البحرانيون يحيّون فلسطين وشعبها بالذكرى الخامسة والسبعين للنكبة
الموقف الشعبي البحراني الداعم للقضية الفلسطينية ليس جديدا او مفتعلا او مؤقتا، بل يعبر عن قناعة راسخة لأبناء هذا البلد المبتلى بأصناف المصائب الناجمة من نمط الحكم الذي يسيطر عليه. إنها تعبير عن الوعي المختزن في اللاشعور الشعبي منذ اليوم الأول للاحتلال الصهيوني لأرض المعراج. يومها كان للشباب البحراني حضور داعم سواء بالتظاهر في شوارع البحرين ضد الاحتلال ام المشاركة الميدانية للتصدي للاحتلال أم بالترويج لظلامة الشعب المستهدف من قبل قوى الظلم والعدوان والهيمنة. هذا الموقف لم يتغير على مدى ثلاثة أرباع القرن منذ ما يسمى “النكبة” التي اصيبت بها أمة العرب عندما تخلت عن تقديم ما يناسب من دفاع عن فلسطين وأهلها. يومها كانت الشعوب مغيّبة عن المشهد في ظل تغوّل الاستعمار والانظمة العميلة له. فلم يكن هناك موقف فاعل ضد القرار البريطاني بإنهاء الانتداب وتسليم فلسطين للمجموعات الصهيونية المتطرفة التي عاثت فيها فسادا وقتلا وتخريبا. ثلاثة أرباع القرن من الاضطهاد وتوسع الاحتلال، وما يزال العنفون الفلسطيني يحول دون السيطرة الصهيونية المطلقة على تلك الأرض التي باركها الله بفضل المسجد الأقصى “سبحان الذي أسرى بعبده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله”. ومن المؤكد أن صمود أبناء هذا الشعب الاسطوري أصبح مدرسة للنضال في العالم العربي بشكل خاص، وساهم بشكل كبير في إفشال الخطط الرامية لإنهاء القضية وفق الشروط الصهيونية المدعومة من أمريكا وأوروبا. وقد شهد هذا الشهر تساقط الشهداء في جنين وغزة والقدس، لتتحول دماؤهم إلى وقود يحفظ نار الثورة من الانطفاء. وقد ساهم الآباء والأمهات في إلهام الاجيال روح الحرية والكرامة ورفض الاحتلال، فتواصلت قافلة العطاء وفيها الشهداء والجرحى والسجناء والمبعدون. وبذلك فشل المشروع الغربي الهادف لتركيع الأمة بكسر معنويات شبابها وأجيالها.
الذكرى الخامسة والسبعون لنكبة الأمة في فلسطين مرت في أجواء تختلف كثيرا عما كانت الاوضاع عليه آنذاك. فكيان الاحتلال الذي يعزّي نفسه وداعميه بأنه ما يزال قائما، يخفي حقائق مهمة تدحض دعاواه وتسام في تداعي معنويات المحتلين والمستوطنين. من هذه الحقائق ما يلي: أولها: انه فشل في بسط الأمين والسيطرة المطلقة على أرض فلسطين برغم تفوقه العسكري والمادي، وبرغم الدعم غير المحدود من القوى الغربية خصوصا الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا. فما يزال هذا الكيان يعيش هواجس غياب الأمن والشعور بانعدام الاستقرار. ثانيها: أن الشعب الفلسطين لم يرفع الراية البيضاء برغم مرور هذه الحقبة الزمنية الطويلة، فما يزال يرفض الاحتلال او الاعتراف بالكيان الغاصب او التخلي عن حلمه الذي سيتحقق بتحرير أرضه من البحر إلى النهر. فما أكثر تضحياته، إذ لا يكاد يمر يوم بدون سقوط شهيد او أكثر. ثالثها: أن التفوق العسكري الإسرائيلي ما يزال عاجزا عن بسط أمن الاحتلال، وما يزال العالم يشاهد العدوان اليومي على غزة بشكل خاص. كما لا تزال صواريخ المقاومة تنطلق برغم كثافة القصف وبشاعة المحتل. رابعها: أن الضمير العالمي الذي صمت على الاحتلال في البداية بدأ يتحرك ويتخذ موقفا واضحا ضده. وتكفي الإشارة الى التظاهرات والاحتجاجات التي طافت شوارع عواصم العالم ومدنه في الأيام الأخيرة لإحياء الذكرى وإعلان التضامن مع فلسطين وشعبها. هذا الوعي العالمي من شأنه أن يقلب الموقف ويضغط على الحكومات الداعمة للاحتلال لتغيير مواقفها وسياساتها ورفض الاحتلال. خامسها: أن قضية فلسطين تحولت الى مصدر للوعي والوطنية والثورية، تلهم المناضلين في كافة أصقاع الأرض وتقزّم الحكام العملاء في المنطقة، وتبقى زناد الثورة متقدا. لذلك بذلت جهود كثيرة منذ مطلع التسعينات لتصفية القضية بشتى أساليب الخداع والمكر تحت شعارات متعددة، ولكنها جميعا باءت بالفشل، وما يزال الشعب الفلسطين على موقفه الذي يصر على تحرير الأرض وعدم التنازل عن شبر منها.
هذه الحقائق واضحة لدى الشعوب المناضلة سواء في امريكا اللاتينية ام أفريقيا ام أوروبا أم العالم العربي. فبرغم عمال الأنظمة لأمريكا، وخيانة بعضها بشكل فاضح بالهرولة للتطبيع مع الاحتلال، ما تزال الشعوب تعلن بوضوح دعمها الحق الفلسطيني بدون مجاملة او خشية من الطغاة. ويمثل شعب البحرين أوضح مثال لهذا الوعي الجماهيري الذي لا يكتفي بالدعم السلبي لصمود الشعب الفلسطيني بل بالمواقف الفاعل في شكل الاحتجاج والتظاهر والمواقف المعلنة في وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع. فالمظاهرات عمت شوارع مدن البحرين وقراها رافعة أعلام فلسطين ومعلنة دعمها المطلق لشعبها المظلوم. المشاركون في هذه الاحتجاجات والتظاهرات يعلمون أنهم يسيرون باتجاه معاكس لسياسة “الدولة” التي هرولت بلا حياء للتطبيع مع العدو، متحدّية مشاعر الشعب. لكنهم يعلمون أيضا أنهم ينتمون للأمة التي قدمت الشهداء من أجل الحرية وتحرير الأرض والتصدي للعدوان، فهم يفتخرون بشهداء البحرين الذين قدّموا أرواحهم من أجلها وفي مقدمتهم الشهيد مزاحم الشتر (1982) ومحمد جمعة الشاخوري (أبريل 2002). وما أكثر الذين اعتقلوا بسبب مشاركتهم في مسيرات التضامن مع فلسطين خصوصا يوم القدس العالمي. لقد صمد هؤلاء أمام جلاديهم في طوامير التعذيب، وهتفت قلوبهم بصمت من أجل أرض المعراج. ويبرز المناضل عبد الهادي الخواجة المعتقل منذ اكثر من 12 عاما، في مقدمة الذين هتفوا من أجل فلسطين في باحة السجن. ويسجل التاريخ ان ضحايا الاضطهاد الخليفي المرتهنين في سجونهم، أصدروا من زنزاناتهم الضيقة بيانات الدعم والتضامن مع الشعب الفلسطين.
في ذكرى النكبة وقف الأحرار في فلسطين وقفة الأبطال وخرجت تظاهراتهم في أغلب مناطقها هاتفين بموت الاحتلال وحياة فلسطين. وكان لهذه الفعاليات العملاقة انعكاسات إيجابية على نفوس الكثيرين من ابناء الأمة. وقد شهد بعض عواصمها أصداء لنداءات تحرير فلسطين، كما انتشرت التظاهرات في العواصم العالمية بمشاركة مئات الآلاف من الأحرار الذين تمردوا على محاولاتالتضليل والتشويش والإلهاء والإنهاك، وأصروا على الاستمرار بتلقي دروسالصمود والإباء من فلسطين واهلها. وبذلك أفشلوا المشروع الغربي الهادف لكسر شوكة الأمة ومعنوياتها وتطلعاتها. واصبحت قضية فلسطين بذلك معيارا للحرية والإنسانية والوطنية، وتحقق بذلك حدوث استقطاب واضح بين الشرفاء والأحرار من جهة، والطغاة والصعاليك والعملاء من جهة آخرى. وهكذا تقف الإنسانية، بعد ثلاثة أرباع القرن، على مفرق طرق: بين الاستمرار في مسار الحرية والتحرير، او طريق الهاوية الذي يؤدي بسالكيه إلى الذل والهوان والاستعباد. شعبنا البحراني سلك، منذ عقود، طريق الحرية والإنسانية وتمرد على محاولاتالطغاة الخليفيين حرف ذلك المسار. يقف اليوم شبابه ونساؤه وقفة تاريخية مشرّفة بجانب المظلومين ضد الظالمين، بوجهالمحتلين ضد ضحايا الاحتلال. لقد تعلّم من أسلافه معاني الحرية وةالكرامة والإنسانية، فلم يحد عن ذلك الطريق لحظة، بل سلكه ماضيا وحاضرا بإرادة ووعي، وما يزال مصرّا على نيل حريته التي سلبها المحتلون، سواء في فلسطين أم البحرين. هذا الشعب لا يرى فرقا شاسعا بين الطغاة والمستبدين والمحتلين، فكلهم أعداء للحرية والإنسانية والعدالة. وفي الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة يقف أحرار البحرين مجددا مع فلسطين وضد الاحتلال، مع الحرية ضد الاستعباد، مع الحق ضد الظلم، مع الأمة ضد أعدائها، ويتعمق إيمانه بحتمية النصر على أعداء الله والإنسانية والأمة وفلسطين والبحرين.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
19 مايو 2023