إضراب السجناء الأبطال أعاد قضية التغيير السياسي إلى الواجهة
بعد ان دخل السجناء السياسيون المضربون عن الطعام أسبوعهم الرابع اتضح للعالم ان القضية في البحرين لم تعد حقوقية فحسب، بل ظهرت بشكل جلي أنها سياسية في الأساس. وهذا ما أكده المضربون الأبطال مرارا، إذ قالوا أنهم في الوقت الذي يصرّون فيه على مطالبهم المرتبطة بظروف سجنهم فإنهم ملتزمون كذلك بالمطالب السياسية التي سجنوا بسببها. هؤلاء الأبطال ليسوا سذجا بل يمتلكون بصيرة نافذة لان الله فتح قلبهم للإيمان والثبات والوعي، فرأوا ظلم الظالم وتصدوا له بعنفوان، وأدركوا خبثه وإجرامه فآلوا على أنفسهم أن لا يتراجعوا عن مواقفهم خطوة واحدة، ورأوا في حكمه ظلما فاحشا وانحرافا واضحا وعدوانا آثما على الدين والأخلاق والوطن والإنسانية، فرأوا سعادتهم في التصدي لذلك، لعلمهم أن الساكت عن الحق شيطان أخرى. هؤلاء المضربون عن الطعام تفوقوا كثيرا على سجانيهم، فلجأوا لاستخدام الجوع سلاحا في المعركة الدائرة بين البحرانيين والخليفيين منذ أكثر من مائة عام. يعلم هؤلاء السجناء أنهم يخاطرون بحياتهم بشكل جريء، ولكنهم أدركوا أن العيش في ظل الظلم والإهانة والإذلال أصعب من الامتناع عن الطعام. فهم يصبحون يوميا ويمسون على أصوات الشتم والكلام البذيء والتهديد والإهانة من أتفه البشر الذين خلت قلوبهم من الرحمة والإنسانية. فكيف يعيش بجراني شريف غرف من معين الإسلام وارتوى من نبع البحرين الصافي الذي اختلط بولاء آل بيت محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام، مع هذا الوضع الذي لا ينسجم مع الكرامة التي وهبها الله إياهم؟
السجناء المضربون عن الطعام اعتقلوا في فترات مختلفة، ويعتبر الرموز الشرفاء من أقدمهم. فقد اعتقلوا بعد الاحتلال السعودي – الإماراتي للبحرين الذي حدث بعد شهر واحد من انطلاق ثورة الشعب في 14 فبراير. وكان دخول ذلك الاحتلال الغاشم بداية حقبة سوداء كالحة لم تشهد البلاد لها مثيلا من قبل. فقد فرضت أحكام الطواريء واعتقل آلاف المواطنين في مقدمتهم الرموز الكبار: حسن مشيمع وعبد الوهاب حسين والشيخ عبد الجليل المقداد والشيخ محمد حبيب المقداد والشيخ سعيد النوري والشيخ عبد الهادي المخوضر والدكتور عبد الجليل السنكيس. وتبعهم النشطاء والكوادر السياسية، وتعرض السجناء لواحدة من أقبح الجرائم ضد الانسانية حيث مورس بحقهم التعذيب على أبشع نطاق. وأكدت لجنة التحقيق التي فرضت على الخليفيين في ذلك العام أن الطاغية وعصابته استخدموا “التعذيب الممنهج”. ومنذ ذلك الوقت استمرت الاعتقالات والتنكيل والاضطهاد، وفاقم ذلك موجة من الاضطهاد الديني غير مسبوقة، بدأت باعتقال علماء الدين وتلاها هدم قرابة 40 مسجد ومبنى ديني. ارتكب حمد بن عيسى تلك الجرائم لكي يؤكد للعالم ان الخليفيين مصمّمون على تغيير البحرين بشكل نهائي. ولكن شاء الله فضح هذا الطاغية وإفشال مشروعه الطائفي المقيت، فصمد السجناء السياسيون وحدثت هبّة دولية حقوقية أحرجت داعميه في واشنطن ولندن، ففشل مشروعه، وعاد السكان الأصليون أقوى مما كانوا عليه قبل ذلك: “إنما صنعوا كيد ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى”.
طوال الاثني عشر عاما الماضية كان السجناء شوكة في عيون العدو الخليفيينن لأسباب عديدة: أولها أن بقاءهم وراء القضبان. يذكّر الشعب والعالم بالآزمة السياسية والحقوقية والاخلاقية التي عصفت بالخليفيين، وتعيد ذكريات الثورة التي هتف المشاركون فيها بشعارات كشفت الرفض الشعبي المطلق للحكم الخليفي. ثانيها: أن قضية السجناء سلاح ماض بأيدي النشطاء الحقوقيين والسياسيين، فهي تجر التعاطف الدولي وتعمّق صورة الخليفيين كعصابة مجرمة، تمارس التعذيب وتصادر الحريات ولا تراعي قانونا او شرعة دولية. ثالثها: أن بقاء السجون مكتظة بنازليها يبقي القضية السياسية قائمة، خصوصا أن سنوات السجن التي قضوها أحدثت لديهم وعيا عميقا بأن معاناتهم تحت أيدي الجلادين إنما هي بسبب فساد الحكم، وأنهم إذا أرادوا التخلص من ذلك فلا بد من تغيير نظام الحكم الفاشي. رابعا: أن قضية البحرين السياسية والإنسانية بقيت حية وترفض التراجع, ويؤكد ذلك استمرار السجنتاء السياسيين في مطالبتهم بالتغيير السياسي بالإضافة لمطالباتهم بتحسين أوضاع السجون. خامسا: أن فترة الأثني عشر عاما الأخيرة ساهمت في بلورة مشروع سياسي واضح يهدف لإنهاء الحكم القبلي الاستبدادي، وأحدث حرجا لداعمي الطغمة الحاكمة سواء في امريكا ام بريطانيا ام السعودية ام الإمارات. بل امتدت آثار الثورة البحرانية للدول الإقليمية الأخرى الامر الذي أصبح مصدر حرج متواصل لحكام تلك الدول. سادسا: أن السجن تحوّل بشكل تدريجي إلى مدرسة ساهمت في تربية أجيال ثورية تزداد وعيا وإصرارا على التغيير، فالسجن تحوّل إلى مدرسة للثائرين الذين تصقل المعاناة رؤاهم ومواقفهم وتدفعهم لتقدم الصفوف من أج التغيير.
وثمة حقيقة صعبة ارتبطت بالإضراب، وهي ان بدء الإضراب أسهل كثيرا من إنهائه. فالسجناء كانوا يعانون كثيرا من حالة الاضطهاد التي يمارسها الخليفيون بحقهم، وكانوا ممتعظين جدا من الحاجز الزجاجي الذي يفصل بين الرجل وأهله في أوقات الزيارة. كما يعانون من غياب العناية الصحية واستهتار مسؤولي السجن بصحة نزلائه. وقد طرحوا مطالبهم بوضوح فور إعلانهم بدء الإضراب. حتى هذه اللحظة لا يزال الخليفيون يصرّون على تجاهل مطالب السجناء السياسيين. وقد أصبحا كلا الطرفين يمارس سياسة الانتظار، وهي سياسة ذات حدّين. فالسجناء السياسيون المضربون يواجهون خطر استمرار الإضراب، وهو خطر قد يؤدي لاستشهاد العديد من السجناء. ولا يستطيعون إنهاء الإضراب إلا بعد تنفيذ مطالبهم. اما الجانب الخليفي فيرفض المطالب جملة وتفصيلا ويعتبرها خارج دائرة التفاوض. وهذا يعني انه مستعد للمغامرة التي قد تؤدي لوفاة العديد من البحرانيين. والواضح ان حياة المواطنين لا تمثل همّا لديه. فلا يشعر الخليفي بأدنى تعاطف مع المواطن البحراني الأصلي (من الشيعة والسنة). بل قد يرى أن ذلك سيكون رادعا للآخرين للامتناع عن المشاركة في أية فعالية مستقبلا. وقد مارس الخليفيون سياسة الانتقا على أسع نطاق. فهم لا يطبّقون القانون الذي يهدف لمعاقبة الجاني وفق مقتضى القانون. أما الخليفيون فهم يمارسون الانتقام من أي مواطن يعارضهم. سياسة الانتقام هذه هي التي تؤسس للتنكيل والتعذيب وإصدار الاحكام القاسية بحق المواطنين. فيسجن الناشط خمس سنوات لانه شارك في مسيرة سلمية تطالب بالإصلاح السياسي. ويقومون بتأطير سياسة الانتقام بأطر قانونية في ظاهرها. ولكن جوهرها الحقد والانتقام.
أمام هذه الحقائق لم يعد هناك جدوى من التعويل على إصلاح النظام السياسي الذي تهيمن عليه عائلة آل خليفة، فإصلاحها وهم وسراب. فالمخلصون من أبناء الوطن كانوا منذ عقود يسعون لبناء وطن متحضّر يحقق قيم المواطَنة المتساوية وإقامة حكم القانون وضمان الحريات العامة لكافة المواطنين. اما الخليفيون فيصرّون على حكم البحرين وكأنها شركة خاصة بهم، يملكون أسهمها وحق التصرف فيها وفق رغباتهم. وحين تحدث أزمة سياسية يلجاون للانتقام من كل من تسوّل له نفسه ممارسة أية فعالية سياسية معارضة. لذلك فهم مستاؤون جدا من إضراب السجناء السياسيين، ويخططون للانتقام منهم مستقبلا. ولكن في الوقت الحالي أصبحوا محاصرين بالإضراب الذي يضغط على داعميهم في واشنطن ولندن بشكل كبير، ويدفعهم لاتخاذ مواقف بالتخلي عن دعم الخليفيين، الأمر الذي سينعكس سلبا على مستقبل بقاء آل خليفة في الحكم. من هنا فهناك حماس شعبي واسع لدعم الإضراب والقائمين به، بكافة الوسائل المتاحة. إنها حياة جديدة لقضية سياسية جديدة – قديمة أحدثت استقطابا حادا بين طرفين: الخليفيين والبحرانيين. وسوف يستمر هذا الاستقطاب حتى يتحقق التغيير وينجلي الظلام الخليفي عن سماء الوطن.
المجد والخلود للسجناء السياسيين المضربين ولقادة الشعب المرتهنين لدى العصابة الخليفية المجرمة.
النصر للشعب الصابر الصامد المحتسب
الخزي والعار لأعداء الوطن والشعب والإنسانية.
ندعو الله أن يمحقهم ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، واجعل لهم قدم صدق عندك، فوك قيد أسرانا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
1 يوليو 2023