المشروع الصهيوخليفي: اضطهاد الشعب وهدم المساجد واعتقال العلماء
ربما فاجأ البعض إقدام الطاغية الخليفي على إصدار أمر باعتقال سماحة الشيخ محممد صنقور، العالم الجليل الذي يؤسس مواقفه وخطبه على المباديء الإسلامية بمنطق واعتدال. ولكن من يعرف حقيقة العصابة الحاكمة يتوقع منها هذه الإجراءات وأكثر، خصوصا بعد ان تحالفت مع القوى الشيطانية لضرب الشعب ورموزه بدون رحمة. هذه العصابة انسلخت من إنسانيتها ووطنيتها وتحوّلت إلى شر مطلق، وأعلنت الحرب على الوطن والشعب والدين منذ أن هتف الشعب بسقوطها قبل اثني عشر عاما. فقد استعانت بالقوى الاجنبية لضرب المواطنين في دوار اللؤلؤة وفي شوارع المدن والقرى، وقتلت بدون رحمة العشرات من المواطنين واعتقلت الآلاف. وما تزال تصر على اعتقال الأحرار وسجن الأبرياء. ورفضت حتى الآن الإفراج عن سجين واحد قبل إكمال فترة الحكم الجائرة، ومنذ زمن ألغت فترة “المعاف” من حساب فترات السجن، وأصبح على المعتقل قضاء كامل الفترة المحكوم بها. وأكدت عداءها للشعب وثقافته وتاريخه بهدم عشرات المساجد والمراكز الدينية. كما استهدفت علماء الدين بالسجن والتعذيب وسحب الجنسية والإبعاد. تم ذلك كله أمام مرآى العالم الذي اكتفى بالتفرّج ولم يحّرك ساكنا للضغط من أجل الإفراج عن أي من معتقلي الرأي. وحتى الآن لم تطالب الدول “الديمقراطية” العصابة الخليفية بالإفراج عن معتقل واحد، حتى من يحمل جنسية إحدى دولها مثل عبد الهادي الخواجة والشيخ محمد حبيب المقداد.
مع الأخذ هذه الحقائق في الحسبان، جاء اعتقال الشيخ محمد صنقور ليضيف للسجل الإجرامي للطاغية الخليفي الذي تجاوز الحدود في تماديه وإجرامه وعمالته. هذا الشيخ الذي يؤم صلاة الجمعة بجامع الصادق في الدراز اتسم بالهدوء والاعتدال والحكمة. وحين تحدث الأسبوع الماضي في خطبة الجمعة عن ضرورة الإفراج عن المعتقلين السياسيين إنما كان يتناغم مع أمور عديدة: أولها ضميره ومسؤوليته الإنسانية والأخلاقية والوطنية التي تفرض عليه الخروج عن الصمت والمطالبة بذلك، ولو لم يفعل ذلك لاعتبر نفسه مقصّرا وهو الذي طالما قرأ دعاء الإمام زين العابدية (ع): اللهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره. ثانيها: التناغم مع مطالبة المنظمات الحقوقية الدولية بإطلاق سراح معتقلي الرأي، كما فعلت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووج، وكما طرح العديد من خبراء الأمم المتحدة، وهي دعوات منطلقة من روح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيق الأمم المتحدة في هذا المضمار. ثالثها: أن دعوته تنسجم مع حرصه، كعالم دين ورمز وطني، على البحث عن مخرج من الأزمة يبدأ بتبييض السجون وترتكز على الرغبة في التوصل إلى حالة هدوء قائمة على الحوار. وقد فات هذا العالم الجليل أنه يتعامل مع عصابة مجرمة لا تؤمن بالشعب أو الحوار معه، ولا تنتمي للمنظومة الإنسانية التي تولي اهتماما بحقوق الانسان. رابعها: الشعور بضرورة التضامن مع عائلات المعتقلين السياسيين، التي تطالب ليلا ونهارا بحرية أبنائها خصوصا بعد مرور أكثر من اثني عشر عاما على اعتقالهم الجائر، فلديه مشاعر إنسانية وإحساس بالمسؤولية خصوصا لموقعه الديني والاجتماعي. وبدلا من التعاطي الإيجابي مع دعوة الشيخ صنقور لتبييض السجون، عمد الطاغية لاعتقاله والتنكيل به وإهانته من قبل عناصر التحقيقات المعروفة بسقوطها الأخلاقي والإنساني وممارستها جريمة التعذيب بدون توقف.
ولا يمكن فصل اضطهاد العلماء عن السياسة الخليفية الهادفة لتغيير هوية البلاد، خصوصا بعد أن طرح الطاغية الخليفي مقولته الكاذبة بأن تاريخ البحرين إنما بدأ بالاحتلال الخليفي في العام 1783، وأنها لم يكن لها تاريخ قبل ذلك. ويتناسى أن عصابته التي حكمت البلاد منذ ذلك الوقت بدعم بريطاني متواصل لم تهتم بتطوير البلاد والسكان، فلم تؤسس المدارس أو المستشفيات إلا في العقود المتأخرة، ولم تهتم بتنشئة أجيال كفؤة بشكل جاد، وعلى عكس ذلك تورطت في اضطهاد الأجيال بالسجن والتعذيب والتنكيل، وأشعرتها بحالات استقطاب شاملة أدت الى قطيعة نفسية وسياسية بين الطرفين، الخليفيين والشعب، لا يوجد لها نظير في اي قطر عربي آخر. ورأت هذه العصابة في العلماء والمثقفين والمفكرين خطرا وجوديا نظرا لتباين الرؤى والفشل في طرح منظومة وطنية مؤسسة على الائتلاف والوئام والانصهار في بوتقة المواطنة المتساوية. يصدق هذا الكلام على السياسات التي فرضها الخليفيون على البلاد بعد الانسحاب البريطاني، وكذلك على العقود التي سبقت ذلك. ألم يقوموا (بدعم الا نجليز) بإبعاد الشيخ خلف العصفور إلى العراق في 1927؟ ألم يبعدوا عددا من المواطنين من بينها أحمد بن لاحج وعبد الوهاب الزياني إلى الهند في 1938؟ ألم يقوموا بنفي عبد علي العليوات وعبد الرحمن الباكر وعبد العزيز الشملان في 1957 إلى جزيرة سانت هيلانة؟ ألم يبعدوا العلماء الثلاثة )الشيخ علي سلمان والشيخ حمزة الديري والمرحوم السيد حيدر الستري) في يناير 1995 ثم الشيخ عادل الشعلة؟ ألم يبعدوا الشيخ حسين نجاتي؟ ألم يحاصروا منزل الشيخ عيسى أحمد قاسم أكثر من عام ونصف ويقتلوا ستة من الشباب على أعتابه؟ ألم يبعدوا الشيخ عيسى نفسه عن البلاد؟ أهذا نظام حكم ام عصابة مجرمة؟ أهذه حكومة تسعى لرعاية مصالح شعبها وتحافظ على أمنه واستقراره أم شرذمة محتلة تهدف لاقتلاع الشعب من أرضه واستبداله ببشر مستوردين من الخارج؟
بالأمس ارتكبت هذه العصابة جريمة التطبيع مع أعداء الأمة ومحتلي فلسطين، ولم يكتفوا بذلك بل سعوا لتغيير هوية الشعب وتاريخه، وحاولوا تغيير مناهجه الدراسية لتضمينها تاريخهم الخياني وتغيير حقائق التاريخ. هذه الخيانة تمارس يوميا من خلال مشروع التطبيع مع محتلي فلسطين بدون حياء. إنها واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها الخليفيون بحق البحرين، لا تقل بشاعة عن هدم المساجد. هذه المرة تتمثل الجريمة بالانقلاب على ثوابت الأمة والشعب، والتحالف مع العدو ضد الصديق، وتفتح له المجال للتواجد في البلاد بدون قيود او حدود. فلم يكتف الطاغية وعصابته بمد الجسور مع الصهاينة بل اعتقلوا من احتج ضد الاحتلال، واستقدموا وفودهم وإجبار موظفي الدولة للتطبيع مع هذه الوفود، ضمن مشروع شيطاني يهدف للقضاء على القضية الفلسطينية وإطفاء وهجها الذي ما برح مصدر إشعاع ثوري للمنطقة يستفيد منه الأحرار ويهتدي بنوره السائرون على درب الحرية والتحرير والكرامة.
واستمرارا لتشويه صورة البحرين ومحو تاريخها، عمد الخليفيون لتحريض عملائهم لاستهداف مسجد أحد الصحابة الكرام الذين شرّفوا البحرين بقدومهم منذ الأيام الأولى للإسلام. ويمثل مسجد صعصعة بن صوحان منارة تاريخية مرموقة للبحرين، ومصدر فخر واعتزاز للمواطنين الذين احتضنوا الإسلام بطواعية واتخذوه هوية لهم بقناعة تامة. اليوم يتعرض هذا القبر بقي عبر العصور مصدر فخر واعتزاز وشعور بالانتماء لدين الله، ولكن الخليفيين ساءهم ذلك، وبدأوا يخططون لإزالته. أليس ذلك تناغما مع السياسة الصهيونية لتهويد القدس؟ وهناك خشية كبيرة على مسجد المنارتين الذي يعتبر واحدا من أقدم المساجد على وجه هذا الكوكب، يربط حاضر البحرين بماضيها. فالطاغية وعصابته يعتبرون وجود هذا المسجد تفنيدا لدعواهم بان البحرين لم تكن شيئا قبل احتلالهم. إنه تزوير تاريخي مروّع يهدف مروّجوه لتوفير ارضية لاستهداف البحرين وأهلها، ذلك البلد الذي اعتنق دين الله طوعا بدون أن يوجف عليه بخيل ولا ركاب. اللهم احم هذا البلد الطيب وارع أهله من الإجرام الخليفي، وحصّنهم بحصنك المنيع ورد كيد أعداءهم في نحورهم.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
26 مايو 2023