مايو 2023