يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم
لم تمر سوى بضعة أيام على إعدام شابين بحرانيين (صادق ثامر وجعفر سلطان) على أيدي القتلة السعوديين حتى أعلنت وزارة داخليتهم عن إعدام ثلاثة آخرين من أبناء المنطقة الشرقية. ففي يوم الأحد الماضي الرابع من يونيو ذبح آل سعود عن سبق إصرار وعمد كلا من: حسين بن علي المحيشي وفاضل بن زكي آل نصيف وزكريا بن حسن المحيشي. التهمة؟ مشاركتهم في احتجاجات شعبية قبل أكثر من عشرة أعوام، ولكن التهمة المزيفة التي وجهت لهم كانت امتلاك اسلحة والانتماء الى منظمة محظورة. وقبل أسبوعين حصدت آلة القتل السعودية أربعة شباب آخرين من أبناء المنطقة الشرقية أيضا وهم: محمد آل بدر، محمد مويس، حسن آل مهنا وحيدر مويس. وهناك عشرات المواطنين الذين ينتظرون دورهم. ومن هؤلاء الشيخ سلمان العودة والدكتور حسن المالكي وعبد الله الحويطي وعبد الله الدرازي ويوسف المناصيف. فماذا يعني استمرار القتل الجماعي في الجزيرة العربية؟
في البداية يجدر الإشارة إلى عدد من الامور: أولها: ان الظلم إنما يمارسه الحاكم الضعيف كما قال الامام علي عليه السلام: ويحتاج الى الظلم الضعيف. فالحكم السعودي ليس واثقا بنفسه، بل يشعر ان أي احتجاج ضده سيؤدي الى سقوطه، ولذلك يسعى للقضاء على أي صوت يطالب بالاصلاح او التغيير. ثانيا: أن الحكم السعودي عرف بدمويته وتوحشه، وأنه يمارس قطع رقاب الآدميين لأتفه الاسباب، ولا تعني الروح الإنسانية عنده شيئا، فهو عدو للحياة دائما. ثالثا: أن قطع الرقاب من سمات الحكم السعودي، وقلما يستخدمها نظام حكم آخر. حتى ان علم دولتهم يحمل شعار السيف للإيحاء بأنه لا يتردد عن قطع رؤوس الآدميين، كما فعل السفاحون قبله، ومنهم معاوية بن أبي سفيان وولده يزيد. رابعا: أن العصابة السعودية تحاول الإيحاء للمواطنين أنه ليس من حقهم المطالبة بما لم يتفضل الحاكمون بمنحهم إياه. ولذلك يرفض دائما أي مطلب يدعو للاصلاح السياسي او التحول إلى منظومة سياسية ينظمها دستور تعاقدي. خامسا: أن تراجع المستوى القيمي على صعيد العالم دفع السعوديين لمواصلة سياسة قطع رؤوس معارضيه. وذهب ألى ابعد من ذلك عندما أمر ولي عهد النظام بتقطيع أوصال الإعلامي المعروف، جمال خاشقجي في اكتوبر 2018. سادسا: أن السعوديين يشعرون أنهم حماة النظام السياسي العربي الشمولي، وأن عليهم ان يمنعوا أية محاولة للتغيير لأن ذلك سيؤدي الى تغييرات متواصلة في أغلب البلدان العربية.
لقد كانت ثورات الربيع العربي ظاهرة لم يتوقعها السعوديون ولا الانظمة الشمولية العربية، فكانت بمثابة الصعقة الكهربائية التي كادت تقضي عليهم. وفي البداية كان هناك ارتباك واضح لدى قوى الثورة المضادة التي تمثل السعودية أهم دعاماتها. وسعوا لاحتواء ذلك بامتصاص ما حدث ثم محاولة القضاء على أي تغيير نجم عنه. في البداية ازيح كل من زين العابدين بن علي وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح من رئاسة بلدانهم لامتصاص غضب الجماهير، ولكن ما ان تم القضاء على الثورات حتى بدأت مرحلة جديدة تميزت بأمور عديدة: أولها: العمل على إعادة الاوضاع إلى ما كانت عليه، حدث ذلك في مصر وتونس، وشنت حرب على اليمن حين استحال إعادة الوضع الى ما كان عليه. ثانيها: الانتقام من الشخصيات والجهات التي تصدرت مشهد التغيير في ذروة الثورات، فاستهدفت تونس بإسقاط ديمقراطيتها المحدودة وتم تنصيب أحد عناصر نظام بن علي، في شخص قيس سعيّد، وتم ال تنكيل بحركة النهضة ورئيسها الشيخ راشد الغنوشي الذي زج به في السجن. وفي مصر تم دعم العسكر برئاسة عبد الفتاح السيسي وأعيد الوضع إلى أسوأ مما كان عليه. وفي اليمن شن السعوديون حربا مدمرة على الشعب اليمني انتقاما. اما في البحرين فقد تدخل السعوديون عسكريا بدعم بقية قوى الثورة المضادة وفي مقدمتها الامارات.
وعندما أصر البحرانيون على مواصلة طريق الثورة تصدى السعوديون لهم بالتنكيل غير المحدود، فاجتاحوا بلدهم واستهدفوا ثورتهم وقتلوا شبابهم وجعلوا البلاد كلها أسيرة لديهم. وهنا سقط الوجود الخليفي عمليا، فقد أصبح الطاغية وعصابته أداة طيّعة بأيدي المحتلين السعوديين والإماراتيين، وفقدت البلاد بذلك سيادتها. وستظل كذلك ما دامت هذه العصابة تحكم البلاد، ولن تستعيد البحرين حريتها وسيادتها إلا إذا تحررت من الحكم الخليفي المارق. وهكذا بدأ العهد السعودي يفرض نفسه على المنطقة تمهيدا لقيام شرق أوسط جديد تكون “إسرائيل” فيه قوة فاعلة في ظل تغييب الشعوب العربية عن الحكم وتنمّر الحكام الطغاة. العهد السعودي هذه المرة سيكون كارثة على كافة الشعوب العربية الرافضة للاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، والمتضامنة مع شعبها والتواقة للحرية والكرامة والرافضة للاستبداد والديكتاتورية. ستكون الأيام والسنوات المقبلة صعبة على المنطقة لأسباب عديدة: أولها التخلف القيمي والأخلاقي لدى “العالم الحر” واستعداده للتعايش مع الاستبداد والظلم وانتهاك حقوق الانسان، ثانيها: توفر المال النفطي بمعدلات كبيرة لدى حكام الخليج الذين يعتبرون أكبر أعداء الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذه الوفرة تجعلهم قادرين على شراء الضمائر والمواقف ووسائل الإعلام والمنظمات بالإضافة للحكومات التي يسيل لعابها من أجل ذلك المال. ثالثها: تنمّر الجيل الحالي من الحكام، وهو الجيل الذي روّج له الغربيون بأنه سيكون جيل الإصلاح في المنطقة، واتضح ان ذلك الترويج كان بهدف ترويض الشعوب وتضليلها. رابعها: حالة الإنهاك التي أصابت الشعوب خصوصا في العقد الأخير، بعد ان تضافر تحالف قوى الثورة المضادة لاستهدافها والتنكيل بنشطائها بدون حدود. فقد سجن الآلاف وعذبوا وقتلوا بدون رحمة انتقاما من حراكاتهم الهادفة للتغيير السياسي والإصلاح. وقد أظهرت القمة العربية الأخيرة التي عقدت في مدينة جدّة السعودية إعادة تمحور قوى الثورة المضادة على خط مواجهة الشعوب ورفض التغيير والإصلاح بشكل مطلق.
يؤكد هذه الحقائق ما تعيشه الشعوب التي ثارت ضد الطغيان في ذروة الربيع العربي، من اضطهاد وظلم واستبداد وتنكيل. هذه الأوضاع ساهمت في تغيير موازين القوى بشكل جوهري، فتم تهميش الدول العربية الكبيرة ذات الشأن مثل مصر وسوريا والعراق واليمن، بينما قفزت الى قيادة العالم العربي حكومات هشة معروفة باستبدادها وعدائها للإصلاح والحقوق وتوجهها للتطبيع مع الاحتلال الصهيوني. فسجون مصر مكتظة بسجناء الرأي ومقابرها تحتفظ بجثامين آلاف الشهداء الذين قتلهم حكم العسكر. ولا تقل سجون البحرين اكتظاظا بمعتقلي الرأي الذين تعرضوا لأبشع أصناف التعذيب، وما يزالون يواجهون التنكيل اليومي من اضطهاد وحرمان من العلاج والدواء والعناية. ما يزال أكثر من عشرين منهم مهددين بالإعدام في أية لحظة، وقد صعقوا لسماع خبر الجريمة السعودية النكراء بقتل الشابين صادق ثامر وجعفر سلطان. طغاة البحرين يشعرون بأنهم في مأمن من العقوبة والمحاسبة القانونية، وأن الدعم الأنجلو-أمريكي والعلاقات مع الصهاينة بالاضافة للحماية السعودية والإماراتية، كل ذلك سيوفر لهم درعا واقيا من غضب الشعب. ونسوا السنن الإلهية التي تمهل ولا تهمل، وأن الله توعد الطغاة والظالمين بالعقوبة: “ولا يحسبن الذي كفروا أن ما نملي لهم خير لأنفسهم، إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين” و “إن عذاب ربك لواقع، ما له من دافع”. سيلقى هؤلاء الطغاة عذاب الله طال الزمن أم قصر، وسينتقم الله منهم شر انتقام: إنا من المجرمين منتقمون.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة احرار البحرين الإسلامية
9 يونيو 2023