تاريخ بحراني مشرق ارتبط بالإسلام وتشرّف بالحسين (ع)
موسم حسيني جديد يقترب حلوله، فيبدأ عشاق الحسين استعداداتهم لاستقباله بما يليق. كما يستعد أحفاد يزيد لشحد سيوفهم من أجل الانقضاض على الحسينيين. دورة سنوية من الصراع بين الحق الذي يمثله الحسين والباطل اليزيدي المقيت. ويبدو الأمر للكثيرين محسوما بهذه المعادلة، ولكن يخطيء من يعتقد ان اليزيديين يعدمون وسائل التضليل او التخدير او الترهيب. فقد أثبتت وقائع التاريخ أنه ما من حسين ثائر إلا وهناك يزيد قاتل. هكذا قرأنا تاريخ النضال الأزلي من أجل الحرية والعدالة، وهكذا استوعبنا دلالات القبور الكثيرة التي يؤمها المناضلون في اصقاع الارض ليسترجعوا نسيم الحرية الذي ينبعث من لحود الشهداء. فعبق الشهادة لا يتلاشى بل يزداد عطرا، وأجيال الحسينيين تزداد فتوّة وعزما. هذا هو منطق الأشياء كما أرادها الله تعالى. فلا مجال لمبارحة الميدان لأن الانسحاب يةن الزحف لا يجوز، بل هو من السبع الموبقات التي حرمها الله. فلولا ثبات المؤمنين على عهد رسول الله حين التقى الجمعان لما قامت للدين قائمة. وهكذا الموقف اليوم، حيث يشحذ الباطل سيفه لمواجهة أهل الحق واستهداف الدين وأهله وعلمائه ودعاته. هناك يجدر بالمؤمن استحضار موقف الحسين عليه السلام يوم الطف، وهو يرى الجيش الأموي الذي ملأ الأفق وسيطر على نهر الفرات وفرض حصارا مطبقا على الحسين وأصحابه. كان حصارا جائرا بلا إنسانية، إذ منع كل شيء حتى الماء من الوصول الى معسكر الحسين. هذه سمات معسكر الباطل. وها هم المتنمون لهذا المعسكر اليوم يحرمون المرضى ن العلاج والدواء حتى يتمكن المرض من الجسد العليل ويقضي عليه تدريجيا. رحم الله شهداءنا الذين قضوا ظلما بسبب هذا الحصار وآخرهم محمد حسن يعقوب العالي.
وهل هناك دلالات اكبر على الصراع بين الخطين الحسيني واليزيد اوضح مما يعيشه البحرانيون كل عام؟ هنا يبدأ السباق بينهما، وهنا تتساقط الإقنعة، وما هي إلا برهة فإذا بالحسينيين قابعين في سجون الطغاة، ليبدأوا بذلك مرحلة من العناء. ولكن الصراع لا يتوقف. ففي كل زنزانة ثلة حسينية معتقلة ترفض التخلي عن إمامها الشهيد الذي ضرجته الدماء على أرض كربلاء، وهي دماؤه تتجدد عبر الزمان والمكان. إن فاتورة الحرية باهضة الثمن لا يتحمّلها إلا ذوو النفوس العالية والهمم الرفيعة ومن اختمرت في نفوسهم مشاعر العزة والكرامة. وفي مقدمة هؤلاء من تعمّق الإيمان في نفوسهم فرأوا الله ببصائرهم وأدركوا دور الحرية في تعميق الإيمان. فمن يؤمن بالله حقا لا يطأطيء رأسه لطاغوت او متجبر. هذا ما أكده الإمام الحسين عليه السلام: لا أعطي بيدي إعطاء الذليل ولا أقر قرار العبيد. رآى سيد الشهداء ان الإيمان يمقت الذل للمؤمنين، كما يرفض الاستكانة للاستضعاف ونتائجه: “الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا فيم كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قال: ألم تك أرض الله وساعة فتهاجروا فيها”. فليس هناك مكان للركون إلى حالة الاستضعاف التي تمليها الظروف، فالمؤمن قوي بقلبه ووجوده، ولديه وعد من الله بالنصر بشرط عدم الاستكانة للظالمين او التخلي عن الإيمان المطلق بالله تعالى، ذلك الإيمان الذي يفتح طريق النصر والخير للمؤمنين: بلى ان تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين.
صحراء كربلاء كانت على موعد مع المؤمنين الذين لم يشعروا لحظة بالخوف او الوجل وهم يحيطون بالحسين عليه السلام، ذلك الطود الشامخ الذي رفض الانصياع للمشروع الأموي مع علمه أن موقفه سوف يؤدي لاستشهاده ومن معه. الشهادة في نظره عنوان للبقاء والخلود، وهي ما يتطلع له من امتحن الله قلبه للإيمان. لم يتحرك بدافع الوصول الى السلطة، بل بدافع الإيمان أولا والسعي لوقف اندفاع المشروع البديل للإسلام الذي جاء به محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام ثانيا، ولكي يحقق قدرا من التوازن في الصراع الأزلي بين الحق والباطل، فيسعى لترجيح كفة الحق مهما كان ثمن ذلك باهضا ثالثا. وقف الحسين وأهل بيته وأصحابه وقفة الأبطال متعبّدين بذلك الموقف لله، ليكتبوا تاريخا جديدا ليس للمسلمين فحسب بل للأحرار والشرفاء والصالحين الذين يقدّسون المباديء وينتمون للإنسانية الحرة التي ترفض القيود والأغلال. في ذلك الصيف القائض حيث حرارة الصحراء اللاهبة وانعدام مقومات البقاء خصوصا الماء الذي سيطر عليه الجيش الأموي، وقف التاريخ ليسجل الملحمة الخالدة التي بقيت نورا في تاريخ أمة أراد طغاتها لها العيش الكالح. لقد دشّن الحسين بدمه عهدا جديدا من الحرية والكرامة والتضحية من أجل الحق بدون تردد او خوف. فهل يعيش المرء إلا مرة واحدة؟ فما قيمة ذلك العيش إن لم يشعر صاحبه بالإنسانية والكرامة والعزة؟
وهكذا سار الحسينيون عبر التاريخ على خطى الحسين وشهداء الطف، فاستصغروا النفوس ووهبوا حياتهم لله بلا وجل او خوف. إنها قصة الحرية الحمراء التي يطرق بابها الأحرار ويتقلدها الشهداء وساما يزداد خلودا مع الإيمان بالله واستصغار من سواه. ما أكثر شهداء الحرية الذين مزق الطغاة أجساهم انتقاما منهم لإصرارهم على سلوك نهج الحسين عليه السلام. الحسينيون تيار يجري بلا توقف، وعناوين للصمود والشموخ والإباء والخلود. أليس هذا هو موقف شهداء البحرين الذين رأوا في المشروع الخليفي استنساخا خبيثا للمشروع الأموي؟ لقد كان الواحد من هؤلاء الشهداء الأبطال يعدل ما لدى الطغاة الخليفيين من إرادة وعزم، فما أن يسقط شهيد حتى يقول الآخر: أنا الشهيد التالي. لذلك جيشّ الطاغية وعصابته جيوشهم واستقدموا أعداء الأمة للاستقواء بهم على البحرانيين الثابتين الملتزمين بخط الحسين، والمتصدّين للمشروع الأموي البغيض. هذا الصراع التاريخي لم يتوقف يوما، وسيتكرر هذا العام مع حلول موسم عاشوراء.
الحسينيون يصرّون على أظهار ولائهم لله ورسوله وأهل بيته، ويمثل الحسين لهم قدوة في الصمود والتضحية والفداء، ولا يمكن ان تمر ذكرى استشهاده بدون الاحتفاء بها بما يليق هذا يعني ان مواكب العزاء ستخرج كعادتها منذ قرون، بل منذ ان أعلنت أوال ولاءها لله ورسوله وأهل بيته في السنة السابعة للهجرة، وصاغت هويتها على أساس ذلك. وعلى مر القرون كان الحسين حاضرا في ثقافة البحرانيين، علماء ومفكرين وشعراء وبشرا عاديين. هؤلاء يستقون من صعصعة روحا ثورية ضد الظالمين، فيستحضرون مواقفه أمام معاوية، مؤسس الضلال والانحراف والمشروع الأموي البغيض، ويعلمون كيف تخلص منه بنفيه ألى البحرين لاتقاء لسانه الذي ينطق بالحق ولا تأخذه في الله لومة لائم. هكاذا كان البحرانيون الأوائل يستقون العلم من مصادره المرتبطة بآل بيت رسول الله، يفدون الإسلام بأرواحهم، ويصمدون عند النزالل. وهناك ستة من أنصار الحسين يعود أصلهم للبحرين، وهم من قبيلة عبيد القيس، تتردد أسماؤهم في المقاتل وهم الأدهم بن اُميّة العبدي وسيف بن مالك وعامر بن مسلم وعبد الله بن يزيد بن ثبيط وعبيد الله بن يزيد بن ثبيط ويزيد بن ثبيط أو ثبيت العبدي.
وتواصلت حلقة العلم والعلماء البحرانيين. وتحتوي كتب العالم الجليل الذي عاش في البحرين قبل اكثر من سبعة قرون على ما يؤكد الولاء للحسين، فهل ينكر أحد دور الشيخ ميثم البحراني في تاصيل الفلسفة الإسلامة وعلم الكلام. وتلاه علماء كثيرون من بينهم السيد هاشم التوبلاني وكتابه “البرهان في تفسير القرآن”. هذا غيض من فيض من عطاء أهل البحرين الذين ارتبطوا بأهل بيت رسول الله والذين يسعى الحكم اليزيدي الحالي لاستئصالهم وطمس هويتهم وإبعادهم عن أرضهم. قصة أخرى من قصص العدوان البغيض الذي يمارسه اليزيديون ماضيا وحاضرا. سينتصر الحسين دائما ويهزم يزيد، فالحق يعلو ولا يعلى عليه، والسجون لا تلغي حتمية النصر بل تؤكدها.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، وفك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
14 يوليو 2023