قلوب أحرار العالم تخفق تقديرا للسجناء المضربين، واستنكارا للتطبيع الخليفي مع العدو
لا يمكن اعتبار افتتاح سفارة لكيان الاحتلال في قلب العاصمة البحرانية إلا عدوانا وحشيا على الوطن والشعب وتحديا لكافة القيم الإنسانية والدينية والثقافية. ففي الوقت الذي يتحرّق المواطنون ألما لما يعنيه إخوتهم في أرض المعراج، يهرول هؤلاء نحو تل أبيب على أمل أن تحميهم من غضب الجماهير الثائرة التي وضعت فلسطين قبلة سياسية لها. وبهذه الخطوة ومعها استقبال وزير خارجية كيان الاحتلال، أكمل الطاغية وعصابته مشروع الخيانة والعمالة والسقوط. فلا شيء سيرتكبه بعد الآن سيفوق هذه القرارات عدوانا وسوءا وخيانة. وهنا يجدر طرح عدد من الأبعاد ذات الصلة:
أولها: أن دائرة الاحتجاج الشعبي ضد الخليفيين سوف تتسع تناغما مع المعتقلين السياسيين المضربين عن الطعام من جهة واستنكارا لما ارتكبته العصابة الخليفية في العامين الأخيرين من جرائم آخرها جريمة التطبيع مع العدو وتبادل الزيارات التي فتحت المجال امام رموز العدو لتدنيس أرض البحرين، والدخول في صفقات اقتصادية وسياسية وأمنية مع “إسرائيل”، وتبادل السفراء ثم بناء السفارات. كل ذلك كان هدفه كسر شوكة الشعب، أي تدمير إرادته وإلغاء كرامته ودفعه للاستسلام للخطط الخليفية بما فيها الهيمنة المطلقة على البلاد. لهذا يعتبر عدوانا فاشيا لن يمر بدون تبعات خطيرة على العصابة الحاكمة. وما استمرار إضراب السجناء السياسيين عن الطعام ودخوله الشهر الثاني إلا تأكيد لإصرار الشعب على التصدي لهذه العصابة المجرمة التي ارتكبت الموبقات بهدف اقتلاع الشعب من أرضه كما يفعل الصهاينة.
ثانيها: أن الحسابات الخليفية وراء هذه الهرولة لا تحظى بشيء من الصدقية او الواقعية. فوراءها هدف أمني واضح ناجم عن إصرار هذه العصابة على الاستبداد والطغيان والظلم والتنكيل. الخليفيون يعتقدون أن الصهاينة سوف يوفرون لهم دعما أمنيا لمواجهة الشعب البحراني الذي استعصى على التطويع، ويصر على نيل حقوقه السياسية كاملة ويرفض الهيمنة الخليفية المطقة التي تجاوزت الحدود. هذا الاعتقاد مؤسس على الدعاية الجوفاء التي يبثها الاعلام الغربي لكسر إرادة أهل فلسطين والشعوب العربية المصممة على تحرير الأرض من الاحتلال.
ثالثها: أن الكيان الإسرائيلي عجز عن تحقيق أمنه بشكل كامل. فقد مضى على قيامه 75 عاما، وما يزال زعماؤه يعيشون هواجس الأمن والاستقرار، وما أكثر الذين يغادرونه كل عام بعد ان يشعروا بغياب الأمن الذي كانوا موعودين به. وتكفي الإشارة الى النزاعات العرقية داخل حدود الكيان، سواء بين الشرقيين والغربيين، ام بين اليهود السود الذين استقدموا من أفريقيا أم بين هذه المجموعات وأجهزة الأمن، وآخرها ما حدث الشهر الماضي من اضطرابات من هذه المجموعات تم قمعها بقسوة. وبالاضافة لهذا الاضطراب البنيوي يبقى العامل الفلسطيني بعدا آخر للاضطراب الأمني. فالنظام الآمن لا يقتل الناس جزافا، فلا يمر يوم إلا ويسقط فلسطين شهيدا برصاص الاحتلال. فأين هو أمن هذا الكيان الغاصب؟ وتساهم جريمة قتل الفلسطينيين يوميا في إذكاء حماس الأجيال الجديدة لمواجهة الاحتلال لأن استمراره يعني استمرار نزف الدم الفلسطيني، وتهجير من بقي منهم في الداخل سواء في الأراضي المحتلة منذ العام 1948 ام في الضفة والقطاع. الصهاينة لم يشعروا بالأمن منذ أن بدأ الاحتلال، ولذلك استمروا في القتل والاغتيال وكافة أساليب التنكيل والاضطهاد وانتهاك حقوق الانسان.
رابعها: أن القرار الخليفي باحتضان الصهاينة طعنة لاي مشروع وحدوي عربي، خصوصا مع التزام العديد من الانظمة العربية بمقاطعة الاحتلال وعدم الاعتراف به او إقامة علاقات معه. وعلى هذا الموقف تلتقي الدول العربية الكبرى مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا والجزائر، بالإضافة لدول إسلامية كبرى مثل إيران وباكستان وبنغلاديش وماليزيا واندونيسيا. لذلك استغلت القوى الغربية خصوصا امريكا ضعف الموقف الخليفي سياسيا لدفعهم للتطبيع، ليس على مستوى الكلام فحسب، بل على كافة الجوانب العملية. وهنا تساهم هذه العصابة ليس في مشروع التطبيع فحسب بل في كسر شوكة العرب والمسلمين وتفتيت وحدة موقفهم الذي تأسس منذ ثلاثة أرباع القرن على الدفاع عن فلسطين وعدم الاعتراف بكيان الاحتلال. يضاف الى ذلك ان الخيانة الخليفية هذه تعتبر إعلان حرب مع قوى المقاومة التي كانت خط الدفاع الأول منذ اربعة عقود ضد تسيب الموقف العربي. فبعد سلسلة من الحروب بين العرب وكيان الاحتلال، جاءت قوى المقاومة لتفرض واقعا جديدا احدث توازنا في الموقفين السياسي والعسكري، وبذلك ساهمت في حماية البلدان العربية المجاورة للأراضي المحتلة من العدوان الإسرائيلي.
خامسها: أن الخليفيين، بقراراتهم الخيانية وفي مقدمتها التطبيع مع الاحتلال وخيانة القضية الفلسطينية، ساهموا في توحيد الشعب البحراني الأصلي (من الشيعة والسنة)، فهل يستطيع أي مواطن شريف، أيا كان انتماؤه المذهبي، السكوت على الجريمة الخليفية التي ارتكبتها هذه العصابة باسم الوطن والشعب؟ فإذا كان المكوّن السني قد صت طويلا على الجرائم الخليفية على أساس عدم الانجرار للاجندة الوطنية الراغبة في إقامة منظومة سياسية عصرية تتجاوز العرق والدين وأي انتماء آخر، فإن إقدام الخليفيين على جريمة التطبيع يمثل جريمة لا يجوز السكوت عليها، ولا يمكن تبريرها او وصفها بأي مصطلح آخر غير الخيانة. والنظام الذي يخون شعبه في القضايا الكبرى لا يمكن الوثوق به او التعايش معه او ائتمانه على الوطن وثرواته وهويته.
في ظل هذه الحقائق، لم يبق إلا طريق واحد أمام الشعب البحراني الأصلي (شيعة وسنة): العمل الشعبي والوطني المشترك لإحداث تغيير جوهري ينهي الحقبة الخليفية السوداء التي لطّخت سمعة البحرين وشعبها، وخانت قضايا الأمة، وتحالفت مع أعدائها، وطبّعت مع محتلي أرض المعراج. إن المطالبة بالتغيير مطلب شعبي قديم يتجدد دائما. وهو مشروع انخرط فيه الأحرار منذ أكثر من مائة عام، وما تزال قوافله تواصل السير، يترجل بعض المشاركين فيه مثل أحمد الشملان بعد أن يؤدوا أمانتهم ويقدموا شهاداتهم للتاريخ، ويرتبط به أجيال تلدها أرحام نساء أوال. وتضم معتقلات العدو الخليفي أجيالا من المناضلين، منهم الشيخ الكبير كالأستاذ حسن مشيمع الذي تجاوز عمره الخامسة والسبعين، والشباب اليافعين الذين أضربوا في سجن الحوض الجاف مؤخرا مطالبين بحقوق قانونية ومنهم: محمد علي عادل، وحسين سعيد عبد الكريم، أحمد مجيد، فراس حسين، فاضل محمد أمين، وعلي محمود محمد. هذه الحقائق تؤكد ان نضال الشعب البحراني من أجل الحرية عابر للزمان، وغير محدود بالمكان. هذا النضال يتصاعد مع تصاعد القمع الخليفي، ليؤكد عمق المشاعر الشعبية المصرّة على التغيير. فحتى حين تكتظ السجون بمعتقلي الرأي ليتجاوز عددهم في لحظة زمنية فارقة 5000 ، لا يتوقف الحراك لحظة. السبب أن البحرانيين ذاقوا من العذاب أضعافا فأصبح ما يتوقعونه من قمع حين يثورون لا يفوق ما يعانونه يوميا على أيدي الطغاة الخليفيين. ثم تأتي عوامل أخرى تساهم في تحريك المشاعر ضد العصابة الخليفية. ومن هذه العوامل جريمة التطبيع التي ارتكبها الطاغية وعصابته، وتصدّت له الجماهير بالرفض والاستنكار والتأكيد على براءة الشعب من تلك الخيانة ومرتكبيها الخليفيين.
الاحتجاجات التي خرجت هذا الأسبوع مستنكرة الجريمة الخليفية الأخيرة (التطبيع مع العدو وفتح سفارة له في المنامة) كشفت حالة الاستقطاب المبدئي والسياسي والأخلاقي بين الطرفين، وهو استقطاب يزداد ترسخا وتوسعا. فقد وقف ضده كافة قوى المجتمع البحراني ومكوناته من السكان الأصليين (شيعة وسنة)، وجميعهم يهتف ضد التطبيع الخليفي – الصهيوني الذي يعتبرونه خيانة وتخليا عن المسؤلية، واستخفافا بالشعب ووسيلة لممارسة التنكيل والتعذيب بحق المعترضين. مع ذلك يمكن تأكيد حقيقة واحدة: أن ما ارتكبته العصابة الخليفية تجاوز الحدود وكان وصمة عار في جبين الإنسانية وداعمي عصابات الحكم في الخليج. لذلك أصبح لزاما تصعيد الرفض الشعبي للحكم الخليفي الاستبدادي لحرمانه من مصدر القوة حتى ينتهي وجوده ويتحرر الشعب من أصفاده.
اللهم ارحم شهداءنا الأبرار، وفك قيد أسرانا وتقبل قرابيننا يا رب العالمين
حركة أحرار البحرين الإسلامية
8 سبتمبر 2023