انتصار الحق في جنين: شعبا فلسطين والبحرين يهزمان الاحتلال والاستبداد
باستشهاد الشاب محمد العالي هذا الاسبوع بعد صراع طويل مع المرض تعمقت قناعة البحرانيين بضرورة التخلص من الجرثومة الخليفية القاتلة. فها هم يودّعون أبناءهم ما بين شهيد بالتعذيب او بالرصاص او بالمرض الناجم عن الاضطهاد والتنكيل داخل السجن او الحرمان من العلاج والدواء. ويوما بعد آخر تطول قافلة الشهداء بدون توقف: فقد سبق الشهيد محمد العالي سلسلة من الشهداء الذين أطلق الخليفيون سراحهم بعدما تأكد أن موتهم كان نتيجة المرض الذي أصيبوا به وراء القضبان. أليس هذا ما حدث للشهيد كريم الحبشي في صيف 1980؟ فقد اعتقل في 22 يونيو، وعندما ساءت صحته وهو الشاب الذي لم يتجاوز عمره 16 عاما، أفرجوا عنه في 7 يوليو ليتوفى بعد يومين فقط. وهذا ما حدث بعد شهور للشهيد الشيخ جمال العصفور الذي نكل الخليفيون به في السجن، وعندما احتوشه المرض وأيقنوا حتمية رحيله، أخرجوه من السجن ليموت بعد أيام فحسب وذلك في 19 اغسطس 1981. وهذا ما حدث لعدد غير قليل من سجناء الرأي البحرانيين ومنهم: علي قنبر والسيد كاظم عباس السهلاوي وحميد خاتم. ويعاني السجين السياسي حبيب الفردان من ورم في الدماغ يهدد حياته، ولكنه ما يزال مرتهنا في سجون العدو الخليفي. وفي ظل هيمنة المصالح وغياب المشاعر والاعتبارات الإنسانية من سياسات الدول الغربية، لم يُسمع صوت من حكومات دول “العالم الحر” يدعو للإفراج عن المصابين بأمراض خطيرة داخل أقبية السجون، فضلا عن المطالبة بالإفراج عن كافة المعتقلين المسجونين بسبب آرائهم فحسب. يستكثر عالم القرن الحادي والعشرين الذي طالما استخدم شعار حقوق الإنسان لإثبات “إنسانيته” ان يحترم مقتضيات التزامه بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته أغلب دول العالم. ومن ذلك تجريم اعتقال الإنسان بسبب رأيه. ولو كان هناك قدر من الالتزام بالقانون الدولي لوقف الغربيون وقفة رجل واحد وأرغموا الخليفيين على تبييض السجون المكتظة بسجناء الرأي. ولكن يستحيل ذلك في عالم انسلخ السياسيون فيه عن مبادئهم وإنسانيتهم، وأصبحت المصلحة هي التي تحدد سياساتهم الخارجية.
جاء العدوان الصهيوني على جنين هذا الأسبوع ليكشف للعالم عددا من الأمور: أولها أن كيان الاحتلال لا يمكن إلا أن يكون عدوانيا، وأن وجوده يعني التوتر وعدم الاستقرار والحرب والعدوان الاضطهاد والمزيد من الاحتلال. ثانيها: أنه برغم مرور 75 عاما على احتلاله أرض فلسطين لم يحقق لنفسه ما كان يحلم رواده وقادته به من الأمن. فهو في حرب مستمرة ضد أهل الأرض الإصليين، وإن كان يبرر جرائمة بإظهارهم “إرهابيين”. ثالثها: أن الذين خانوا الأمة بالاعتراف بالاحتلال وما ينطوي عليه من القمع والاضطهاد والارهاب إنما يخدعون أنفسهم ولا يستطيعون خداع الله والمؤمنين وأحرار العالم. هؤلاء ذكرهم الله في كتابه المجيد: يخادعون الله ورسوله وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. رابعها: أن هؤلاء المطبّعين شجعوا المحتل على الإمعان في احتلاله وظلمه، ولم يستطيعوا ان يمنعوا بطشه وعدوانه يوما. خامسها: أن هؤلاء فشلوا في اتخاذ موقف إنساني ولو رمزي، فلم تتحرك مشاعرهم وهم يرون طوابير الدبابات الصهيونية والصواريخ والطائرات وهي تستهدف المدنيين في جنين، وقبلها في غزة ومناطق عديدة من الضفة الغربية. ولذلك احتقرهم أبناء الامة واعتبروهم خونة، بينما لم يحققوا لأنظمتهم القمعية أمنا دائما او يضمنوا بقاءهم في الحكم فترات طويلة. لقد أعادت مشاهد الدمار الشامل الذي أحدثته القوات الصهيونية بمدينة جنين في غضون يومين فحسب بعضا من مشاهد الدمار الذي أحدثته الحرب العالمية الثانية. لذلك كان غضب العالم أكبر من أن تحتويه الدعاية الإعلامية الغربية الهادفة للتعتيم على الجرائم الصهيونية. ويكفي ما حدث في جنين من تخريب إجرامي عبثي لاعتقال زعماء كيان الاحتلال وتقديمهم لمحاكمات دولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب واسعة. ولكن حين يكون تطبيق القانون الدولي بيد أمريكا وأوروبا لا يبقى مجال للعدالة وإقامة حكم القانون والانتصار للمظلومين.
لقد كان ما جرى في جنين هذا الأسبوع هزة ضميرية للكثيرين من أبناء الأمة، خصوصا أبناء البحرين الذين يشعرون أنهم هم المستهدفون بالتطبيع مع العدو الإسرائيلي. فالخليفيون انما فعلوا ذلك ليستعينوا بهم على المواطنين الشرفاء الباحثين عن الحرية والعدالة وحكم القانون والدولة المدنية الحديثة، وجميعها مطالب خارج المشروع الخليفي القذر الذي لم يحقق له، هو الآخر، أمنا دائما او قبولا شعبيا متواصلا منذ احتلال تلك العصابة المجرمة أرض البحرين الطاهرة. وقد حاول زعماؤهم لأكثر من قرنين تغيير الثوابت على ارض البحرين فما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. استقدموا الجلاوزة والفداوية فما أغنوا عنهم شيئا، وفتحوا مصاريع الابواب للبريطانيين فلم ينجحوا بتوفير الشرعية لحكمهم الباغي، واستعانوا بالسعوديين والإماراتيين وقواتهم المدججة بالسلام فما استطاعوا كسر شوكة الشعب البطل. ونصبوا على رأس جهاز أمنهم الضابط الاستعماري السيء الصيت، إيان هندرسون 34 عاما ذاق الأحرار البحرانيون خلالها أبشع أصناف التعذيب والتنكيل، ولكن هل تحقق الأمن الخليفي الحقيقي؟ فما ان قرر البريطانيون الانسحاب رسميا في العام 1971 حتى أصيب الخليفيون بالهلع وهرعوا لاستجداء البريطانيين للبقاء. وبقوا فعلا برغم سحب قواتهم العسكرية رسميا. وحين انطلقت الثورة المظفرة بإذن الله استجدى الطاغية مجددا عودة البريطانيين، بل قام ببناء قاعدة بحرية خاصة بهم لتشجيعهم على العودة، أوليس هو القائل علنا في جامعة أكسفورد مخاطبا البريطانيين: من الذي قال لكم اخرجوا (من البحرين)؟ إنه قن رخيص لا يخجل من الاستجداء ولا يشعر بالعار من العمالة للأجنبي. فهو يحسنها في الوقت الذي لا يتقن فيه معنى التعايش مع سكان الأرض الأصليين.ا
أمام هذا المشهد الذي يستعصي على التغيير، يستمر الصراع بين الطرفين على أشده، حتى لتبدو استحالة احتواء الوضع او وقف التداعي في العلاقات بين شعب البحرين الأبي والعصابة الخليفية التي تحكم الناس بالنار والحديد. في مقابل هذا الصراع المتواصل عبر العقود، هناك الصراع من أجل الحرية الذي يخوضه أبناء فلسطين. وهنا أيضا تتجلى المفاصلة الكاملة بين سكان الأرض الاصليين والمحتلين الصهاينة. هذه ليست قصة جديدة، بل مشهد آخر من ملحمة نضال استمرت ثلاثة أرباع القرن ومحّصت المواقف. فطوال تلك الفترة وقف العرب والمسلمون وأحرار العالم مع الحق الفلسطيني، ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأدى ذلك إلى حالة استقطاب حادة مستمرة بدون توقف. الأمر الجديد الذي طرأ على هذه المعادلة قرار بعض العائلات الحاكمة في بعض الدول العربية الخروج على الإجماع العربي – الإسلامي إزاء قضية فلسطين. وبرزت حكومتا الإمارات والبحرين بسياسة الهرولة والانبطاح والاستسلام للعدو المحتل، بدون عائد سياسي يذكر. ونجم عن ذلك إدخال تعديل طفيف على التوازن السياسي الإقليمي ما يزال متواضعا. فما يزال هناك رفض عربي وإسلامي مطلق لأمور عديدة: أولها الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، وهذه مسألة ثابتة لم تتغير برغم محاولات التضليل والتشويه من قبل تحالف قوى الثورة المضادة. ثانيها: الاعتراف بالاحتلال او التفاوض المفضي للتطبيع معه في الوقت الذي يعيش فيه الشعب الفلسطيني في المخيمات ويرفض التخلي عن أرضه ووطنه او حقه في النضال من أجل التحرير. ثالثها: التخلي عن الشعب الفلسطيني المظلوم، وهو موقف مشرّف تمارسه الشعوب العربية وتتناغم معه حكومات عربية وإسلامية عديدة. هذا الموقف لا يتأكد إلا برفض الاحتلال الإسرائيلي، فلا يمكن الجمع بين دعم الشعب الفلسطيني والاعتراف بنظام الاحتلال وحكومته. فهذان أمران متناقضان لا يمكن الجمع بينهما. رابعها: إزاحة قضية فلسطين عن موقعها التاريخي كقضية محورية في السياسات العربية والإسلامية، برغم المحاولات المستمرة لتهميشها وتجاوزها.
لقد ارتكب العدو الصهيوني جرائم حرب واسعة في جنين، وأعانه الصمت العالمي على ذلك، وساهم تطبيع بعض الانظمة العربية خصوصا حكام الإمارات والبحرين على ذلك. وكان أمرا مقززا جدا رفض هاتين الحكومتين سحب سفيريهما من تل أبيب أو طرد سفير الاحتلال من أراضيهم. إنه تواطؤ مخز يرفضه شعبا الإمارات والبحرين بشكل خاص، ولذلك خرجت المسيرات في المنامة وبقية مناطق البحرين معلنة دعم الشعب البحراني الذي يعاني من الاحتلال الخليفي للشعب الفلسطيني. ويكفي موقف الخليفيين الداعم للصهاينة لإدانتهم بالتواطؤ والعمالة والخيانة، وسيتحقق ذلك بعون الله عندما يستعيد الشعب قراره وسلطته السياسية ويقيم حكم القانون، فذلك طريق أمن البلاد واستقرارها. سينتصر شعب فلسطين على الاحتلال بعون الله، وسينتصر شعب البحرين على الطغيان والاستبداد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك وفك قيد أسرانا يا رب العالمين.
حركة أحرار البحرين الإسلامية
7 يوليو 2023